كيف ترى لونك تحت أشعة الشمس ؟
الوسط- محرر منوعات
انظر إلى نفسك في المرآة، كيف ترى لونك؟ أبيض باهتاً، زيتونياً منعدم الحياة، أسمر كئيباً، أسود قاتماً؟ ترغببين باسمرارٍ جريء وجذاب يستمر طوال السنة؟ أو تتصارعين مع أشعة الشمس، كي لا يصبح لونك غامقاً كعامة الشعب؟أنظري جيداً في المرآة، لونك ذلك الذي قد ينقصه بعض الثقة بالنفس، يمثل الصراع الثقافي العرقي القديم الذي خاضته البشرية حتى اليوم. لونك يبشر بانفصام الهوية العرقية التي خاضت تجارب عنصرية قاسية في كافة القارات، ونتج عنه شعوب غير راضية بلونها، ومستعدة لأي شيء لتغييره. بحسب ما جاء في تقرير نشرته الصحافية اللبنانية كريستين عازارا في موقع رصيف 22
مع حلول الموسم الصيفي الحار، وتكاثر المنتجعات البحرية، سيتنقل الملايين من قارة إلى أخرى للتمتع ببعض الراحة والاسمرار الجذاب. بينما ملايين آخرون لن يخرجوا من منازلهم، لأنهم في الأصل بعيدون بدرجات عدة من اللون الأبيض الذي يشكل مقياس الجمال منذ عقودٍ طويلة الآن
تعريف الاسمرار،Sun tanning أو Bronzage. هو تفاعل البشرة لدى تعرضها للأشعة فوق البنفسجية من الشمس، فتحمي نفسها من خلال إفراز عدد كبير من الميلانين، ما يعطي البشرة اللون الأسمر الذي تتصارع عليه الحضارات منذ قرونٍ طويلة.
التصارع الثقافي على الإسمرار
أن تكون أبيض أو بيضاء البشرة قبل القرن العشرين، يدل إلى انتمائك للطبقة الأرستقراطية، وأنك متميز عن عامة الشعب أصحاب البشرة الداكنة، التي استحقت لونها من العمل الشاق في الحقول، تحت أشعة الشمس. بشرة بيضاء تعني أنك ميسور وتعيش ضمن طبقة النبلاء، ما دفع بتلك الفئة من الناس لمعالجة بشرتهم بشتى الوسائل كي لا ينقصوا شأناً. من خلال استخدام منتجات تحتوي على الرصاص، وهذا ما كان يؤدي إلى الموت التدريجي جراء التسمم، أو الإدمان على بودرة الأرز التي تعطي بشرة بيضاء اللون كالثلج، كما حصل في القرن 16، تحت حكم الملكة كاترين دي ميديشي. ولا ننسى مرافقة المظلة للسيدات الأرستقراطيات، أينما مشين. مع حلول القرن الـ17، بقيت البشرة الداكنة خاصة بالعسكر والقراصنة والفلاحين. إلى أن فهم القرن الـ19 أن أشعة الشمس لها صفات علاجية للأشخاص المصابين بفقر الدم وغيرها من الأمراض. ورسّخ القرن الـ20 نظرية تفعيل الفيتامين د لدى تعرض الجسم لأشعة الشمس، وعلاج الكآبة ونوبات الجنون آنذاك. رغم ذلك، الاسمرار تحت أشعة الشمس الطبيعية المفيدة للجسم لم يأخذ شهرة البتة، إلى أن أتت السكة الحديدة لتلوّن الأبيض الأرستقراطي بلون البرونز الجذاب.
أهلاً بكم في حقبة الثورة الصناعية، التي ابتكرت فئة من العمال الذين لا يخرجون من المعامل العملاقة قبل غياب الشمس. عمال ذوو بشرة بيضاء! تخيلوا ردة فعل الأرستقراطيين... مع نهضة سياحة المنتجعات، امتلأت الشواطئ وتجردت الأجسام من ملابسها، وتذوقت تلك الطبقة الثرية من الشعوب طعم الشمس الحارة على أجسادهم. كثرت الرياضات والهوايات في الهواء الطلق، وكانت حكراً على الطبقات الميسورة. وانتشرت معامل مستحضرات التجميل العملاقة، من نيفيا ولوريال، التي خصصت ضمن استراتيجيتها التجارية زيوت وكريمات البحر.
في أواخر القرن العشرين، تم اكتشاف الآثار الجانبية السرطانية للأشعة فوق البنفسجية، لكنها لم تخفف من حفلات وعطل الاسمرار الطويلة. استمرت في نهضتها، رافقتها كريمات تحمي من أشعة الشمس، نظارات شمسية أنيقة، مايوهات وبيكيني بقصات برازيلية لإسمرار أكثر تعمقاً. ثم أجهزة تسمير البشرة على أشكالها الصناعية، ومجموعة من مجلات الموضة والجمال العالمية، التي عرفت كيف تؤله الرجل أو المرأة المسمرة البشرة، الرمز الجنسي الأول في فصل الصيف، والشتاء إذا سمح الأمر.
هل فعلاً تفتعل البشرة البرونزية تنويماً مغنطيسياً جنسياً للشعوب؟ لماذا يشعر مسمر البشرة بثقة أعلى بالنفس، بينما في ثقافةٍ مختلفة عنه، يُعدّ الاسمرار غير مرغوب؟ ولماذا يصرف قسم كبير من الشعوب العربية والإفريقية أموالهم على تبييض البشرة؟
أنصاف آلهة الشمس
باحثون من جامعة إيموري الأميركية تلاعبوا بـ45 صورة لنساء تراوح أعمارهن بين 21 و35 عاماً، بواسطة الفوتوشوب، لإعطائهن لون بشرة مسمراً. ونشروها واحدة تلو الأخرى على موقع HotorNot.com المتخصص بقياس الجاذبية. وكانت النتيجة بعد تصويت
وبالفعل، يقول البروفسور في علم النفس من جامعة نورث داكوتا Clay Routledge، إنه حين تخبر الشباب أن التعرض المباشر لأشعة الشمس يعرضهم للسرطان، تجد أنهم يريدونه أكثر بعد، ذلك اللون الذي يشعرهم أنهم أنصاف آلهة الشمس.
وضعت أجهزة تسمير البشرة منذ بضعة أعوام في أعلى لائحة الأمور التي تتسبب بالسرطان، ومع ذلك يعدها الملايين هوايتهم المفضلة في مختلف الفصول. في مقالٍ نشره موقع Psychologytoday منذ بضعة أعوام، تم اقتراح أن الاسمرار يساعد على مواجهة مشكلة الموت، بما أنه يعزز الثقة بالنفس. وهذا ما يساعد على مواجهة الجوانب النفسية التي تهدد السلام الداخلي للشخص وأخلاقياته. تلك المعادلة بحد ذاتها قد تدفع الإنسان للإدمان على الجلسات التسميرية، أو ما يسمى بالـTanorexia. وهي حالة مرضية نفسية، يرى فيها الشخص أنه باهت وشاحب مهما تعرض لأشعة الشمس واسمرت بشرته.
نظرة البشرة الملونة المنفصمة للأبيض
تقول إحدى أساطير الخلق الصينية أن نووا، امرأة خارقة أسطورية، صبّت البشر الأوائل من الطين. أحرقت الدفعة الأولى التي أصبحت العرق الإفريقي، والثانية كانت نصف ناضجة ونتج عنها الأوروبيون، والثالثة كانت هي الممتازة، وأتى منها الصينيون. بكلمات أخرى تتعامل الحضارة الصينية بتحفظ مع لون بشرتها. وذلك الاختلاف في الألوان بين مختلف الحضارات شكل بالنسبة لهم، ولغيرهم، دافعاً لرؤية لونهم أفضل ما قد يصل له الإنسان. لذلك يحاولون الحفاظ بقدر المستطاع على لونهم قاصدين البحر بأقنعة تخبئ الوجه، وأحياناً
برازيل السبعينات لا تختلف عن ذلك المشهد. فالنساء والرجال تفادوا أشعة الشمس وحملوا المظلات، كي لا يتشبهوا بالعمال. بينما في ريو أخذت العقلية تتغير عكس البلاد بأسرها، وبدا الاسمرار مرغوباً لأنه يدل على الرفاهية
العرق ولونه مسألة حساسة تشكل على ما يبدو بعض الاضطرابات النفسية، من خلال مقارنة لون عرقٍ بلون عرق آخر. خصوصاً إذا عرف الإنسان أن بإمكانه أن يغير درجات لون بشرته للأفتح أو الأدكن، ليقترب من عرقٍ آخر، إن كان مقياساً للجمال وفق ما يدرجه الإعلام في الفترة الزمنية المحددة، أو العكس.
هل العرب يرفضون لونهم؟
3 مليارات دولار هو حجم تجارة الكريمات المبيضة للوجه في العالم، مع أنها خطيرة وتسبب أمراض عدة للبشرة، منها السرطان. 59% من نساء توغو يستخدمن الكريمات لتبييض البشرة. 77% في نيجيريا، 27% في السنغال، ونسب عالية في بلاد عدة من إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، منها السعودية والكويت وفلسطين والسودان والأردن. عدد كبير من النساء لا يعرفن أضرار الكريمات، وأكثرهن يعتقدن أن البشرة البيضاء هي معيار الجمال.
والإعلانات التي تكرسها وسائل الإعلام لكريمات تفتيح البشرة، في العالم العربي، تؤله البشرة البيضاء. كونها رمز الجمال الراقي. تقول سارة (33 عاماً)، من الكويت: "هل يمنكم المجادلة في حقيقة أن هيفاء وهبي ونانسي عجرم هما من أجمل فتيات الشرق الأوسط؟ تلك البشرة البيضاء التي تعطي بسمةً زهرية اللون، ونظرة فيها لامعة. تلك البشرة التي جعلتهما من أشهر وأكثر الفنانات جاذبية في المنطقة. هذا مقياس جمالنا، هذا ما قدمه لنا الإعلام حتى الآن. كلها قصة ميلانين، ما المشكلة أن أنقص من عددها في بشرتي؟
ربما لا تريد سارة أن تخبر أكثر عن مشاكل تهيّج بشرتها، واحمرارها وحتى طفحها. ولا ترغب في أن تعرف كم المكونات الكيميائية التي تدهنها على وجهها يومياً. ربما هي مجرد واحدة من ضحايا الاستنساخ الثقافي والحضاري، نتيجة العنصرية والتمييز.