القرية "الأكثر نظافة" في آسيا
الوسط – محرر المنوعات
نقل موقع قناة "بي بي سي" في (23 يونيو / حزيران 2016) مقال صحافي إلى الصحافية "كيلي فيليبس بادال" بقولها أنه في بلد معروف بنقص نظام الصرف الصحي فيه، وهي معضلة قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتشكيل حملة وطنية لمعالجتها، تدل هذه القرية المتواضعة على أنها نموذج للنظافة.
في قرية ماولينّونغ شرقي الهند، يعتبر تنظيف المنازل والشوارع المحيطة بها من الطقوس الجدية حقاً التي يمارسها كل شخص تقريبا، من الصغار إلى الجدّات المسنّات. وتشتهر هذه البلدة الصغيرة في منطقة ميغالايا، بعدد سكانها الذي يقرب من 600 نسمة، بأنها أنظف قرية في الهند.
وبالنسبة للهند، يعني ذلك الكثير في بلد تختلط في أغلب شوارعه الزجاجات الفارغة، وبقايا أغلفة المأكولات، مع روث البقر، والأسوأ هو أن ذلك ببساطة يشكل جزء مما يميز معظم مناطق الهند.
وصل الأمر إلى أن يقوم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بإطلاق برنامج طموح يحمل اسم "حملة تنظيف الهند"، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014، بهدف تجميل المدن الكبرى جذرياً بحلول الذكرى الـ150 لولادة الزعيم الهندي غاندي في عام 2019.
تكنس هذه المرأة القمامة إلى سلة مهملات بشكل مخروطي في قرية ماولينّونغ
مع ذلك، فإن قرية ماولينّونغ هي في طليعة هذه الحملة، فعلياً. وقد أعلنتها مجلة "اكتشف الهند" أنظف القرى في آسيا عام 2003، والأنظف في الهند عام 2005.
وفي الآونة الأخيرة، أقرّ مودي في خطاب أذيع بالراديو اعتبار ماولينّونغ أنظف قرية في ميغالايا، وأنها نموذج يُحتذى به في سائر أنحاء البلاد. وفي مايو/أيار عام 2016، ألقى عليها الضوء باعتبارها "أنظف قرية آسيوية" في احتفال بنجاحات الحكومة، بما فيها "حملة تنظيف الهند".
وظل استحقاق الشهرة هذا مرتبطا بالقرية التي أصبحت أسطورة محلية ومصدر فخر واعتزاز. كل ما عليك هو أن تتجوّلْ فيها وستلاحظ أن القمامة، المعتادة في غيرها من البلدات والمناطق، منعدمة لسبب غامض وبأعجوبة.
فكيف يصبح إذاً جماعة من الناس نموذجاً للنظافة والصحة العامة في بلد عانى من هذه المشكلة لوقت طويل؟ الجواب هو، على ما يبدو، أن تبدأ منذ الصغر.
تبدأ الطفلة ديتي باكوردور، البالغة من العمر أحد عشر ربيعاً، يومها حوالي الساعة السادسة والنصف صباحاً. وعملها الروتيني هو تجميل البلدة، ويشاركها في ذلك كل أطفال القرية تقريبا.
ينقضّ الأطفال، حاملين مكانس مصنوعة من نباتات الممشقيات، على الشوارع فيكنسون أوراق الأشجار الميتة والقمامة قبل أن يذهبوا إلى المدارس.
كما أن الأطفال مسؤولون عن تفريغ صناديق القمامة – وهي سلال مخروطية الشكل، جميلة بشكل مدهش، منسوجة باليد، وتنتشر في أرجاء البلدة. كما يفصلون القمامة العضوية عن القاذورات القابلة للحرق.
وتُدفن أوراق الأشجار وغيرها من القمامة القابلة للتحلل عضوياً (لتستعمل في النهاية كسماد)؛ ما خلا ذلك يُجمع ويؤخذ بمركبات بعيداً عن القرية ليُحرق. كما يوجد عمال حدائق في البلدة ممن يكرسون جلّ وقتهم لتقليم النباتات والأزهار النامية في الأماكن العامة والمنتشرة على جانبي الأرصفة والممرات، مما يجعل التجوال والمشي هنا أمراً مسليّاً بشكل لا يُصدق.
سألتُ السيدة باكوردور إن كانت فرحة بعيشها في مكان نظيف كهذا، فطأطأت برأسها خجلة. وماذا لو رمى زائر قمامة على الأرض، ماذا كانت ستفعل؟ أجابت إنها لن تتفوه مباشرة بشيء للزائر، ولكنها ستلتقط القمامة بنفسها.
توضح باكوردور أنهم في ماولينّونغ يتّبعون مهمة تنظيف يومية عادية، صغاراً وكباراً، كما أن هناك مهمة إضافية أيام السبت عندما يعين رئيس القرية "المهمات الاجتماعية" التي يجب إنجازها لما فيه صالح القرية.
قد يعني ذلك، بالنسبة لها، المساعدة في تنظيف مدرستها. إنه نظام مثير للإعجاب، ولكن الأكثر إعجاباً هو أن أعمال النظافة باتت عملا روتينيا، ومترسخا بعمق في عيش حياة هانئة هنا.
ألقيت نظرة خاطفة على المكان البسيط خارج الدار المخصص لطبخ العائلة لأرى ثمار هذا العمل الجهيد، فأزاحت حسنة، جدة باكوردور، جانباً الستار المؤدي إلى منزلهم، وهو منزل يضم غرفتي نوم. ويقيناً، كانت كل الأماكن رائعة: كُنست الأرضية للتو، وتبدو الأطباق لامعة، والفراش والأغطية مطوية بشكل جيد.
تُرى، من أين جاء روتين النظافة والترتيب هذا؟ لا يدري أحد بالضبط. لكن وفقا لمرشدي في هذه الرحلة، شيشير أدهيكاري، فإن ذلك قد نبع من تفشي وباء الكوليرا في القرية قبل أكثر من 130 عاماً، عندما كان التشجيع على النظافة شائعا بغرض السيطرة على انتشار الوباء.
ومن المحتمل أن الحملات التبشيرية المسيحية الأولى ساعدت أيضا في تطبيق هذه الممارسة وتشجيعها.
أضف إلى ذلك أن سكان القرية ينحدرون من قوم كانوا يعرفون باسم "الخاسي"، وهم قوم يتبعون الأم تقليدياً في نسبهم. ومع الدور المهيمن للمرأة في المجتمع، ربما يستلزم الحفاظ على منزل وبيئة ذات ترتيب ونظام دوراً أكبر أيضاً، حسب تخميني أنا وأدهيكاري.
وتقول سارا خاريمبا، وهي ربة منزل من القرية: "صرنا مسيحيين منذ أكثر من 100 سنة مضت، والنظافة شيء نتعلمه من كبارنا وشيوخنا". وأضافت: "نُعلم أطفالنا هذه المهارات، ليعلموها هم بدورهم لأطفالهم."
بعبارة أخرى، إنها ليست عادة بل تقليد متّبع منذ فترة طويلة. ويبدأ يوم خاريمبا بتنظيف الدائرة المحيطة بمنزلها ومجموعة منازل أخرى بالكامل، حسبما تقول.
وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث، ابتسمت لرؤية ابنتها سانجاني، ذات الست سنوات، وهي تتأرجح مبتهجة على أرجوحة مصنوعة من بقايا أكياس بلاستيكية.
ولا يزال السؤال حول كيفية التخلص من النفايات البلاستيكية من الأسئلة الهامة، فحرقها يولد مواداً سامة. وغالباً ما يعاد استخدام المواد البلاستيكية في تلك القرية، حيث تستعمل الأوعية البلاستيكية لزراعة النباتات، وتُصنع أراجيح الأطفال من الأكياس البلاستيكية. تقول خاريمبا: "يعرف أطفالي أن الأمر مختلف هنا".
وأضافت قائلة إن أطفالها لم يغادروا القرية حتى تلك اللحظة، لكن "أحياناً، يمكث الزوار هنا، ويتحدثون."
وقد شرحت لنا كيف أنه توجد مرافق صحية في كل بيت من بيوت القرية (وذلك هدف كبير آخر من أهداف "حملة تنظيف الهند")، وكيف يجيد أطفالها اتباع إرشادات وقواعد النظافة والصحة العامة.
وقد سكتت لبرهة محدقة في بركة صغيرة خارج منزلها، بدا الماء فيها صافياً تماماً، ثم قالت: "أنا فخورة جداً لكوني أعيش هنا."