سجن عشرات المتظاهرين المصريين... بينهم 47 مضرباً عن الطعام قد يُطلق سراحهم
الوسط - المحرر الدولي
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الأربعاء (25 مايو/ أيار 2016) إن محاكم مصرية حكمت على أكثر من 150 شخصا بالسجن منذ مطلع مايو/أيار 2016 جراء مشاركتهم في مظاهرات سلمية أو لاتهامهم بنشر أخبار كاذبة. في 24 مايو/أيار قررت محكمة استئناف تغريم 47 متظاهر، كانوا قد بدأوا إضراباً عن الطعام، مبلغ 100 ألف جنيه مصري (11,270 دولارا) لكل منهم.
على السلطات الإفراج عن المعتقلين وإسقاط الاتهامات عنهم وإخلاء سبيل مئات النشطاء والمتظاهرين الآخرين المحتجزين على ذمة التحقيق في اتهامات تنتهك الحق في حرية التجمع السلمي وحرية التعبير.
قال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نديم حوري: "تستخدم السلطات المصرية حجج تهديد الأمن القومي لسحق معارضة الشباب المصري. هذه السياسة تقوّض الأمن، ولا تحققه، وتحرم الشباب من أي مساحات للمعارضة السلمية لا تؤدي بهم إلى السجن".
حكمت المحاكم على 152 شخصا في 3 محاكمات بالسجن سنتين إلى 5 سنوات، في اتهامات تتصل بالتظاهر، وعلى 2 آخرين بأحكام سجن أقصر في محاكمات أخرى. حُكم على أغلبهم بموجب قانون 107 لسنة 2013 الذي يحظر المظاهرات السلمية إلا بموافقة وزارة الداخلية.
اعتقلت الشرطة جميع المدعى عليهم في الأيام السابقة على فض مظاهرات سلمية بالأساس، وخلالها، بتاريخ 15 و25 أبريل/نيسان، احتجاجا على قرار الحكومة بالتنازل عن جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية. قال 47 معتقلا، في 18 مايو/أيار بعد الحُكم عليهم، إنهم سيبدؤون إضرابا عن الطعام. دخل 3 المستشفى جراء حالتهم الصحية الحرجة، بحسب قول نشطاء، لكن لم تعلن السلطات عن أية معلومات بشأنهم.
ينتظر 86 آخرين على الأقل أحكاما في 3 محاكمات أخرى جارية. قالت "جبهة الدفاع عن متظاهري مصر" وهي مجموعة محامين ونشطاء مستقلة، إن 585 شخصا بينهم أطفال يواجهون اتهامات، من بين 1312 شخصا اعتقلوا بين 15 أبريل/نيسان و5 مايو/أيار.
أنزلت محكمة جنح قصر النيل أحكاما بالسجن عامين مع الشغل في 14 مايو/أيار بحق 51 متظاهرا اعتقلوا في مظاهرات بتاريخ 25 أبريل/نيسان، و18 منهم حُكم عليهم غيابيا بعد إخلاء سبيلهم بكفالة.
أنزلت محكمة الدائرة 21 إرهاب شمال الجيزة حكما بالسجن 5 أعوام مع الشغل في محاكمتين لـ 101 متظاهر آخرين، تم القبض عليهم في 25 أبريل/نيسان في الدقي والعجوزة بالقاهرة. من بين المحكومين، سبق أن أُفرج عن 54 شخصا بكفالة ثم حُكم عليهم غيابيا. كما غرّمت المحكمة 79 شخصا ضمن مجموعة الدقي مبلغ 100 ألف جنيه مصري (11,270 دولارا) مجتمعين. في 24 مايو/أيار قررت محكمة جنح مستأنف الدقي إلغاء عقوبة السجن للـ 47 متهما الحضور، الذين بدأوا إضراباً عن الطعام، وغرّمت كلاً منهم 100 ألف جنيها مصريا. قال محامون لهيومن رايتس ووتش إن المتهمين عليهم دفع الغرامة أو المكوث ثلاثة أشهر في السجن.
يحق للمحكوم عليهم غيابيا طلب إعادة المحاكمة أمام المحكمة نفسها. بينما يحق فقط للمدعى عليهم الذين حضروا المحاكمة الاستنائف أمام محكمة استئناف. أجّلت محكمة استئناف قصر النيل قضية 33 متظاهرا إلى 4 يونيو/حزيران.
أفرجت السلطات عن 13 طفلا بموجب كفالة في قضية قصر النيل، وعن 10 آخرين في قضيتي العجوزة والدقي، لكن أحالتهم لمحاكمات لم تبدأ بعد أمام محاكم ابتدائية للأحداث.
في 19 مايو/أيار حكمت محكمة جنح المقطم على الناشط ياسر القط بالسجن عاما في اتهامات بنشر أخبار كاذبة وحيازة منشورات معادية للدولة. قال محام يمثله لـ هيومن رايتس ووتش إن القاضي "انتهك مبادئ سلامة الإجراءات القانونية" إذ أصدر حكمه في الجلسة الأولى ورفض طلبات الدفاع الأولية، مثل الاطلاع على نسخة كاملة من ملف القضية، وطلب شهادة ضباط أمن في المحكمة لكي يطرح عليهم الدفاع أسئلة.
قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش إن قضيتي الدقي والعجوزة هي أول قضايا جُنح يسمعون بأنها عرضت على محكمة إرهاب. سامح سمير، المحامي بـ "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، قال إنه يبدو إنه لا سند لإحالة بعض المتظاهرين إلى محكمة إرهاب ومتظاهرين آخرين إلى محكمة اعتيادية. سمير الذي يمثل متظاهرين في قضية قصر النيل قال أيضا إن السلطات لم تسمح له بالوقت الكافي لمقابلة موكليه وأن المدعى عليهم وضعوا وراء حاجز زجاجي في قاعة المحكمة، فلم يتسن لهم سماع أو رؤية ما يجري بشكل واضح.
تمت محاكمتا الدقي والعجوزة في سجن الجيزة المركزي، داخل معسكر للأمن المركزي معروف باسم الكيلو 10.5، ونُظرت قضية قصر النيل في معهد أمناء الشرطة بمنطقة طرة جنوبي القاهرة. تزايد عقد القضاة لمحاكمات في معاهد ومراكز أمنية بدلا من قاعات المحاكم. يقول محامون إن هذه المعاهد، التي تشرف عليها وزارة الداخلية – السلطة المسؤولة عن الاعتقال – ليست مواقع محايدة وتعرض حيادية المحاكمة بأسرها للخطر.
نصت المبادئ الدولية على أن لكل الأفراد الحق في محاكمة علنية أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة أنشئت بموجب قانون. "المبادئ الأساسية والتوجيهية بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا" نصت على ضرورة ضمان حياد المحكمة وضمان أن تكون علنية مفتوحة لحضور العموم، وأن تكون للهيئات القضائية المنوطة بالقضايا مقرات دائمة.
قال محامون إن القضاة في القضايا الثلاث بدا أنهم يعتمدون بالكامل على محاضر الشرطة والتحريات. أشار الحُكم الصادر بقضية قصر النيل، الذي اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، إلى محاضر الاعتقال التي زعمت أن المتظاهرين قطعوا الطريق وهددوا الأمن العام و"حرضوا" على الحكومة.
كما يبدو أن الحكم يستند إلى تخمينات، دون أدلة من وقائع نظرتها المحكمة، إذ استند إلى تحريات الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، وزعم أن المتظاهرين روعوا المواطنين وأن التظاهر كان جزءا من مخطط لزعزعة استقرار البلاد. ينص قانون 107 لسنة 2013 على أحكام فضفاضة جراء مثل هذه الاتهامات مبهمة التعريف.
كذلك اعتمد القضاة على قانون التظاهر لسنة 1914 وكذلك المادة 102 مكرر من قانون العقوبات التي تعاقب على "نشر الأخبار الكاذبة"، إذ قالوا إن المتظاهرين "نشروا أخبارا كاذبة بأن الدولة تنازلت عن جزيرتي تيران وصنافير" بقصد الإضرار بالنظام العام والمصالح الوطنية.
قال محامون ونشطاء إن قوات الأمن اعتدت على المتظاهرين المعتقلين وألحقت ببعضهم إصابات، في معسكر الجبل الأحمر للأمن المركزي قرب القاهرة، في 30 أبريل/نيسان، بعد أن رفضوا نقلهم إلى سجن آخر قبل العرض على النيابة. في 17 مايو/أيار أفادت مجموعة "الحرية للجدعان" وهي مجموعة نشطاء مستقلة، إن حراس سجن الجيزة المركزي ضربوا المعتقلين بالطابق الأول من السجن. قالت هيومن رايتس ووتش إن على النيابة التحقيق في هذه الادعاءات.
ما زال العديد ممن قُبض عليهم في الاعتقالات الجماعية محتجزين على ذمة التحقيق. بينهم مالك عدلي وهيثم محمدين، المحاميان الحقوقيان، وأحمد عبدالله رئيس مجلس أمناء "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، ومحمد ناجي ومينا ثابت، الباحثان بمجال حقوق الإنسان، وعمر بدر ومحمود السقا، الصحفيان. قالت زوجة مالك عدلي ومحامون إن السلطات منعت عنه الزيارات لمدة 14 يوما وأنه وُضع في الحبس الانفرادي واعتدى عليه الحراس بالضرب في سجن طرة المزرعة.
قال بعض النشطاء إنهم لن يستأنفوا أحكامهم احتجاجا على النظام القضائي، الذي يراه العديدون أداة في يد الأمن الوطني. ياسين محمد ناشط شاب حُكم عليه بالسجن 5 أعوام، كتب على صفحته على فيس بوك أنه "ليس لي ذرة اعتراف بهذا القانون الكرتوني". كان قد حُكم عليه بالسجن 15 عاما في قضية أخرى تعود لمظاهرة سلمية من عام 2013، وأُفرج عنه في 2015 بعد عفو رئاسي. لم ينطبق العفو على قضية أخرى حُكم عليه فيها بالسجن عامين. ما زال لم يتم الفصل في الطعن المقدم في تلك القضية.
في 4 مايو/أيار حكمت محكمة جنح السيدة زينب على الناشطة سناء سيف بالحبس 6 أشهر بتهمة "إهانة القضاء"، بعد أن رفضت التعاون مع تحقيق النيابة معها في نفس القضية التي أدت لسجن القط عاما. قال محاموها إنها أخبرت وكيل النيابة بأن القضاء فقد حياده والتزامه بتحقيق العدل. أسقطت النيابة عنها الاتهامات الأصلية لكن تقدمت باتهامات جديدة بإهانة القضاء. رفضت سيف الطعن على الحُكم وهي في سجن النساء بالقناطر.
في 9 مايو/أيار أصدر 3 مقررين خاصين بالأمم المتحدة بيانا مشتركا أعربوا فيه عن القلق إزاء "اشتداد حملة قمع المظاهرات السلمية" في مصر ودعوا الحكومة لوقف "ردود الفعل غير المتناسبة" التي تسهم في "تدهور المناخ القائم".
قال حوري: "أصبح رجال القضاء المصري جزءا لا يتجزأ من حملة قمع الحكومة للمعارضة .ليس في مصلحة أحد القضاء على أية مساحة للشباب ليعبر من خلالها عن استيائه من الوضع القائم".