أوروبا تحث بريطانيا على التعجيل بالانفصال لتقليل التداعيات
لندن - بروكسل - رويترز
واجهت بريطانيا نداءات غاضبة من قيادات أوروبية تطالب بسرعة تحركها لتسوية حالة الفوضى السياسية والاقتصادية التي تولدت نتيجة لقرار الناخبين البريطانيين الانفصال عن الاتحاد الأوروبي والذي قال صندوق النقد الدولي إنه من الممكن أن يفرض ضغوطا على النمو العالمي.
وشهدت أسواق المال انتعاشا بسيطا اليوم الثلثاء (28 يونيو / حزيران 2016) بعد أن محت نتيجة الاستفتاء رقما قياسيا من قيمة الأسهم العالمية بلغ ثلاثة تريليونات دولار وبعد أن انخفض الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوياته منذ 31 عاما لكن التقلب كان سمة التعاملات وتعهد المسؤولون عن رسم السياسات بأخذ كل التدابير الضرورية لحماية الاقتصاد.
وأعلن وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن الذي قوبلت محاولاته لتهدئة الأسواق يوم الاثنين بآذان صماء إنه سيضطر لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب لضمان تحقيق الاستقرار المالي بعد أن خفضت وكالة ثالثة للتصنيفات الائتمانية تصنيف ديون بلاده.
وقد أعلنت الشركات تجميد التعيينات الجديدة واحتمال الاستغناء عن موظفين ما حطم آمال الناخبين أن يزدهر الاقتصاد البريطاني خارج الاتحاد الأوروبي.
وتشعر دول أوروبية بالقلق على وجه الخصوص من أثر حالة الغموض التي خلقها استفتاء الانفصال على بقية الاتحاد الأوروبي دون أن يكون لديها أدنى فكرة عن الموعد الذي ستتقدم فيه بريطانيا رسميا بطلب الانسحاب.
وقال جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية للبرلمان الأوروبي إنه سيطالب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأن يوضح في أقرب وقت ممكن الموقف البريطاني لكنه لا يتوقع أن تبدأ عملية الانفصال التي تستغرق عامين "اليوم أو صباح غد."
وقال كاميرون الذي استقال بعد أن اتضح فشل جهوده في إقناع البلاد بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء إنه سيترك مسألة بدء ترتيبات الانفصال رسميا لمن يتولى رئاسة الوزراء بعده.
ويقول حزب المحافظين إنه يهدف لاختيار زعيم جديد بحلول أوائل سبتمبر أيلول غير أن من روجوا لانفصال بريطانيا أوضحوا أنهم يأملون التفاوض على اتفاق جديد لبلادهم مع أوروبا قبل بدء عملية الانفصال. وردت قيادات أوروبية بأن هذا الأمر ليس خيارا واردا.
وقال يونكر "لا تفاوض دون إخطار."
ووصل كاميرون إلى بروكسل اليوم الثلثاء وبدأ اجتماعا مع يونكر دون أن يتبادل الاثنان كلمة أمام الإعلام. وسيلتقي كاميرون أيضا برؤساء حكومات أوروبيين في لقاءات منفردة قبل أن يلقي كلمة أمام الجميع فيما قد يصبح لقاء فاترا على العشاء لبحث الأمر.
وقد أوضح نواب بالبرلمان الأوروبي أنهم يأملون أن يبدأ كاميرون العملية على العشاء لكن مسؤولا بالاتحاد الأوروبي قال يوم الاثنين إن ذلك غير واقعي في ضوء الفوضى السياسية التي تشهدها لندن والانقسامات العميقة في حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض.
فقد انقسم حزب المحافظين بين معسكرين أحدهما مؤيد للاتحاد الأوروبي والآخر معارض له بينما يواجه جيريمي كوربين زعيم حزب العمال المعارض تصويتا على الثقة به اليوم الثلاثاء من جانب أعضاء الحزب في البرلمان الذين يتهمونه بفتور تأييده للاتحاد الأوروبي.
وقال جي فيرهوفشتانت رئيس وزراء بلجيكا السابق وزعيم المجموعة الليبرالية في البرلمان الأوروبي اليوم الثلثاء "الأعضاء السبعة والعشرون الآخرون في الاتحاد الأوروبي يجب عليهم ألا ينتظروا حتى يتدبر المحافظون المشتتون أمرهم" وندد بما وصفه بأنه "أكاذيب" أطلقتها حملة المنادين بالانفصال.
والتوقعات قاتمة لبريطانيا. فقد انضمت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية إلى الوكالتين الأخريين الرئيسيتين في خفض تصنيف الديون السيادية لبريطانيا يوم الاثنين الأمر الذي جعل وعود المنادين بالانفصال أن الاقتصاد البريطاني سيصبح أقوى خارج الاتحاد الأوروبي تبدو خالية من أي مضمون.
وفي لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية بي.بي.سي قال أوزبورن الذي أيد مثل كاميرون البقاء في الاتحاد الأوروبي "سيتعين علينا أن نوفر الأمن المالي لشعبنا وسيتعين علينا أن نظهر للبلد والعالم أن بوسع الحكومة أن تعيش بما لديها من إمكانيات."
وسئل إن كان ذلك يعني زيادات ضريبية وتخفيضات في الإنفاق فقال "نعم بكل تأكيد."
وبعد أن يوجه كاميرون كلمته لقادة الاتحاد الأوروبي مساء اليوم سيعقد الجميع اجتماعا في اليوم التالي لبحث انفصال بريطانيا دون مشاركته.
وأشار أنصار معسكر الانفصال في بريطانيا ومنهم بوريس جونسون رئيس بلدية لندن السابق وخليفة كاميرون المحتمل إلى أن بوسع بريطانيا الاحتفاظ بالانفتاح على السوق الأوروبية المشتركة والحد من الهجرة غير أن هذا غير ممكن بمقتضى قواعد الاتحاد الأوروبي.
لكن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل قالت إنه لن يكون بوسع بريطانيا أن تنتقي ما يعجبها من الاتحاد الأوروبي مثل الاحتفاظ بوضعها في السوق الموحدة دون أن تقبل مبادئ مثل حرية التنقل عندما تتفاوض على الخروج من الاتحاد.
وقالت ميركل "لا يسعني سوى أن أتوجه بالنصح لأصدقائنا البريطانيين ألا يخدعوا أنفسهم ... فيما يتعلق بالقرارات الضرورية التي يتعين اتخاذها في بريطانيا."
وفيما يعكس القلق الشديد من تداعيات الاستفتاء على لندن التي صوتت الأغلبية فيها لصالح البقاء وحيث يخشى الناس فقدان وظائفهم إذا فقدت المدينة وضعها كمركز مالي عالمي قال رئيس البلدية صادق خان إن "البقاء في السوق المشتركة لابد أن يكون الأولوية الأولى والثانية والثالثة في مفاوضاتنا مع الاتحاد الأوروبي. وبالنيابة عن جميع أهل لندن أطالب الآن بمزيد من الحكم الذاتي للعاصمة."
ومن المقرر أن تجري اسكتلندا - التي كانت نتيجة التصويت فيها لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي - تصويتا برلمانيا سعيا للاحتفاظ بوضع اسكتلندا في الاتحاد الاوروبي.
وكانت رئيسة وزراء اسكتلندا أشارت إلى إمكانية إجراء استفتاء ثان على الاستقلال عن بريطانيا في ضوء الاستفتاء على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
ومن المرجح أن تمتد التداعيات إلى ما وراء حدود بريطانيا رغم أن الأسهم الأوروبية ارتفعت للمرة الأولى في ثلاثة أيام بعد عمليات البيع المكثفة وذلك لأسباب من بينها الآمال في رد أكثر تنسيقا من البنوك المركزية على خسائر الأسواق المالية.
وقال ماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي إن على البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم أن تهدف لتنظيم سياساتها النقدية من أجل تخفيف حدة الاضطرابات على الاقتصاد.
وقد تعرضت أسهم البنوك الأوروبية لضغوط شديدة بصفة خاصة ولا سيما البنوك التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها بسبب الشكوك في إمكانية النفاذ إلى الأسواق مستقبلا وكذلك في ايطاليا حيث مستويات القروض المتعثرة مرتفعة.
وقالت مصادر لرويترز يوم الاثنين إن إيطاليا تستعد لحماية بنوكها من إقبال شديد على البيع في أعقاب الاستفتاء البريطاني وإن رئيس الوزراء ماتيو رينتسي سيطلب المزيد من المرونة من الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالإنفاق العام.
وقال جو مين نائب العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي اليوم الثلاثاء في المنتدى الاقتصادي العالمي في تيانجين بشمال الصين إن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي يخلق حالة من الغموض السياسي الكبير وسيفرض ضغوطا على النمو العالمي.
وقال أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إنه يجب ألا تتخلى البلاد عن الحق في التدخل إذا تسبب المستثمرون الساعون إلى ملاذات آمنة في ارتفاع كبير للين لكنه يعتقد أن انفصال بريطانيا سيكون أثره أقل في الأجل الأطول.
وارتفعت الأسهم في الأسواق الأسيوية والصينية لتسجل أعلى مستوى إغلاق منذ ثلاثة أسابيع.
ورغم أن هذه الأسواق محمية من بعض الاضطرابات من خلال قيود على رأس المال فقد سعى رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ لطمأنة المستثمرين فقال أمام المنتدى الاقتصادي العالمي "من الصعب تجنب الاضطرابات في الأجل القصير في أسواق المال بالصين لكننا لن نسمح بتقلبات شديدة وتغيرات جذرية في أسواق المال."