سعاد عبدالله تقود قافلة «ساق البامبو» ... للتمرد على الدراما التقليدية
الوسط - محرر منوعات
ليس من السهل شق جدار التقليدية، والنفاذ إلى الناحية الأخرى من الإبداع!
لكن الفنانة القديرة سعاد عبدالله استطاعت أن تفعلها، وبطاقةٍ كبيرة، حينما تصدرت بطولة المسلسل الضخم «ساق البامبو» الذي يُعرَض حالياً على شاشة تلفزيون «الراي»، فأثبتت منذ المشاهد الأولى أنها تقود فريق العمل إلى تقديم نوع مغاير من الدراما في الشكل والمضمون على السواء!، وذلك وفقاً لصحيفة الراي الكويتية.
إطلالة الفنانة سعاد عبد الله من وراء «ساق البامبو» تحتاج إلى التوقف عندها طويلاً، فهي لم تُضف فقط خطوة جديدة في مسيرتها الفنية الثرية، بل صنعت قفزة درامية تتطلب الدراسة المتعمقة والقراءة المتمعنة، لاستكشاف الأسرار الإبداعية المخبوءة خلف «ساق البامبو»، والتي بدأت تلوح بثبات وقوة على رغم أن المسلسل لم تُبَث منه سوى بضع حلقات، لكنها كافية للدلالة على عامل ثري بمضامينه الفنية، ولافتٍ بشدة للأنظار.
هذا الثراء الذي حفل به كل مشهد من العمل جعل الجمهور يكاد لا يفرغ من مشاهدة الحلقة، حتى يعتريه فيض من القلق الإبداعي ويشتعل تشوقه إلى حلقة اليوم التالي، كي يفوز بنصيبه من الجديد المتجدد، ليس فقط على مستوى أحداث المسلسل، بل أيضاً في أداء الممثلين وطرائقهم المغايرة في تقديم النظرات والتحركات بسيطرة وتحكم بارعين من المخرج محمد القفاص، الذي استعان بتكنولوجيا متطورة في الارتقاء بالجانب التقني من العمل.
ربما قرأ الكثيرون الرواية، أو قرأوا عنها، فقد كتبها الروائي الشاب سعود السنعوسي، وحصل من خلالها على جائزة البوكر العربية، وتدور فكرتها حول عائلة أرستقراطية ولها وضعها المتميز في المجتمع، تتألف من «أم راشد» التي تجسد شخصيتها الفنانة سعاد عبدالله الجاذبة للكاميرا، فلا تكاد هذه الأخيرة تلمحها حتى تتمنى البقاء معها وملاحقة أدائها المميز، فهي تبعث على الإعجاب سواء كانت فرحةً أو حزينة، وسواء كانت راضيةً أو غاضبةً، كل ذلك في أداء سهل بغير تعقيد أو مبالغة، وإن كان يستعصي على كثيرين!
«أم راشد» لديها ثلاث بنات، بالإضافة إلى راشد ابنها الوحيد، ومحور المسلسل، وهو كاتب ومثقف أحب الخادمة «جوزفين» الفيليبينية التي تعمل لديهم في منزلهم حباً صادقاً دفعه إلى أن يتزوجها في السر، حتى لا تعرف عائلته الأمر، فتنزل عليه غضبها وعقابها، لأن هذا الزواج يتعارض مع المكانة الاجتماعية للعائلة، ويعتبره البعض خفضاً من قدرها، لكن القضية المخبوءة بدأت تتكشف وتتفاقم بعدما أصبحت «جوزفين» حاملاً من راشد، وهو الأمر الذي يدفع أحداث العمل إلى التسارع، ليلقي بمفاجآته المدهشة - وربما الصادمة - على مدى الحلقات التالية.
لكن اختيار هذا العمل الروائي (المغاير)، والتعامل معه درامياً بهذه الجدية يثبتان أن الإبداع يُكتَب له النجاح بقدر ما يُبذَل فيه من جهد، وما يحيط تفاصيله من الوعي والعمق، وهو ما انعكس على تميز «ساق البامبو»، ففضلاً عن الطاقة الروائية الهائلة للكاتب سعود السنعوسي، هناك جهد آخر في السيناريو والحوار لا يقل أهميةً قدمه الزميل الناقد رامي عبدالرزاق. أما الإشراف الدرامي، فتولاه الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن صاحب الباع العريض في الدراما بأنواعها، إلى جانب رؤية المخرج البارع محمد القفاص، الذي قاد فريق العمل إلى المكانة العالية التي وجدهم عندها الجمهور، فإلى جانب القديرة سعاد عبدالله، هناك كوكبة من النجوم بينهم عبدالمحسن النمر، شجون الهاجري، فيصل العميري، فاطمة الصفي، ريم أرحمة وغيرهم.
وتنبع قيمة المسلسل - إلى جانب جانبه الإبداعي - من تسليطه الضوء على قضايا مجتمعية تلامس وجدان الإنسان الخليجي وعقله على السواء، خصوصاً أنه يتعمق في احتياجاتنا الإنسانية الطبيعية، والصراع بين الرغبة الشخصية وإملاءات المجتمع، والسلطة التي يمارسها ضدنا حتى أقرب أحبائنا، كما رصد المسلسل أكثر اللحظات حميميةً في مسيرة الإنسان حيث يتأرجح بعنف أحياناً بين القوة والضعف، ولعل هذه المزايا التي يجمعها العمل، والتي تتجسد في كل مشاهده تقريباً، هي ما جعل الجمهور يتعلق به منذ الحلقة الأولى، ومن المتوقع أن يظل متعلقاً به فترة طويلة، لأن هذا العمل من النوع الذي يطرح الكثير من الأسئلة، لكي يحاول المتلقي أن يجيب عنها بدلاً من أن ينتظر الإجابات من المسلسل ذاته!
وبقدر ما يطرح «ساق البامبو» أسئلةً وقضايا على الفرد والمجتمع في الخليج، فإنه سيفتح - بلا شك - باباً كبيراً للتغيير في مجال الدراما التقليدية ليس في الكويت فقط، بل في منطقتنا الخليجية برمتها، وكأن هذا العمل جاء ليبشر بأن عصر الدراما التي تتكشف نهاياتها منذ الحلقة الأخيرة قد ولى، كما يلفت الأنظار بقوةٍ إلى أن للدراما دوراً تنويرياً في تسليط الضوء على قضايا المجتمع.
ويجب ألا ننسى أن الحلقات القليلة التي عُرضت من «ساق البامبو» كشفت عن أن المخرج القفاص امتلك في هذا العمل رؤية جديدة تماماً، لا سيما في نقاوة الصورة واعتماد زوايا غير معتادة للتصوير، واستخدام ذلك في توصيل رسالة وفكرة معينة مطلوب بثها إلى المتفرج، وليس ظاهر الصورة فقط، ولعل ما جعل ذلك يبرز بسهولة هو إيماءات وتفاعل و«لوك» الممثلين، فضلاً عن العناصر التقنية والفنية الأخرى، مثل الميكساج والموسيقى التصويرية، التي عززت من زخْم الأجواء الدرامية.
تتبقى الإشارة إلى الثنائي الجميل أسامة المزيعل وفيصل العميري اللذين يشكلان البهجة وقمة الإنسانية في هذا العمل، الذي يجب ألا يشغلنا تفوقه الإبداعي عن الأسئلة الاجتماعية المهمة والعميقة التي يطرحها!