قصة قصيرة... هدية
قصة قصيرة - أحمد بديع
تتدلى بعض الفراشات الميتة من على المصباح الكهربائي عندما انبلج الصبح وطرد الضوء ظلمة الليل، تلتمع عيناها وهي تصلي مرتاحة حمداً لله وتقربا له، ثم تتنهد باطمئنان وراحة نفسية وهي تمسح على وجهها الممتعض فتشعر بدنو الأمل ثم تقذف بيديها على حضنها فتحس بثقلهما على جسدها.
البطاقة التي أتتها في هذا الصباح جعلت نبضات قلبها في تسارع نحو ما طُلب منها، حتى كاد خفقانه يسبقها إلى العنوان الذي ستتسلم منه هديتها التي لا تعلم ماهي.
تجول في أفكارها المرتبكة؛ ما نوع هذه الهدية التي سأحظى بها؟ أهي هدية كهدية العريس لعروسه؟ أم هي كهدية الطفل الذي فقد أمه وذهب إلى قبرها ليهديها باقة ورد في يوم عيدها؟ تختلط مشاعرها كاختلاط الملح في الماء فلا تستطيع ترتيب أفكارها وكأن حرباً في داخلها تريد أن تضع أوزارها.
تسأل المارة عن العنوان الذي زودت به، ورجلاها لا تحملانها لفرط تحمسها إلى ما هو قادم، تستشعر وكأنها مدعوة للجنة وستُهدى فردوسها وحريرها، إلى أن تم إرشادها للمكان الذي ستتسلم منه هديتها.
المفاجأة التي لم تستطع استقبالها أن العنوان قادها إلى مشفىً لأمراض القلب، تتوقف قليلاً لتزيل عن عينيها بعض ركامات الغبار الذي أصابهما لتحدق مرة أخرى لتجد الحقيقة كما هي، ترتعش، ولكن تشجع نفسها وتدخله بأمن وسلام.
تعرض على الممرضة بطاقة حضور تسلّم الهدية؛ تحدق فيها قليلاً وبتأنٍ تام تحرك ثغرها فتعلوه ابتسامة مبهمة.
تسألها عن اسمها فتجيب، فتتأكد أنها هي.
تمسك الممرضة بشيء خفي في أدراجها - تنظر إليها بذهول - فتسلمها سماعة طبيب وتدعوها لاصطحابها إلى غرفة بعض المرضى، أما خطواتها فتتسارع بقدر نبضات قلبها، المكان يغص بضجيج تسمع أوله لكن لا تعلم آخره، كل من في الغرفة سهام عينيه على القادم من الباب، فإما يصيب هدفه أو يتعداه إلى غيره.
مجموعة من المرضى تمر عليهم واحداً تلو الآخر حتى استقر بها المقام في وسط الغرفة عند طفل ذي بشرة سمراء نحيل الجسم، تعيد بعض تخيلاتها في الصباح، وتتشاءم، في هذه اللحظات تتمنى أن يكون كل ذلك خيراً.
رمقها الطفل مبدياً أسنانه البيضاء الناصعة كقلبه بابتسامة يداخلها الخجل ثم أنزل رأسه، سرعان ما تحسس صدره ليطمئن على قلبه، يتأكد أنه لازال ينبض.
طلبت الممرضة منها أن تضع السماعة على صدره لتسمع نبضات قلبه، فتزداد حيرة أكثر، وتتساءل أهذه هديتكم؟
نعم! هذا النبض الذي تسمعينه هو قلب ابنك الذي توفى وهو في سنته الأولى، فقمتي بالتبرع بقلبه لهذا الطفل الذي يعاني من عيب خَلقي بقلبه.
ترتجف شفتاها تريد أن تنطق ولكنها تتحمس أكثر لسماع دقات قلب ابنها وهو ينبض؛ تتلقف وجنتاها دموعها الساخنة وهي تبتسم. "لأول مرة أسمع دقات قلبه منذ أن غاب عن الدنيا أنه حي فعلاً حي، تعانق الطفل وتضمه".