العدد 5028 بتاريخ 12-06-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةمنوعات
شارك:


خيري بشارة ومحمد خان... صنعا النجوم وقهرتهما مطالب الحياة

الوسط - محرر منوعات

خيري بشارة - محمد خان

 في السينما المصرية، يحتل المخرجان محمد خان وخيري بشارة، مكانة كبيرة في تقديم أفلام صنعت أهم نجوم مصر، وشكلت تياراً لسينما الواقعية الجديدة التي عبرت عن وجدان المواطن العربي، وأحلامه، واحباطاته... وما بين السياسة ولهيبها، والممثلين وشروطهم هناك العديد من الحكايات المهمة، وذلك وفق ما نقلت صحيفة القبس الكويتية.

في مارس 2014 كان موعد عشاق السينما المصرية مع الخبر السار، بحصول المخرج الكبير محمد خان على الجنسية المصرية... وقتها كان خان قد أكمل الثانية والسبعين من عمره، وأنجز 25 فيلماً، أغلبها تعد من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العربية... وطيلة حكم مبارك كان السؤال الصعب: لماذا لا يحصل خان على الجنسية المصرية رغم منحها لسليم سحاب ووديع الصافي؟

وعندما تقدم بطلب رسمي لم يرد عليه... وقيل ان آراءه السياسية سبب الرفض... وما إن قامت ثورة يناير 2011 حتى كان أحد الطلبات المقدمة للمجلس العسكري رد الاعتبار للمخرج الكبير، وتكرر الأمر مع الرئيس الإخواني محمد مرسي... وفي عهد الرئيس الانتقالي المستشار عدلي منصور بادر وزير الثقافة المصري السابق عماد أبو غازي، والممثل الكبير عزت العلايلي، والمخرج محمد خان بتجديد الطلب... وكان لافتاً صدور قرار رئاسي بمنحه الجنسية سريعاً، وزيارة أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس وقتها، لمنزل خان وتسليمه القرار الجمهوري بمنحه الجنسية أمام كاميرات المحطات الفضائية... وبدا الأمر نوعا من المغازلة السياسية لجمهور المثقفين والفنانين والنشطاء، الذين شاركوا في 30 يونيو 2013، لإعلان عصر جديد... أما القوى الاحتجاجية في الشارع فرأت الأمر نوعاً من التغطية السياسية على رفضهم لقانون التظاهر... وكان مشهد تصوير خان تالياً في إدارة الأحوال المدنية للحصول على بطاقة الهوية المصرية وعرضه على التليفزيون في النشرات الإخبارية، بعيداً عن التسييس، تقديراً وامتناناً لمبدع كبير.

 حياة أوروبية

حتى هذا الوقت كان محمد خان، أهم مخرجي الواقعية الجديدة في السينما المصرية، يحمل جواز سفر بريطانياً... رغم أنه ولد في حي السكاكيني الشعبي بالقاهرة في 26 أكتوبر عام 1942 لأب باكستاني الأصل ـ بريطاني الجنسية، وأم مصرية من أصول إيطالية!

وفي عام 1956، سافر محمد خان إلى إنكلترا لدراسة الهندسة المعمارية، إلا أنه التقى بالصدفة بشاب سويسري يدرس السينما، فذهب معه إلى مدرسة الفنون، وترك الهندسة والتحق بمعهد السينما في لندن، ليغرق في دراسة الفن السابع، ويتفرغ لمتابعة مدارس السينما الجديدة في أوروبا، وليعود في النهاية إلى مصر عام 1963، محملاً برغبة عارمة في تقديم سينما جديدة... لكن لم يجد في القاهرة فرصة سوى العمل في شركة فيلمنتاج (الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي)، تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف، في قسم القراءة والسيناريو مع رأفت الميهي ومصطفى محرم وأحمد راشد وهاشم النحاس... ولم يستطع العمل أكثر من عام... فسافر إلى لبنان ليعمل مساعداً للإخراج مع يوسف معلوف ووديع فارس وكوستا وفاروق عجرمة... وبعد عامين سافر مرة أخرى إلى إنكلترا، حيث هزته هناك أحداث حرب 1967، وأصابه الاكتئاب.

ميلاد مخرج

وفي عام 1977، عاد محمد خان مرة أخرى الى مصر، وقرر أن يقدم أفلام السينما التي يحلم بها مهما كلفه الأمر، فباع كل ما يمتلكه لإنتاج وإخراج أول فيلم «ضربة شمس» الذي كتبه صديقه السيناريست بشير الديك... وعندما ذهب ليعرض البطولة على نور الشريف أعجب بالقصة، وقرر أن ينتج الفيلم بنفسه.

وبالفعل، نجح الفيلم جماهيرياً، مما شجع نور الشريف على أن ينتج الفيلم الثاني له «الرغبة»، وتوالت نجاحاته ليقدم عدداً من العلامات بالسينما المصرية على رأسها «طائر على الطريق» و«خرج ولم يعد» و«عودة مواطن» و«مشوار عمر» وغيرها.

ولم يعمل أحد مع محمد خان إلا وأصابته الشهرة، من نور الشريف إلى يحيى الفخراني وليلي علوي وسعاد حسني ونجلاء فتحي، إلى الجيل الجديد ياسمين رئيس وهنا شيحة.

واحدى محطات محمد خان المهمة في حياته علاقته بالنجم الراحل أحمد زكي... فقد بدأت رحلتهما معاً في عام 1981، فقدما خلالها 6 أفلام فقط، ولكنها غيرت من شكل السينما... آخر أفلامهما كان «أيام السادات» (عام 2001)، الذي يحكي قصة حياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ورغم أن الفيلم نجح جماهيرياً، ونال تقديراً كبيراً في المهرجانات الدولية التي عرض بها، وكان تتويجاً لقمة اداء أحمد زكي، إلا أن تصويره شهد خلافات عميقة بينهما وصلت لحافة الجنون، حينما «تجرأ» خان وانتقد أداء زكي في أحد المشاهد أمام الجميع، فاشتعل النجم الكبير غضباً، وامسك سكيناً وجرى وراء خان لقتله، ولولا امساك العمال به لوقعت كارثة... لكن قبل ذلك كانت علاقتهما أخوية للغاية، خاصة بعد نجاح تعاونهما الأول في فيلم «طائر على الطريق».

ولم يوتر هذه العلاقة سوى عادل إمام وبطولته لفيلم «الحريف»... فخلال التجهيز للفيلم الذي عرض في عام 1983، وقع خلاف كبير بسبب شكل الشخصية، بين محمد خان وأحمد زكي، الذي كان مرشحاً للعب دور البطولة في فيلم الحريف... فخان كان يرى أن في وجه «الحريف» براءة الأطفال، وطلب من زكي إطالة شعره، وقبل التصوير بأيام فوجئ خان بأحمد زكي وقد قص شعره «زيرو» خلافاً لتعليماته، فاستبدل به على الفور عادل إمام... وتوقف العمل بينهما 5 سنوات حتى قدما معاً فيلمي «زوجة رجل مهم» و«أحلام هند وكاميليا».

 أهم مخرج بلا مأوى!

في أكتوبر 1992 وقع زلزال مصر الأكبر في تاريخها... 30 ثانية شهدت هزة أرضية مدمرة بقوة 5.8 درجات على مقياس ريختر، وتسببت الكارثة في فضح الحكومة المصرية التي لم تكن مؤهلة للتعامل مع الأزمات... فقد دمرت العشرات من المنازل القديمة في القاهرة المتهالكة، وتوفي 545 شخصاً وأصيب 6512 آخرون، وشرد 50 ألف شخص وأصبحوا بلا مأوى... المفارقة أنه كان من بين هؤلاء المشردين أهم مخرجي مصر في ذلك الوقت وأغلاهم أجراً، وهو المخرج الكبير خيري بشارة!

فقد كان بشارة يسكن في شقة قديمة في شبرا، فتصدع المنزل ولم يعد يصلح للسكن، فوجد بشارة نفسه وزوجته البولندية مونيكا وأولاده في الشارع بكل ما تعني الكلمة... ولولا وقوف صديقيه المقربين الممثل الراحل أحمد زكي الذي حجز له على الفور غرفة في أكبر فنادق القاهرة، والمخرج محمد خان الذي سعى لشراء شقة جديدة له ودعمه مالياً، لانهارت حياته.

 لكن كيف وصل الحال بالمخرج الكبير إلى هذه الحافة الخطرة، التي جعلته بعد أعوام قليلة يتوقف تماماً عن السينما ويتجه إلى إخراج المسلسلات التلفزيونية؟

 حياة عاشق

قبل مأساة التشرد القاسية... ولد عاشق السينما، خيري بشارة، في حي شبرا العتيق بالقاهرة (30 يونيو 1947)... وتعلق بمشاهدة الأفلام منذ صغره، فاختصر الطريق والتحق في شبابه بمعهد السينما... وبعد التخرج أحبط مثل الملايين بسبب نكسة 1967، وشعر بالضياع، فتوجه إلى بولندا للحصول على الزمالة والدراسة السينمائية، وهناك التقى بزوجته مونيكا كووالتشيك وتزوجا في شهر أكتوبر عام 1969.

وعندما عاد الى مصر، قدم خيري بشارة أكثر 12 فيلماً من الأفلام الوثائقية والقصيرة بمجموعة متنوعة من الموضوعات... وفي عام 1982 كانت الولادة الحقيقية له كمخرج حينما قدم فيلمي «الأقدار الدامية» لنادية لطفي، و«العوامة 70» لأحمد زكي... وأتبعهما بالعمل الرائع، «الطوق والإسورة» لعزت العلايلي وشيريهان، الذي وضعه النقاد ضمن أفضل 27 فيلماً في تاريخ السينما العربية، وليدهش الجميع بعدها بفيلم «يوم مر ويوم حلو» الذي أعاد فيه فاتن حمامة للسينما مع جيل محمد منير وعبلة كامل وسيمون.

وتقول سيدة الشاشة العربية، فاتن حمامة، التي حصلت على جائزة أحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم من مهرجان قرطاج الدولي، في مذكراتها «كان هناك تفاهم بيني وبين خيري بشارة، في البداية اختلفنا، لأنه كان يأتي ويعرض عليّ المشاهد ومعه فريق العمل كله، وكلما اختلفت أنا وهو أو اقترح أحدنا شيئاً، كانوا يؤيدون رأيه، ويعارضون كلامي قبل أن أبدأ في الحديث، فقلت لهم في المرات المقبلة، سأحضر كل عائلتي معي لمؤزارتي، بعد ذلك أصبحت جلسات العمل أفضل».

 مفارقات كابوريا

في عام 1990، صدم النقاد بفيلم «كابوريا» مع أحمد زكي، فقد ظنوا في البداية أن الفيلم عبارة عن فانتازيا خفيفة لقصة ملاكم من حي شعبي يدخل عالم الأثرياء للتسلية، لكن بالنسبة للجمهور كان يعني متعة في مشاهدة أنفسهم، والسخرية من الكبار، فأقبلوا عليه بشكل لافت... وبدا أحمد زكي في قمته نجماً يغني ويرقص ويُصدر للمرة الأولى موضة في قصة الشعر، وينافس بقوة على إيرادات الشباك مع عادل إمام.

 ميلاد نجمة عالمية بالفلافل!

فيلم «كابوريا» كان جديداً في كل شيء وغريباً... وكشف مؤلفه عصام الشماع أن بعض المشاهد تم تصويرها في مزارع تمتلكها عائلة بن لادن، كما تمت الاستعانة بحصان يبلغ سعره مليون دولار في تصوير بعض المشاهد، ولثمنه الباهظ كان التصوير يتم بحضور حراسه... لكن الأهم أن هذا الفيلم بعد 14 عاماً من عرضه تحدث الكثيرون عنه، وخاضوا في تفاصيله رغم رحيل نجمه أحمد زكي، بسبب الكومبارس الذين ظهروا فيه... في لقطات الفيلم تظهر فتاة أميركية شقراء تشجع أحمد زكي، وتهتف له، ثم تظهر بأكثر من مشهد آخر، حيث قامت بالغناء والرقص ضمن المجاميع في أغنية الفيلم الرئيسية «كابوريا»... هذه الفتاة الكومبارس ستحصل في عام 2014 على جائزة أوسكار أفضل ممثلة عن دورها في فيلم Blue Jasmine وهي النجمة العالمية كيت بلانشيت... التي اعترفت خلال حفل تكريمها أن أول أعمالها الفنية كان فيلم كابوريا المصري مقابل 5 جنيهات في اليوم... كانت في الـ18 من عمرها، وجاءت الى مصر عام 1990 في رحلة سياحية، وتعرفت على شاب اسكتلندي عرض عليها العمل «كومبارس» في الفيلم، لتوافق بدافع الفضول... وقالت «كان العمل مرهقاً للغاية، وكنت أجلس مع المجاميع على الأرض لمدة تزيد على 6 ساعات لإعداد مشهد واحد فقط، وسط حالة من الزحام والضجيج والأتربة، لكنني كنت سعيدة بحصولي على سندويتشات الفلافل المجانية».

  أزمة مالية

وعندما وقع الزلزال عام 1992، كان يعرض لخيري بشارة فيلمان دفعة واحدة، «رغبة متوحشة» لنادية الجندي، و«آيس كريم في جليم» لعمرو دياب... ونال عنهما الأجر الأعلى بين المخرجين... لكن أزمته أنه كان ينفق كل ماله على أعماله والسفر والقراءة والطعام والحفلات... وعندما انهار المنزل الذي يقيم فيه لم يكن في حسابه البنكي جنيه واحد.

وتجاوز خيري بشارة الأزمة سريعاً بأفلام تنتمي للفنتازيا الساخرة في «أمريكا شيكا بيكا»، و«قشر البندق»، و«حرب الفراولة»، وانتهى إلى الفيلم الكبير «إشارة مرور» (عام 1996) الذي سخر فيه من نفسه والمصريين ومن تعطل الناس، وتوقف الحياة في القاهرة من أجل موكب الرئيس.

ورغم أن الرقابة أجازت الفيلم بصعوبة بالغة، لكن قيل لخيري بشارة وقتها، من شخصيات نافذة، انه تجاوز كل الخطوط الحمراء... فلم يبال بأحد لأنه كان قد قرر الابتعاد عن السينما، والتفرغ لحياته كإنسان، ولأسرته.

وعاش خيري بشارة بعيداً عن الفن تماماً سبع سنوات... يقول عنها «فترة غيابي عن السينما قضيتها منشغلاً بثلاثة أشياء... الأول مرض زوجتي، وكانت فترة قاسية في حياتي، حيث أصيبت بفيروس نادر يصيب الجهاز العصبي، أقعدها في الفراش دون حركة لمدة أربع سنوات، وكان على أن أجد وسائل لكسب الرزق تسمح لي بمراعاتها.

والشيء الثاني، كان فرصة ذهبية جاءتني بالسفر (والحديث مازال على لسان خيري بشارة)... فقد سافرت بسبب مشروع فوازير لشريهان مع احدى القنوات التلفزيونية العربية إلى براغ لمدة عام، أنا ومحمد خان حيث عملنا هناك على إعداد العمل بالغرافيك.

والشيء الثالث كان سفري عام 2000 إلى أميركا لحضور زفاف ابنتي، فقررت أن أصور فيلماً هناك عن اختفائي، فقمت بشراء أجهزة وتعلمت التصوير وصورت «ضوء الأيام الأخرى» وهو فيلم ديجيتال جسدت فيه اختفائي الذي كنت أريد تنفيذه في الواقع، وكان أبطاله ابني وزوجتي».

 أموال المسلسلات

قرر خيري بشارة كسب المال وجمعه حتى يعيش الحياة التي يحلم بها، فاتجه إلى إخراج المسلسلات الرمضانية وتفرغ لها لتمتلئ حساباته البنكية، ويستريح من صداع السينما والسياسة وإحباطات جيله... يضحك وهو يقول لي في جلسة خاصة «اختلف الوضع الآن... أصبح لديّ كريديت كارد (بطاقة ائتمان بنكية)... وأسير مع متطلبات السوق، فأنا أقول ما أريد، لكن عبر الدراما التلفزيونية، فهي أوسع انتشاراً، وأحيا حياة جيدة».

وما ميز خيري بشارة في الدراما الرمضانية، أنه قدم أعمالاً عميقة ومؤثرة، بدأها بالتعامل مع محمد صفاء عامر في مسلسل «مسألة مبدأ» (عام 2003) ليقدم إلهام شاهين نجمة التلفزيون في شكل جديد أمام خالد النبوي وغادة عبدالرازق... ثم غير من جلد محمد صبحي في مسلسل «ملح الأرض»، ثم أعاد سهير البابلي للتمثيل بعد سنوات من الاعتزال وارتدائها الحجاب في مسلسل «قلب حبيبة» أمام فتحي عبدالوهاب، لكن المسلسل لم يحقق النجاح المتوقع... وتوالت أعماله المهمة في الدراما من «الفريسة والصياد» لممدوح عبدالعليم إلى «ريش نعام» لداليا البحيري نهاية بمسلسل «الكبريت الأحمر»... الذي يعرض على شاشة رمضان هذا العام.



أضف تعليق