ما أصل الخلاف الذي قررت فيه المحكمة "بحر الصين الجنوبي" لصالح الفلبين؟
لاهاي - أ ف ب
قررت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي اليوم الثلثاء (12 يوليو / تموز 2016) ان الصين لا تملك "حقوقا تاريخية" على القسم الاكبر من مياه بحر الصين الجنوبي الاستراتيجية، مؤيدة موقف الفيليبين في القضية، في قرار مرتقب يهدد بتصعيد التوتر في جنوب شرق اسيا.
واعلنت المحكمة في بيان "ترى المحكمة الا اساس قانونيا لمطالبة الصين بحقوق تاريخية على الموارد في المناطقة البحرية داخل +خط النقاط التسع+" الذي تستند الصين اليه في مطالبها، وهو وارد في خرائط تعود الى الاربعينيات.
وتعتبر بكين ان المساحة الكاملة تقريبا لبحر الصين الجنوبي الغني بالمحروقات خاضعة لسيادتها، ما يثير نزاعات مع الدول المشاطئة التي تحمل مطالب منافسة، اي الفيليبين وفيتنام وماليزيا وبروناي.
كما تشكل المنطقة محورا بحريا حيويا للتجارة العالمية فيما تحوي مياهها ثروة سمكية كبرى.
في طلب رفعته مانيلا في 2013 الى محكمة التحكيم التي تتخذ مقرا في لاهاي طالبتها بالتاكيد على ان مطالب الصين تشكل انتهاكا لاتفاقية الامم المتحدة حول قانون البحار التي وقعها البلدان. اما الصين فقاطعت الجلسات.
كذلك اكدت المحكمة التحكيم الدائمة الثلاثاء ان الصين انتهكت الحقوق السيادية للفيليبين في منطقة في بحر الصين الجنوبي، وافادت في بيان ان "الصين انتهكت حقوق الفيليبين السيادية في منطقتها الاقتصادية الحصرية من خلال التدخل في اعمال الصيد واستخراج النفط الفليليبينية وبناء جزر اصطناعية وعدم منع الصيادين الصينيين من الصيد في تلك المنطقة".
وسارعت وكالة الصين الجديدة الرسمية (شينخوا) الى التاكيد على ان الصين "لا تقبل ولا تعترف" بقرار المحكمة بعيد صدوره، من دون ان تنسب هذا التصريح لاي جهة.
اما الفيليبين فرحبت بلسان وزير خارجيتها برفيكتو ياساي بالقرار، داعية الى ضبط النفس. وقال الوزير ان "الفيليبين ترحب" بقرار المحكمة في لاهاي "بشأن الية التحكيم التي اطلقتها الفيليبين في ما يتعلق ببحر الصين الجنوبي".
تعتبر بكين ان المساحة الكاملة تقريبا لبحر الصين الجنوبي الغني بالمحروقات خاضعة لسيادتها، رغما عن الدول المشاطئة التي تحمل مطالب منافسة، اي الفيليبين وفيتنام وماليزيا وبروناي.
لتثبيت مطالبها نفذت بكين اعمال توسيع في جزر او ارصفة وبنت عليها مدارج هبوط ومرافئ ومنشآت اخرى، بينها مؤخرا اربع منارات على ارصفة وخامسة بجري بناؤها، على ما اعلنت وكالة الصين الجديدة الاثنين.
من جهة اخرى نفذت البحرية تدريبات عسكرية بين ارخبيل باراسيلز وجزيرة هينان الصينية (جنوب الصين).
ردود الأفعال
الصين تؤكد رفضها للحكم الصادر بشأن "بحر الصين الجنوبي"
أكدت بكين رفضها للحكم الصادر من محكمة دولية اليوم الثلثاء ضد مزاعم الصين بالسيادة على مساحات واسعة في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
وتعليقا على القرار الصادر عن محكمة التحكيم التابعة لمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، قالت الخارجية الصينية: "إن هذا الحكم باطل ولاغ وليس له أي قوة ملزمة".
وأضافت الوزارة في بيان على موقعها الإلكتروني: "تعارض الصين ولا تقبل أي مزاعم أو إجراءات على أساس حكم التحكيم".
وقالت إن الفلبين اختارت منفردة التحكيم بإقامتها الدعوى، معتبرة أن "الهدف خبيث وليس لحل النزاع مع الصين ولا الحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي".
الفلبين تشيد بالقرار الصادر بشأن "بحر الصين الجنوبي" وتدعو إلى ضبط النفس
دعت الفلبين إلى "ضبط النفس والهدوء" بعد الحكم الصادر اليوم الثلثاء ضد مزاعم الصين في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
وصرح وزير الخارجية الفلبيني بيرفيكتو ياساي بأن الفلبين ترحب بـ "القرار المهم" وأن الخبراء سيبحثون بكل دقة التحرك المقبل.
وأضاف في بيان أنه "في الوقت نفسه، ندعو المعنيين بضبط النفس والهدوء".
وقال: "تؤكد الفلبين بشدة احترامها لهذا القرار المهم وتعتبره إسهاما مهما في الجهود المتواصلة لحل النزاعات في بحر الصين الجنوبي".
وزير خارجية اليابان: حكم محكمة لاهاي بشأن بحر الصين الجنوبي نهائي وملزم
قالت اليابان اليوم الثلثاء إن حكم محكمة في لاهاي بشأن بحر الصين الجنوبي نهائي وملزم قانونيا وعلى الأطراف المعنية الالتزام به.
وقال وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا في بيان إن طوكيو تدافع باستمرار عن أهمية سيادة القانون واستخدام الوسائل السلمية بدلا من استخدام القوة أو الإجبار في السعي إلى تسوية النزاعات البحرية.
واشنطن ترى ان الحكم في قضية بحر الصين من شانه ان يسهم في حل الخلاف
اعتبرت الولايات المتحدة اليوم الثلثاء ان قرار محكمة التحكيم الدولية الذي جاء في غير مصلحة بكين في النزاع على السيادة في بحر الصين الجنوبي "نهائي وملزم من الناحية القانونية" ويمثل "اسهاما كبيرا" في حل الخلافات الاقليمية.
وكانت واشنطن تجنبت بحذر اتخاذ موقف من القضية التي رفعتها الفيليبين للطعن في مزاعم الصين في احقيتها في بحر الصين الجنوبي، الا انه وبعد صدور الحكم دعت الجانبين الى الالتزام بالقرار.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي ان "الولايات المتحدة تعبر عن املها وتوقعاتها من الطرفين تطبيق التزاماتهما".
الا ان بكين رفضت القرار.
وواشنطن هي حليف لدول جنوب شرق اسيا التي تنازع الصين على احقيتها في مياه بحر الصين الجنوبي، ومن بينها الفليبين التي رفعت القضية.
وقال كيربي ان "القرار الذي اصدرته المحكمة اليوم في التحكيم بين الفيليبين والصين هو اسهام كبير في الهدف المشترك بالتوصل الى حل سلمي للخلافات في بحر الصين الجنوبي".
واضاف ان المسؤولين الاميركيين "يدرسون القرار وليس لديهم اي تعليق على اساس الدعوى"، الا انه اكد على حق المحكمة في اصدار قرارها ودعا الى احترامه.
واكد ان "الولايات المتحدة تؤيد بقوة حكم القانون. وندعم جهود حل الخلافات على الاراضي والمياه في بحر الصين الجنوبي بشكل سلمي بما في ذلك من خلال التحكيم".
واشار الى انه "بحسب الميثاق فان قرار المحكمة نهائي وملزم قانونيا للصين والفليبين" داعيا جميع الاطراف الى "تجنب الادلاء بالتصريحات الاستفزازية او القيام باعمال استفزازية".
الا ان بكين ردت بغضب وقالت انها "لن تحترم او تعترف" بالقرار.
ما هو أساس الخلاف حول بحر الصين الجنوبي؟
تتنازع دول مطلة على بحر الصين الجنوبي، وعلى وجه التحديد الصين وفيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، السيادة على مناطق منه منذ عدة قرون، ولكن التوترات في المنطقة تصاعدت في الآونة الاخيرة.
وعززت الصين تحديدا ادعاءاتها بالسيادة على أجزاء واسعة من هذا البحر عن طريق تشييد الجزر الاصطناعية فيه وتسيير الدوريات البحرية في مياهه، في تقرير لقناة "بي بي سي".
يقول الأمريكيون إنهم لا ينحازون لطرف ضد آخر في النزاعات الاقليمية، لكنهم ارسلوا مع ذلك سفنهم الحربية وطائراتهم العسكرية الى المناطق القريبة من جزر متنازع عليها، في عمليات يطلقون عليها اسم "عمليات حرية الملاحة" ويقولون إنها تهدف الى ابقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع.
ويتبادل الصينيون والامريكيون الاتهامات بأن الجانب الآخر يعمد الى "عسكرة" بحر الصين الجنوبي.
وثمة مخاوف من أن المنطقة تستحيل تدريجيا الى نقطة احتكاك، وان عواقب اي صدام فيها قد تكون وخيمة على النطاق العالمي.
الخلافات في بحر الصين الجنوبي هي أساسا خلافات حول السيادة على مياه البحر وجزر باراسيل وسبراتلي (التسميتان غربيتان)، وهما سلسلتان من الجزر تدعي عدد من الدول السيادة عليها.
اضافة لهاتين السلسلتين، هناك العديد من الصخور والشعب المرجانية والكثبان الرملية التي تتنازع هذه الدول السيادة عليها، مثل شعب سكاربره (وهو اسم غربي ايضا).
هل تستحق هذه الجزر الصغيرة ان تتنازع الدول عليها؟
بالرغم من كونها غير مأهولة على الاغلب، تحتوي سلسلتا باراسيل وسبراتلي والمياه المحيطة بهما على احتياطيات من الموارد الطبيعية. ولم تخضع المنطقة لاستكشافات مفصلة، لذا تعتمد التقديرات حول كمية الثروات المعدنية فيها على مقارنتها بالمناطق المجاورة.
كما يعد بحر الصين الجنوبي طريقا ملاحيا مهما ويزخر بثروة سمكية تقتات عليها شعوب الدول المشاطئة.
ما هي ادعاءات الدول المختلفة؟
تعد الادعاءات السيادية الصينية الاكبر بكثير، إذ تدعي سيادتها على منطقة تطلق عليها اسم "خط الخطوط التسع" الممتد لمئات الاميال جنوبي وشرقي جزيرة هاينان الواقعة اقصى جنوب الصين.
تقول بكين إن حقوقها في هذه المناطق تعود الى عدة قرون خلت عندما كانت سلسلتا باراسيل وسبراتلي تعدان جزءا لا يتجزأ من الامة الصينية. وكانت الصين نشرت عام 1947 خريطة تفصيلية لادعاءاتها تبين ان السلسلتين تقعان ضمن حدودها بالكامل. وهذه الادعاءات تدفع بها تايوان ايضا (علما بأن الصين تعتبر تايوان اقليما متمردا لابد ان يعود يوما الى كنف "الوطن الأم").
ولكن معارضي هذا الرأي يقولون إن الصين لم توضح ادعاءاتها بشكل كاف، وان "خط الخطوط التسع" الذي يظهر على الخرائط الصينية لبحر الصين الجنوبي لا يحتوي على أي احداثيات.
وليس من الواضح ايضا ما اذا كانت الصين تدعي السيادة على الجزر الواقعة ضمن هذا الخط فقط ام انها تدعي سيادتها على المياه ايضا.
اما فيتنام فتناقض بشدة الرواية الصينية التاريخية، وتقول إن الصين لم تدع ابدا سيادتها على الجزر قبل عام 1940. وتقول فيتنام إنها حكمت سلسلتي باراسيل وسبراتلي فعليا منذ القرن السابع عشر وان لديها الوثائق الضرورية لاثبات ذلك.
الفلبين هي الاخرى تدعي سيادتها على السلسلتين، وتقول إن قربها الجغرافي لسلسلة سبراتلي سبب كاف لعائديتها لها.
وتدعي كل من الصين والفلبين السيادة على شعب سكاربره (التي يطلق عليها الصينيون اسم "جزيرة هوانغيان") التي تبعد بمسافة 160 كيلومترا عن الفلبين و800 كيلومترا عن الصين.
كما تدعي ماليزيا وبروناي سيادتهما على منطقة في بحر الصين الجنوبي تقولان انها تقع ضمن منطقتيهما الاقتصاديتين كما عرفهما ميثاق الامم المتحدة حول قانون البحار.
ولا تدعي بروناي السيادة على اي من الجزر المتنازع عليها، ولكن ماليزيا تقول إن بضعا من جزر سبراتلي تعود لها.
أحدث المواجهات
اندلعت مواجهات عدة في السنوات الأخيرة حول هذه الادعاءات المتباينة والمتقاطعة، كان اخطرها بين الصين وفيتنام. كما اندلعت مواجهات بين الفلبين والصين لم تتدهور اي منها الى اطلاق نار او عنف خطير. وبعض من هذه المواجهات:
في عام 1974، استولت الصين على سلسلة جزر باراسيل من فيتنام في صدامات أسفرت عن مقتل اكثر من 70 من العسكريين الفيتناميين.
في عام 1988، اصطدم الصينيون والفيتناميون مجددا حول سلسلة سبراتلي، وخسر الفيتناميون في هذه المواجهات نحو 60 عسكريا.
اوائل 2012، خاض الجانبان الصيني والفلبيني مواجهة بحرية مطولة اتهما فيها احدهما الآخر بانتهاك السيادة في شعب سكاربره.
اندلاع احتجاجات واسعة في فيتنام ضد الصين إثر ورود ادعاءات لم تتأكد بأن الصين خربت عمدا منصتي استكشاف فيتناميتين اواخر عام 2012.
في كانون الثاني / يناير 2013، قالت الفلبين إنها قررت رفع دعوى ضد الصين امام محكمة التحكيم الدائمة بموجب ميثاق الامم المتحدة حول قانون البحار تطعن فيها بالادعاءات الصينية.
في أيار / مايو 2014، قامت الصين بقطر منصة استخراج نفط الى منطقة في البحر قريبة من جزر باراسيل مما ادى الى عدة حوادث تصادم بين السفن الفيتنامية والصينية.
هل حاولت الاطراف التوصل الى حل؟
تفضل الصين سلوك درب المفاوضات الثنائية المباشرة مع الاطراف الاخرى، ولكن العديد من جيرانها يقولون إن حجم الصين وثقلها الاقتصادي والعسكري يمنحها تفوقا غير عادل في هكذا مفاوضات.
وتحاجج بعض الدول بأن على الصين التفاوض مع منظمة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، المنظمة الاقليمية التي تضم كلا من تايلاند واندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وبروناي ولاوس وفيتنام وميانمار (بورما) وكمبوديا.
ولكن الصين تعارض هذا المنحى، فيما تنقسم منظمة آسيان فيما بينها حول سبيل حل الخلافات.
عوضا عن ذلك، سعت الفلبين نحو التحكيم الدولي. ففي عام 2013، اعلنت مانيلا انها ستحيل الصين الى محكمة التحكيم الدائمة لاستصدار حكم حول الخلاف بموجب ميثاق الامم المتحدة حول قانون البحار.
وهذه المحكمة هي منظمة دولية تتخذ من العاصمة الهولندية لاهاي مقرا لها. وهي ليست "محكمة" بالمعنى الحرفي، بل جهة تقوم بتنظيم لجان تحكيم تبت بالخلافات بين دولها الاعضاء التي يبلغ عددها 119. ومحكمة التحكيم الدائمة هيئة منفصلة كليا عن محكمة العدل الدولية. وتأسست محكمة التحكيم الدولية عام 1899 بأمر من مؤتمر لاهاي الاول للسلام.
ولكن الصين اصرت على مقاطعة جلسات المحكمة، قائلة إنها (اي المحكمة) ليست مخولة بالبت في الخلاف. ودأبت الصين على القول إنها لن تتقيد بما تصدره المحكمة من قرارات.
في غضون ذلك، حذر الامريكيون الصين الا "تتغول على" الدول التي تختلف معها حول الجزر.