شاب عراقي هارب من الموصل: عناصر "داعش" حرموا التصوير وأجبرونا على مشاهدة عملية إعدام
دويتشه فيله
شاب عراقي من عائلة بسيطة كان يعيش في الموصل ويعمل مصوراً فوتوغرافياً هناك عندما احتل تنظيم "داعش" الإرهابي المدينة . بعد فترة من الحياة هناك، قرر الشاب المجازفة والفرار إلى أوروبا. DW عربية كانت لها مقابلة معه.
سامر (اسم مستعار) شاب عراقي كان يعيش في مدينة الموصل ويعمل فيها مصوراً فوتوغرافياً عندما احتلها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الإرهابي، لتنقلب حياته بأكملها رأساً على عقب، ويقرر بالنهاية الهروب منها. في هذا الحوار مع DW عربية، يكشف "سامر" عن أسرار الحياة تحت حكم "داعش" والمحرمات والممنوعات التي كان يفرضها التنظيم تحت ذريعة تطبيق الشريعة الإسلامية.
كيف كانت الحياة تحت حكم "داعش" في الموصل؟
سامر: خرجت من الموصل قبل أربعة أشهر. لقد كانت الحياة هناك صعبة للغاية، ذلك أن الخروج من المدينة ممنوع والتنظيم سلب المواطنين حريتهم بالكامل، إضافة إلى أن شبكات الاتصالات مقطوعة. إنهم يفرضون قوانين كثيرة على المواطنين بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية. كنت أعمل مصوراً فوتوغرافياً وأملك بيتاً وعائلتي ما زالت تقطن في ذلك البيت. عشت هناك لأنني كنت مضطراً للبقاء وأحاول جاهداً تجنب "داعش" أو الخضوع لقوانينه. لكنني تعرضت لمواقف صعبة، خصوصاً لأنني أدخن، وهو ما كان التنظيم يمنعه. عوقبت بسبب هذا الأمر عدة مرات، لكن ذلك لا شيء بالنسبة لما يفعلونه لغيري.
ما هي عقوبة المدخن لدى "داعش"؟
سامر: في حالتي، عوقبت بغرامة مالية. كنت محظوظاً لأنهم لم يعاقبونني بالجلد كما يفعلون غالباً. كلمة "داعش" ممنوعة هناك ويعاقب من يستخدمها بالجلد. أفراد التنظيم يغضبون بشدة عند سماع هذه الكلمة.
هل شاهدت أناساً يتعرضون للجلد أو الإعدام ؟
سامر: أجل. لقد رأيت أشخاصاً تعرضوا للجلد والإعدام، للأسف. في إحدى المرات أجبرونا على مشاهدة إعدام شخص "كفر" وسب "الدولة الإسلامية"، من وجهة نظرهم.
كيف كانت ردة فعلك على ذلك؟
سامر: أحسست بغضب شديد وخفت كثيراً. غضبت لأنني أدركت لأول مرة كم نحن معدومي الحرية وتحت تهديد السلاح، ولأن شبابنا يضيع بسبب هؤلاء البرابرة. منذ تلك الحادثة قررت أن أبذل جهدي لمغادرة جحيم "داعش" الإرهابي.
ما هي القوانين الأخرى التي لم تكن تتحملها؟
سامر: إجبار الناس على الصلاة بالقوة، إذ يمنع الجميع من الخروج أثناء أوقات الصلاة ويتم إعلان حظر التجول. هذا بالإضافة إلى منع الموسيقى والأفلام والملابس التي تحمل كتابة. كما تجبر النساء على اللباس الشرعي وتغطية الوجه، ويمنع الرجال من حلق اللحية. وأهم شيء هو منع التصوير، الذي هو بالأساس مهنتي.
ما الذي فعلته عندما منعت من ممارسة مهنتك؟
سامر: لقد حدث ذلك في الفترة الأخيرة، فأغلقت الاستوديو الصغير الذي كنت أملكه وقررت المغادرة. لم تعد لي حياة هناك.
ما الذي كان يجول بخاطرك كل يوم؟
سامر: كنت أجلس مع أصدقائي أفكر بالوقت الذي يضيع والمدينة المحاصرة وحرماننا من الدراسة ومن كل شيء. فكرت فقط في طريقة لتغيير وضعي. لكنني للأسف كنت مكتوف الأيدي. "داعش" جردت المدينة من الأسلحة وكل من يعترض على حكمها يعدمونه. في الوقت نفسه كنت أدعو الله أن لا أفقد شخصاً عزيزاً بسبب الضربات الجوية.
ألم يجبروك على القتال معهم ؟ كيف تعاملت مع هذا الأمر؟
سامر: لا، لم يجبروا أحداً منا على القتال. كانوا يلقون الخطب وينصحون الناس بالانضمام إليهم. لكن لم يستجب لهم الكثيرون. لم أتعامل جيداً مع الوضع، خاصة وأنني أتحمل مسؤولية عائلتي.
ماذا تقصد بـ"لم أتعامل جيداً مع الوضع"؟
سامر: كنت في قلق دائم و أحاول تجنب "داعش". كانوا يضيقون عليّ كثيراً بما يسمونه "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر". لقد كانت هذه الهيئة تحاسبنا على كل شيء: الملابس وطريقة حلاقة الشعر واللحية وكذلك التدخين والموسيقى. كلمة واحدة تنتقدهم فيها قد تتسبب في مقتلك. عدا عن الوضع الاقتصادي المتردي، ذلك أن رواتب موظفي الدولة مقطوعة من قبل الحكومة العراقية. في بعض الأحيان تقطع الطرق ولا تدخل مواد غذائية للمدينة، فتكون الأسعار مرتفعة جداً.
هل يحاول التنظيم إغراء الناس بالمال والمواد الغذائية مقابل الانضمام إليه؟ وكيف كنت تتعامل مع هذه الضغوطات؟
سامر: لقد كانوا يحاولون جذب الناس للانضمام إلى صفوفهم عبر الإغراءات المادية من مواد غذائية وغيرها. لكن المسألة بالنسبة لي مسألة مبدأ. أحد أعمامي كان ضابطاً في الجيش العراقي وقتل على يد "داعش". أنا ضدهم وضد قتل أي شخص مهما كان. هذا بالإضافة إلى انتهاكاتهم الصارخة لحقوق الإنسان الممثلة بالجلد والرجم. لذا فالضغوطات المادية لن تغير شيئاً من مشاعري تجاههم. أنا الآن أعمل بوظيفتين في تركيا كي أرسل المال لعائلتي في الموصل. أتمنى لو يستطيعوا الخروج من هناك ولكن ذلك غير ممكن.
هل تعيش وحدك الآن بدونهم؟
سامر: نعم أعيش وحدي هنا. بينما أبي وأمي وأختي الصغيرة ما زالوا في الموصل. الوصول إلى تركيا يتم بطريقة غير شرعية وهو أمر صعب بالنسبة لهم.
كيف تشعر حين تفكر بأن أهلك موجودون في مدينة تحت سيطرة "داعش"؟
سامر: أفكر إلى متى سأبقى هكذا؟ هل سأراهم مرة أخرى؟ هل سأرجع للموصل وهي خالية من "داعش"؟ أتمنى أن تعود حياتنا إلى طبيعتها. أخاف كثيراً على أهلي وأحزن عندما أحس أنهم في خطر. أفكر بنفسي، والوضع بتركيا أيضاً لا يفيدني بشيء.
كيف استطعت الهروب من الموصل والوصول إلى تركيا؟
سامر: قررت القيام بهذه الخطوة لمصلحتي ومصلحة عائلتي بعدما توقفت عن مهنة التصوير. اتصل بي صديق لي من تركيا وأخبرني أن بإمكانه مساعدتي لأعمل معه هناك. الخروج من الموصل كان ممنوعاً وخطيراً. لكنني قررت أصل إلى تركيا بأي طريقة. التقيت سائق شاحنة يستطيع الخروج لتوصيل المواد الغذائية للمنطقة. هو من أوصلني إلى مدينة الرقة بسوريا. كان الطريق طويلاً عبر الصحراء واستغرقنا حوالي 12 ساعة للوصول إلى الرقة. هناك قبض علي أفراد "داعش" لأنهم شكوا أنني هارب إلى تركيا وصادروا جواز سفري وغرموني غرامة مالية. بعدها التقيت مهربين وأخذني أحدهم إلى حلب ومنها إلى منطقة اعزاز على الحدود التركية. بقيت هناك لمدة أسبوع. كل يوم كنا نحاول العبور إلى الحدود التركية، ولكن الجيش التركي كان يعيدنا كل مرة، إلى أن استطعت العبور. طبعاً كان هناك الكثير من الأشخاص والشباب في نفس وضعي. معظمهم أتى من الموصل أو من الأنبار للعبور إلى تركيا.
ما هي الرسالة التي توجهها للشباب الذي يريد الانضمام لتنظيم "داعش"؟
سامر: أقول لهم: إن أنتم شجعتم تنظيم "الدولة الإسلامية"، فهذا معناه أنكم توافقون على قتل مئات الآلاف من البشر. إن كان "داعش" يمثل الإسلام، سأترك هذا الدين، لأن قيمة الإنسان أغلى من أي دين ولا دين يحرض على القتل.