قصة قصيرة... حنين فوق أشواك الماضي
قصة قصيرة - حسن جبقجي (سورية)
[ في بيت اللجوء يشتد عليَّ البرد لا شيء سوى الرياح ورفاقي الهاربين... كل شيء من أمامي داكن لكن الموظفين - في الكامب - يبتسمون ابتسامة صفراء.
- المستقبل هنا صعب وقاس، مثل طقسهم.
في ذلك اليوم لم تتوقف السماء عن البكاء، وقلبي لم يتوقف عن النحيب.أشاهد الأخبار عبر حاسوبي الصغير- الذي استدانت أمي ثمنه وثمن قارب الموت وثمن حياتي.
- حتى الموت نشتريه.
أمس أخبرني صديقي أنه وجد أحد المهربين (أولاد الحلال)؛ ودفع له ألفاً من الدولارات ثمن موته المعلن على شواطئ الحياة المركبة.
- هناك في الضفة الأخرى من سينتظرك ولن تفكِّر بأي شيء... هناك الراحة الأبدية.
في اليوم التالي لم يصل صديقه إلى الضفة الثانية، وأصبح رقماً في عداد المفقودين.
أما نحن فارتفعت الأمواج بنا وتذكّرنا كل شيء في شريط ذكرياتنا القصير؛ وناجينا الله.
وحدهم الأطفال سقطوا ولحقت بهم أمهاتهم؛ أما نحن الجبناء المتخاذلون فأمسكنا بطرف القارب وأسماك البحر تنتظر تعبنا لتقيم مأدبة عشاء فاخرة.
فور وصولي إلى جزيرة السعادة... أخذت صورة (سيلفي) ونشرتها على صفحات "الفيس بوك". كثير مثلي من الأغبياء علّقوا على هذه الصورة وهلّلوا لوصولي إلى جزيرة الأحلام.
في جزيرة الأحلام كتبت اسمي بين كثير من الأسماء، أما السلطات المحلية فقد كتبت خلف صورتي البهية رقماً أستطيع أن أتجول به كالبشر.
في الطريق إلى التحقيق، كنت قد حفظت ما تعلمته من أحمد قبل أن أحصل على الإقامة، والكثير من شباب حارتنا، حفظوا كل شيء عن ظهر قلب.
- أنا من بلد الياسمين ومن بلد الشمس التي لا تغيب، ولست مع أحد ولم أحمل سلاحاً قط سوى قلمي وأغرسه في قلبي دائماً.
قبل غرفة التحقيق وجدت عيناً ربما سقطت سهواً لحظة إلقاء البراميل الدافئة، وحنين المدافع.
التقطتها ومسحت عنها غبار المباني المحطمة، ودماء العاشقين.
تركت جثتي في غرفة التحقيق، أما أنا فأنظر من تلك العين وأبحث فيها عن كل شيء تركته خلفي.