رغم مرور 15 عاماً على وفاتها... سعاد حسني لا تزال ساكنة في القلوب
الوسط - محرر منوعات
مثلما كانت السندريلا الفاتنة على الشاشة، كانت واحدة من نجمات السينما اللاتي لهن بصمات واضحة في تاريخ السينما المصرية، مثلما كانت نجمة السينما الغنائية والتمثيلية والاستعراضية، كانت نجمة السينما السياسية الجادة، مثلما كانت من أهم نجمات الرومانسية، كانت قصة نادرة في دراما الدم والدموع، عرفناها جميعا حلوة وشقية، ونجمة تعيش في وهج النجومية المبهر، وذلك وفقاً لصحيفة القبس الكويتية.
في مثل هذه الايام، وتحديدا في الحادي والعشرين من يونيو عام 2001 رحلت عن دنيانا سندريلا الربيع وانشودة المرح والبراءة سعاد حسني، أسرع ممثلة وصلت الى النجومية في تاريخ السينما المصرية، وأسرع ممثلة وصلت الى قلوب الناس، كما كانت اسرع من اصبحت أو أصبح نجما لشباك التذاكر، تاركة وراءها تراثا فنيا يندر ان يتكرر من خلال الادوار التي قدمتها في موضوعات من الافلام ذات النوعيات المختلفة التي استحوذت على القلـــوب والعقول.
لم يبالغ الذين اطلقوا عليها سندريلا الشاشة، فقد ظلت على مدى 32 عاما تملأ الشاشة بالحيوية والفن، تخطف العيون والانتباه، وتخلق جوا من العذوبة، والشقاوة البريئة، ارتبط بها الجميع شبابا وفتيات وكبارا، لدرجة انها فرضت وجودها بقوة على الجماهير من خلال تنوع ادوارها بين الشقاوة والحب والمراهقة والغناء الاستعراضي، ولها بصمات واضحة في مثل هذه الادوار التي ادتها امام أشهر نجوم الشاشة العربية والتي جعلت منها حلم كل شاب، كموهبة فنية مكتملة المواصفات للفتاة الانثى التي داعبت خيال جيل الستينات بكل طموحاته واحلامه وإحباطاته .
ان ذاكرة السينما لا يمكن ان تنسى شخصيات مثل فاطمة في «الزوجة الثانية»، وليلى في «الحب الضائع»، ومديحة في «غروب وشروق»، والطالبة الجامعية زوزو في «خللي بالك من زوزو»، وبطة في فيلم «المشبوه»، وعشرات الشخصيات الاخرى التي جسدتها سندريلا القلوب خلال تاريخها الطويل الذي امتزج بدور سياسي مبكر عكس وعيا بقضايا الوطن.
كما لا ينسى دورها في فيلم «شفيقة ومتولي» الذي جسدت فيه وبصدق شديد مع سبق الاصرار والترصد دور بنت الريف الفقيرة التي تضطرها الظروف القاسية الى الانحراف.
ومن العجيب أن سعاد حسني في بعض اعمالها، حتى تلك التي لم تحظ بنجاح جماهيري كبير، وصلت بموهبتها الى مستوى من الابداع لم يبلغه فن التمثيل قط في مصر، إن لم تتفوق به على المستوى العالمي.
كانت سعاد حسني شجرة وارفة الظلال والدفء، قطعت مشوارا طويلا مع الفن، ذاقت فيه ما ذاقت من الآلام، وعرفت فيه ما عرفت من الوان السعادة.. لكن الحقيقة انها كانت تشكل حالة خاصة غير قابلة للتكرار في تاريخ السينما المصرية، وجاءت وفاتها المأساوية، لتجعل منها اسطورة مثل طائر النار الذي يرتفع محاولا الوصول الى قرص الشمس، فإذا به يحترق، ويهبط من مرتفع شاهق، وقد يكون مشهد النهاية في حياتها هو سقوطها من شرفة بالدور السادس من إحدى عمارات لندن، ولا أحد يعلم حتى الآن على وجه اليقين، ما إذا كانت سعاد حسني قد انتحرت، أم أنها قتلت، وفي المحصلة فإن سقوط الجسد وانهياره، لم يمنع ارتفاع رصيدها في قلوب الملايين من عشاق فنها الذين استبعدوا سريعا مشهد النهاية الغامض، وظلوا على تمسكهم بصورة السندريلا الحالمة التي قدمت للسينما عشرات الادوار المتميزة جعلت منها ممثلة تبلغ بصدقها، وبساطتها وتلقائيتها وموهبتها مستوى الممثلات العالميات في أوروبا وأميركا لا أقل.
كان طبيعيا أن تحتل أفلامها المرتبة الاولى بين أعظم أفلام السينما المصرية في تاريخها، فمن بين احسن مئة فيلم قدمتها هذه السينما في قرن كامل، هـــو كل تاريخها سنجد تسعة افلام لسعاد حسني وحدها منها: «القاهـــــرة 30»، و«الزوجة الثانية»، و«غروب وشروق»، و«الكرنك»، و«خللي بلك من زوزو»، وغيرها، وهي نسبة لم تحققها ممثلة مصرية أخرى على الاطلاق.
وقد كانت ميزة سعاد حسني في كل تاريخها الفني والانساني هي بساطتها المذهلة، إنها تلقائية وحميمة وآسرة، وتدخل القلب في أقصر طريق بلا استئذان، فهي ليست نجمة ولا ممثلة، ولكنها بجمالها الهادئ تبدو مثل كل البنات في بيوتنا، إنها صورة من الزوجة، والاخت، والابنة، والجارة، وبنت العم، وبنت الخال.
والحقيقة ان سعاد حسني لا تملك صفة واحدة من صفات نجمات السينما، فهي ليست جميلة ذلك الجمال الفاتن الذي يدير الرؤوس، وليست طويلة ولا نحيلة، مثل نجمات الموسيقار محمد عبدالوهاب في الثلاثينات، او نجمات السينما العالمية، وليس فيها شيء خاص أو خارق أو مميز، إنها مثلنا تماما، تبدو بالضبط كواحدة منا.
وبشكل او آخر فقد جسدت سعاد حسني في شخصيتها، وروحها، وجمالها، وخفة ظلها، وموهبتها، كل ملامح الشخصية المصرية، انها تبدو كما لو كانت هي التقطير المركز لهذه الشخصية بكل ما فيها من بساطة وجمال وفتنة.
وهذا بالضبط هو سر سعاد حسني، كانت فنانة بالفطرة، موهوبة بالسليقة، تلقائية وعذبة، وبريئة، ولا حد لموهبتها.
ماذا يعني هذا كله؟..
إنه يعني أن سعاد حسني في موهبتها البريئة البسيطة الساذجة الصادقة في آن، وهي موهبة لم تعبث بها ايدى المعلمين، والصناع، ومحترفي الفن، ولهذا كانت سعاد حسني بهذه الموهبة قطعة من الصدق المصفى.
سعاد حسني شمس لا تغيب الى اليوم، ما زال عشاق فنها في تزايد مستمر رغم مرور 15 عاما على رحيلها، بداية مدهشة ورحلة فنية غريبة ومتقلبة ونهاية مأساوية غامضة، وكل ذلك جعل مكانها خاليا على الشاشة السينمائية، لدرجة ان المخرجين والمؤلفين وقفوا حائرين خائفين غير قادرين على البحث عن وجه يعيش دور السندريلا، لأنها وصلت الى درجة من التألق جعلتها الاكثر سطوعا وتوهجا وتأثيرا في قلوب الناس، ويصعب تكرار شخصيتها التي ستظل تشهد لها وترفع اسمها عاليا.
آخر وصية للسندريلا
في ذكراها الخامسة عشرة، توقفت القبس عند هذه الذكرى مع النجوم الذين تعاملوا مع السنديلا عن قرب، لنعرف منهم ما لا يعرفه أحد عن هذه الشخصية التي أحبها الجميع في حياتها، وتضاعفت المحبة لها بعد رحيلها.
سعاد.. «وحشتيني جدا».. هكذا بدأت الفنانة يسرا شريط ذكرياتها مع سندريلا الشاشة الغائبة الحاضرة سعاد حسني.
فقد قالت الفنانة يسرا: أفتقدها بشدة، وفي الوقت نفسه أشعر في كــل لحظة بوجودها، فهي موجودة على المستوى الإنساني بذكرياتي الطويلة معها، وعلى المستوى الفني بأعمالها الباقية، كما أنني لا استطيع أن أنسى كواليس فيلمي «الجوع» عام 1986 وفيلم «الراعي والنساء» عام 1991، فقد كانت سعاد حسني فنانة رائعة صنعت لنفسها مجدا مشرفا.. قدمت كل ادوارها بعناية واتقان شديدين.
واضافت يسرا بنبرة حزينة: انها أهم نجمة وممثلة في الشرق قد لا تتكرر، وأطالب الدولة بأن تساهم في انشاء مستشفى سعاد حسني للفنانين تنفيذا لوصية السندريلا غير المكتوبة، فقد كانت سعاد حسني تسعى ومعها سامية جاهين، شقيقة الراحل صلاح جاهين، الى بناء مستشفى لعلاج الفنانين ممن يعجزون عن نفقات العلاج في أواخر أيامهم، ويرفضون طلب العون.
عادل إمام: راهبة الفن
ويتذكر عادل إمام لحظات التعارف الأولى له بالسندريلا سعاد حسني والدموع تنهمر من عينيه: كانت سعاد حسني في حياتها الشخصية تختلف اختلافا جذريا عما كانت عليه امام الكاميرا، لدرجة انها كانت من الفنانين الذين يندمجون في المشهد الذي يؤدونه، فهي بحق فنانة صادقة خلقت لكي تبدع فنا، وفي حياتها لمست العطاء والحب والإخلاص في عملها من خلال عملي معها في فيلمين هما «المشبوه» عام 1981 و«حب في الزنزانة» عام 1983.
ويؤكد عادل إمام أن سعاد حسني كانت راهبة الفن، فقد وهبت حياتها لفنها ولم تتنازل عنه لأي سبب، لم يكن يهمها جمع المال أو شراء العقارات أو حتى الذهب والملابس الفخمة.
محمود ياسين: شمس لا تغيب
الفنان الكبير محمود ياسين شارك السندريلا سعـــــاد حسني بطولة ثلاثة أفــــلام هــــــي: «الحب الذي كان» و«أين عقلي» و«على من نطلق الرصاص».
وبتأثر بالغ ردد محمود ياسين «وحشتيني يا سعاد.. وحشتيني.. نفتقدك وتفتقدك شاشة السينما والصورة السينمائية التي أصيبت بخلل من بعدك فلا يوجد من يملأ مكانك، ومن المستحيل تعويضك».
ويضيف محمود ياسين: سعاد حسني 2016 لا تزال موجودة في وجدان الجماهير بشكل دائم، هذه هي الحقيقة، وإلى أن يثبت العكس، فإن سعاد حسني لا تزال خالدة بأعمالها التي أثرت الساحة الفنية وتحيا في وجدان الشعب العربي، وباتت إرثا لا يمحوه الزمان، وامتازت بالصدق والاحساس والعاطفة.
نادية لطفي: كل هذا الحب
لم تكن سعاد حسني مجرد فنانة عادية، بل كانت موهبة كبيرة تمتلك طاقة من الحساسية لا يحاربها فيها أحد، كانت دائما تؤدي كل دور بأسلوب متميز يدل على موهبتها الكبيرة، وسعدت بالتعاون الفني معها في بطولة ثلاثة أفلام هي: «السبع بنات» و«من غير ميعاد» و«للرجال فقط»، عرفتها مثالا للانسانة الطيبة الرقيقة، كما أن أجمل أيام حياتي كانت تلك التي تأتي فيها سعاد حسني لقضاء بضعة أيام في منزلي، لأنها كانت تضفي على المكان سعادة وبهجة لا توصف، لذلك أطلقت عليها لقب «اللؤلؤة» وكنت دائما أناديها بهذا الاسم.
حالة خاصة
من العجيب أنه رغم رحيل سعاد حسني منذ 15 عاما، فإن الصحافة لم تتوقف يوما عن الكتابة عنها، فهي الحاضر الغائب طوال الوقت، خصوصا في هذه الايام التي تثار فيها المشكلات والقضايا حول حياة السندريلا التي تحولت بالفعل الى دراما، ففيها كل عناصر المأساة والملهاة، وفيها الدم والدموع، وفيها الموهبة الإلهية الفذة والموت الفاجع الذي يتوج حياة أبطال التراجيديا العظام.