موعدُ خطوبة
قصة قصيرة - سلمى حسن علي حسن
جلس الحاج معروف في المقعد الأمامي في سيارة ابنه البكر، ينتظره لينطلقا في موكب من سيارات تقل الأقرباء لحضور جلسة الخطبة الرسمية. تبرَّم من طول الانتظار، فانفجر في بلال عامل تنظيف السيارة:
- يكفي تلميعاً لهذه السيارة. اذهب.
وبينما ركب العامل الآسيوي دراجته المتهالكة على عجل، انطلق صوت بوق السيارة ليقطع سكينة الحي. سمع عبدالرحيم بوق سيارته يزمجر بلا هوادة فعَلِم أن صبر أبيه قد نفد... نزل من السلَّم على عجل، تلقفته والدته ببهجة وهي تزغرد بفرح، حاملةً مبخرها الذهبي، فراحت تدور حوله متمتمة بتعاويذ وآيات، وعاد مجدداً يُزوّق مظهره أمام مرآة الصالة، قبل أن يرتعد من صوت بوق السيارة المزمجر مرة أخرى. فهرولا مُسرعين. صعدا السيارة فبادرهما الحاج معروف منتفضاً وهو يتوجه باللوم إلى أم عبدالرحيم:
- تأخرنا على الموعد. الجميع ينتظركم. ما الذي أخرَّك يا ترى؟
لم ترَ أم عبدالرحيم بداً من الدفاع عن ابنها:
- لابد له من التأكد من مظهره بصورة دقيقة، انظر إليه.
- لقد أنهى مقابلة الفتاة واتفقا على أدق تفاصيل الزواج، فما قصة هذا التهندم والتأنق منذ نصف ساعة؟ تعلمين ألاَّ حاجة لذلك فهذه مجرد جلسة رسمية تسبق عقد القران، وأصبحت تحصيل حاصل هذه الأيام. ابتسم عبدالرحيم أخيراً وهو يسترق نظرة إلى مظهره بواسطة المرآة الأمامية.
وصلت القافلة إلى بيت الفتاة، ونزل الجميع إلى قارعة الطريق في انتظار إذن الدخول... كانت تلك فرصة لأخواته لينظرن إلى هواتفهن ويراجعن مظاهرهن مرة. كان كل شيء يوحي بحجم الاستعداد لهذه المناسبة الرسمية، فلقد كانت صالة استقبال الرجال قد امتلأت بالأقارب، ورائحة البخور تفوح من كل مكان. تزاحمت أطباق الفواكه والمكسرات والمقبلات أمام الحضور بأسلوب ينم عن عناية فائقة بالتفاصيل.
كان عبدالرحيم يجلس قرب والده في رهبة لا إرادية يرمق بتوتر وجوه الحاضرين، يحاول عبثاً إخفاء اضطراب أطرافه واصطكاك أسنانه، تدور عيناه بتشتت، يبدو مختنقاً من رائحة البخور التي تشبعت بها ملابسه. يحاول جاهداً ازدراد ريقه. شعر بنفسه غارقاً تأخذه أفكار لا معنى لها، لينتبه لصوت والده الذي ساد المجلس:
- جئنا لخطبة ابنتكم.
نظر الحاج معروف إلى ابنه مستفهما عن اسم الفتاة، فرد عبدالرحيم بصوت غير مفهوم. مازالت عينا الأب متعلقة بعيني ابنه تنتظر الجواب بحرج... أعاد سؤاله:
- ما اسمها؟
نظرات والد الفتاة تخترق عبدالرحيم... اهتزت عينا الحاج معروف بقلق قبل أن يستدير بجذعه كاملاً لابنه... تفحصه فرأى عينين تلتمعان بالخوف والرهبة وفماً فاغراً. هزه بعنف:
- ما بك... تكلم!!!
بدأ الأقارب بالالتفاف حوله في قلق... يتساءلون
- ما به؟ ما الذي حدث؟
أصدر عبدالرحيم صوتاً يشبه صوت كالأبكم الذي لا يقوى على الكلام. حاول مراراً دون جدوى، فانهمرت دموعه... صُدم الجميع. فصاح أحد أقارب الفتاة مستهجناً:
- هل هو أبكم؟
رد أحد أقارب الحاج معروف مدافعاً:
- لا. إنه ليس أبكماً. يبدو أنه مصدوم فقط.
وعندما همَّ الحضور بالتفرق والانصراف، بدأ حلم عبدالرحيم بالأفول والتبدُّد.