قصة قصيرة... المزهرية
قصة قصيرة - ساجدة عبدالله إبراهيم أحمد
لتعقد القضية يستدعي القاضي الشاهد الأكبر سناً والأخير المشتبه بها من الدرجة الأولى المزهرية التركية إلى منصة الشهادة: المزهرية التي تحاول الحفاظ على بقايا أجزائها متماسكة تلهث: هي التي قتلت... أنا قلت ما لديَّ هي التي قتل..
ضجَّت القاعة بأصوات رفيقاتها، كذب كذب... سيدي القاضي... كذب... هي تكذب...
صرخت المطرقة التي كان يمسك بها القاضي: هدوء هدوء، الجميع يلتزم الصمت حتى يأمر القاضي.
ساد الصمت القاعة.
القاضي: أنت تزعمين أن قصتك هي أعظم دليل على ذنبها، وأنك صديقتها الوحيدة ومع ذلك تشهدين ضدها، وتسقطين تهمة قتل زوجها على رأسها.
المزهرية بلكنة أعجمية: سيدي القاضي، قضيت معظم عمري شاهدة على حياة النسوة، صنعتني امرأة وباعتني امرأة واشترتني هي، في السوق كنت أسمع وأرى قصص النساء ولكني... لكني... لم... الصداقة التي جمعتني بها كانت أطول صداقة حظيت بها مع بشر، جميع صديقاتي عزيزات على قلبي، لكنها هي الوحيدة التي كشفت لي جميع أسرارها، عرفت كل شيء كانت تخفيه عن عائلتها ولديَّ كل الأدلة على ما أقول، هي المجرمة، هي التي قتلت، وأكثر من مرة، أنا الوحيدة التي أعرف الحقيقة الكاملة، لأني الوحيدة التي استمعت إلى جميع الشهود، وفهمت كل وجهات النظر، لأني صديقتها.
ذاقت الدم أول مرة بصفعة على خدها في الأسبوع الأول، عندما تأخرت في النوم ، جربت قوة اللكمة حينما نسيت أن تجهز ملابسه، قطعت أصابعها أكثر من مرة ليلاً وهي نصف نائمة تعد له العشاء بعد ليلة سهر طويلة قضاها خارجاً بعيداً عنها، وبقيت صامتة.
كل ما حولها تحالف ضدها، معه، كانوا إلى جانبه، كلهم.
ضجت القاعة مرة أخرى بأصوات السجاد، الوسادة، الزجاج المحطم، المرآة، أشرطة الفيديو، اللوحات، شعيرات متساقطة.
صرخت المزهرية: نعم تعاونتم كلكم معه، عطرها المفضَّل آذاها عندما سقط بالقرب من قدميها ، جوهرتها التي لطالما اكرمتها وحفظتها بالقرب من قلبها خنقتها، فستانها عندما تمزق فسمح لأظافره أن تلمس جلدها، وسادتها التي ظلت رطبة ولم تتكلم أبداً، السجادة التي خففت من سقطاتها ولكنها لم تحميها، أنا الوحيدة التي خططت معها، خبأت أموالها حين كانت تجهز لرضيعها الأول، الذي تخلى عنها هو أيضاً حين لم يتحمل قوة الدفعة التي آذت أكتافها على الجدار، وبقيت صامتة.
أنتن تدافعن عنها الآن، أخبريني يا مرآة كيف كانت تخفي بمساعدتك الكدمات حول عينيها الجميلتين، تكلم يا جدار عن كم مرة طبع أحمر شفاهها عليك حين كان وجهها وكل جسمها يلتصق بك، أخبرني كم مرة منعتها من الهرب بعيداً عن ركلاته، وبقيت صامتة.
القاضي: وأنت لماذا لم تقدِّمي لها يد المساعدة؟ لماذا لم تقومي بحمايتها؟
المزهرية: أنا لم تسنح لي الفرصة أبداً، وهي لم تحتج إلى مساعدة أحد هي التي بقيت صامتة فقضت على حياتها ، وقتلت نفسها بالصمت ، لكني بريئة سيدي القاضي، قادتني الأقدار، هو لم يقترب مني ولكنه حين دفعها باتجاه المكتبة التي وضعتني عالياً فوقها سقطت وحطمت رأسه.
موته لم يكن خياره ولكن حياتها كانت في يديها... هي آثرت الصمت... فكان الصمت موتها.