(رسالة مواطن)..."D Room" ... خلف جدرانها حكاية يندى لها جبين الإنسانية لا يعلمها إلا مرضى السكلر فاسألوهم!
"وين ما غوّى إبليس ولده"، هناك في زاوية نائية شبه معزولة في ذاك المبنى الضخم الغاص بالناس، هناك حيث المحكوم عليهم بالألم، والإهمال، والإذلال هناك حيث بعض السجانات من ذوات القلوب الرحيمة، يحاولن المساعدة والتخفيف على السجينات هناك، وأخريات يتفنّنَّ في طرق الإهمال والإذلال ""تختلف المسميات والسجن واحد" وكما للأماكن أسماء، فالسجون لها أسماء كذلك، ويطلقون على هذا السجن اسم "D Room"؛ كما يسمون المبنى باسم "مجمع السلمانية الطبي" في هذه الغرفة، تقيّدنا آلامنا على سرير عرضه لا يزيد على ثلاثة أشبار، حيث الأسّرة التي تفتقر إلى أدنى مقومات الراحة؛ متراصة كأحجار دومينو، ومن تستلقِ على تلك الأسرّة، التي من المفترض أن تكون مرحلة مؤقتة لتلقي العلاج الأولي في الطوارئ ومن ثم الانتقال إلى أسرّة الأجنحة، إن لم تشتك من ألم ظهر، فهي بعد ساعتين ستصرخ متألمة منه ومن كان الألم في ظهرها؛ على ظهرها السلام.
الممرضات، يحتار الفكر في معرفة حالهن، هل هُنَّ صمّ لا يسمعن بكاء المريضات وصراخهن واستنجادهن بهن، أم هن اعتدن على هذا الوضع "حيث القلوب صارت حجراً لا يملك أي إحساس".
ليس الأمر يقتصر على عدم استجابة الممرضات في تلك الغرفة لنداءاتنا نحن مريضات السكلر فقط، وإنما بعضهن أعطين نفسهن الحق في التمادي في التعامل معنا.
مريضة تصرخ، تنادي الممرضة، تستنجد بها، وتظل تبكي وقد أخذ منها الألم الشديد مأخذه، ولا تجد من الممرضات من تحضر لرؤيتها، ولا حتى من ترد عليها بكلمة "نعم".
وبعد وقت ليس بالقصير، تحضر الممرضة على غير استعجال، وبقمة البرود، عندما تسألها المريضة لم لا تجيبين ندائي المتكرر؟ لا يكون الجواب الشافي غير إجابتين اعتدنا عليهما "الممرضة المسئولة عنك لم تكن هنا" أو "لا تزعجيني وقولي ماذا تريدين"، وما عساها تريد مريضة من ممرضة غير مساعدتها في تخفيف ألمها.
حين تطلب إحدى المريضات حقنة مهدئة، فإن بعض الممرضات يتعمدن التأخير لأسباب غير مقنعة، فإحداهن تفضل إنهاء فرض الكتابة أولاً، أو إنهاء "سالفتها" مع زميلتها أولاً، أو بعضهن يفضلن تطنيش النداء بحجة أن الممرضة المسئولة عن هذه المريضة غير موجودة معهن حاليّاً، وحين يلبين النداء يسألن المريضة بكل استنكار لماذا كل هذا النداء، متناسيات، متجاهلات أن الواجب بالأخذ في الاعتبار هو الأكثر أهمية، فالمهم فالأقل أهمية وهكذا دواليك، فالألم أهم من كل ذلك، من يدّعي غير ذلك فهو بلا إحساس.
إن ما يزيد معاناة المريضات في تلك الغرفة، بعد معاناتهن مع الألم الشديد الذي يجبرهن على البقاء في مكان يكرهن التواجد فيه، وبعد معاناة الانتظار ودوامة الوصول إلى تلك الغرفة، هو أسلوب بعض الممرضات معهن، فهناك لا عين تراقب ولا مسئول يحاسب على التقصير، فما يحصل هناك، يبقى هناك، في تلك العزلة، البعيدة عن أعين المسئولين، حيث لا شكوى ينظر في أمرها، ولا ممرضة تحاسب على تقصيرها.
فهناك من تتكلم مع المريضات بتعالٍ، وهناك من يتباطأن في تلبية نداء المريضات، هناك من تتعمد التأخير في إعطاء الأدوية، ناهيك عن التصرف الفظ، واحدة تنهر مريضة بشدة لتُجبرها على كتمان صوتها وعدم البكاء، ثانية تنظر للمريضة التي تناديها مراراً وتكراراً وبلا مبالاة تشيح بنظرها عنها وتكمل حكاياتها الشيقة مع زميلاتها.
وإن كانت هناك من المريضات من يدفعن الممرضات لمثل تلك المعاملة الجافة، فأصابع اليد ليست سواء، وليست كل المريضات يستحققن أن يعاملن بنفس الطريقة والأسلوب، "ولا تَزِرُ وازرةٌ وزرَ أخرى" (الأنعام، 164)، لا تحمّل مريضة وزر مريضة أخرى، ولا تعاقب ممرضة بتقصير زميلتها. ويجب التأكيد على أن ما ذكر أعلاه، ليس "تعميماً" ينطبق على كل فرد في طاقم التمريض، إنما "تبعيض" يقصد به الفئة التي تحدثت عنها، إذ يوجد من الطاقم التمريضي عدد لا بأس به يمتلكن/ يمتلكون من الخُلُق والطيبة والحنان والرحمة ما يخفف على المريض أوجاع بدنه السقيم.
طوبى لك عظيم المكانة عند رب الجلالة ورحمك الله كلما رحمتِ مريضة، وجزاؤك عنده خير الجزاء "أما إن كان ما كتبته قد أشعل غضب إحداهن، فلربما لأنه قد لامس الحقيقة أنك منهن، حينها نقول "لا حول ولا قوة إلا بالله فهو حسبنا ونعم الوكيل".
يبقى السؤال المتكرر دائماً، إلى متى يبقى الحال على ما هو عليه! وهل من مجيب لمثل هذا النداء وهذه الاستغاثة.
سوسن العرادي