قصة قصيرة... انتظار
قصة قصيرة - جعفر عيسى أحمد
أقف مع الواقفين، في طابور يمتد بامتداد السنين... أين يبدأ وأين ينتهي، لا أعلم... وما أظن أكثرهم يعلمون... هكذا وجدنا أنفسن. .. ننتظر مع المنتظرين.
أتلفت في محاولة لأن أفهم ماذا يدور:
- هناك في مقدمة الصف يقف عجوز بلحية بيضاء ووجه مجعد أنهكه طول الانتظار، قد حزم حقائبه ووقف على رجليه وهو ينظر إلى الأمام في تأهب واستعداد، على عكس الآخرين المنشغلين.
- وهناك في الخلف يقف شاب مفتول العضلات بهي الطلة مع فتاة فاتنة لعوب فخورة، وضحكاتهم ملأت القاعة، وقد أثار الجو الذي صنعوه عيون الكثير من المنتظرين، من الفضوليين والحانقين وبعض الحاسدين.
- على مقربة مني تقف سيدة في الأربعين من العمر تحمل على ذراعيها طفلاً رضيعاً بديناً، يخيَّل لي أنه أضخم من عجل صغير، وله بكاء مقرف ومزعج، والأم تحاول بصعوبة أن تهزه لعله يرحمها ويغفر لها. وبجانبها طفل في الثامنة من عمره وقد تعلق بثيابها وهو يشدها في محاولة للفت انتباهها، ولكنها كانت مشغولة بالحديث مع ابنتها المراهقة التي تسد أذنيها رافضة أن تسمع أي شيء.
أسرعت في التلفت في محاولة لمعرفة أكثر ما يفعله المنتظرون فوجدت أن الغالبية غير مهتمة بالطابور، وقد انشغلت في أمر ما تفعله لتقتل الوقت على ما يبدو، وقلة قليلة أمثال ذلك العجوز الذي قد تهيئ للمضي.
الغريب أن الأدوار تحين لا بشكل منظم ومرتب، فليس من الضروري أنك حين تأتي مبكراً تعبر أولاً، الكل ينتظر أن يظهر رجل لا ندري من أين وينادي باسم من عليه العبور، ولا يملك أحد حق الامتناع، تماماً كما لم يكن لنا حق ألاَّ ننتظر.
حين يظهر ذلك الرجل المهيب، ينشد الجميع نحوه في انتباه شديد منصتين لإعلان الاسم، وما أن ينطق بالاسم ويذهب المقصود، يعود الجميع لانشغالهم الأول.
فجأة ولوهلة كنت أغيب فيها عن ما يدور حولي انتبهت وإذا بسيدة عجوز رسم الزمن على وجهها الحكمة والوقار، تنظر في عيني مباشرة، وكأنها كانت تفهم تساؤلاتي، بادرت وقالت: "إنه طابور الحياة، وكلنا ننتظر العبور"!