قصة قصيرة... كوبٌ من الشاي
قصة قصيرة - خليل حسن عبدالله
كنتُ مستلقياً ذات صباح على سريري الأزرق، أحاول ألاَّ أستيقظ، إنها نهاية الأسبوع، يجب أن أعود للنوم ثانية، ولكن رنين هاتفي المحمول المتواصل لم يترك لي خياراً آخر.
- مرحباً حس..
- مرحباً خليل... هل ما زلت نائماً؟
- لا... لست نائماً، أشعر ببعض الخمول فقط.
- دعْ عنك الكسل، فلن تكسب شيئاً وأنت مستلقٍ تحدق في السقف كالأبله، أحتاج توصيلة، بل قل... أحتاج مرافقاً.
- حسنا.
منذ أن ركب السيارة، لم يكف حسن عن الحديث ولو للحظة، ينبض بالحياة كعادته، كان يوجهني يميناً وشمالاً، فلم أكن أعرف إلى أين ينوي الذهاب، ولم يكن يهمني ذلك على أي حال.
- توقف... لقد وصلنا، أنت على وشك أن تلتقي بأناسٍ مهمين يا خليل، قد تتغير حياتك إلى الأبد!
لم أكترث كثيراً لما قاله، فلم يَبْدُ أن في هذا المنزل أناساً مهمين، فقد كان منزلاً بسيطاً على رغم بعض اللمسات الأنيقة هنا وهناك.
صافحنا من كان بالمجلس واحداً تلو الآخر، ثم جلس حسن بالقرب من صاحب المنزل، وتركني حائراً، أجول بناظري في المكان، أفتش عن مكان شاغر في ذلك المجلس المكتظ.
شدني أحد الحاضرين برفق، أجلسني بجانبه، كان رجلاً سبعينياً، تحكي تجاعيد وجهه قصة مبهمة، لم أتبين ملامحها تماماً.
مد يده إلى المائدة، تناول حبة جوز، بذل جهداً كبيراً ليكسرها بيده، ثم قدمها لي بكل لطف.
أسرني ذلك الموقف، تمتمت مرتبكاً ببضع كلمات، فهم الرجل منها أنني كنت أحاول أن أشكره.
بادرني بالحديث:
- مظهرك أنيقٌ يا بني، لا بد أنك تعمل في مجال التسويق.
- في الواقع، أنا أعمل محاسباً في إحدى الشركات الصغيرة.
- كل الشركات تحتاج لأمثالك، أنتم مهمون جداً أيها المحاسبون.
- نعم، ولكن لا توجد فرص عملٍ في هذه الأيام.
نظر الرجل في عيني مباشرة، ثم شرد بذهنه بعيداً، لم يعجبه كلامي على الأرجح.
أحسست برغبة في الهروب من تلك المحادثة، فآخر شيء أريده هو التحدث عن عملي، آثرت أن أعبث بهاتفي المحمول، وإذا بصاحبي حسن يرسل لي رسالة نصية: أنت تجلس قرب رجل يساوي الملايين! إنه أشهر رجل أعمال في البلد، بنى ثروته من العدم، ماذا يقول لك؟
وجهت عيني ناحية الرجل محاولاً ألاَّ أحرك رأسي، كان يشرب الشاي في هدوء.
قلتُ في نفسي يبدو أن الحظ ابتسم لي أخيراً، هذا المليونير معجب بي، إنه يهتم لأمري كثيراً، ربما يعرض علي وظيفة محترمة في إحدى شركاته، سيكون الراتب مجزياً لا محالة، وبعد عدة سنوات من يدري؟ ربما أكون شريكاً له في عمله!
التفت الرجل ناحيتي قائلاً: هل ترغب بكوبٍ من الشاي يا بني؟
تلعثمت: لا.. نعم، لا، لا شكراً.
ابتسم ابتسامة عريضة، وقال:
- هل تعرف كيف تصطاد فراشة؟
أجبته باستغراب: كيف؟
- عليك أن تحضر وعاءً زجاجياً أولاً، تفتحه وتضعه في مسار الفراشة، ثم تنتظر حتى تدخل الفراشة إلى ذلك الوعاء، حينها تغلقه سريعاً.
- ولكن قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وربما لا ينجح أبداً، فما الذي يدفع الفراشة لدخول الوعاء أساساً؟
- صحيح، لا أعتقد أن هذه الخطة ستنجح في اصطياد أي فراشة! انسَ الأمر.
أمسك الرجل يدي، ثم قال: يبدو أنك تريد كوباً من الشاي يا بني، ولكن ربما عليك أن تخدم نفسك هذه المرة، ثم نهض من مكانه ملوحاً للحاضرين: مع السلامة.