البلدان الأفضل والأسوأ بيئيّاً
مؤشر الأداء البيئي لـ 2016: معايير محدودة ونتائج تثير التساؤلات
البيئة والتنمية - عبدالهادي النجار
خلال فعاليات منتدى دافوس الاقتصادي في (يناير/ كانون الثاني 2016)، تم إطلاق تقرير مؤشر الأداء البيئي للعام 2016، وهو السادس في سلسلة تقارير تقيِّم الأداء البيئي لبلدان العالم بدأت مع التقرير التجريبي الأول العام 2006.
ومع أن مراكز أكاديمية في جامعتي ييل وكولومبيا الأميركيتين العريقتين هي التي أعدت التقرير بالتعاون مع عدد من المؤسسات العلمية، فإنه تضمن الكثير من مواطن الضعف والقصور التي لم تستطع المخططات والرسوم البيانية التغطية عليها. فما هو المنهج الذي قام عليه التقييم؟ وما هي أهم تناقضاته؟
تقوم فكرة «مؤشر الأداء البيئي» (EPI) على تقييم أداء الدول وتصنيف مؤشراتها البيئية ضمن مجموعتين أساسيتين، هما الصحة البيئية وحيوية النظم البيئية. ويمنح التقرير الدول تقييماً بالدرجات حول أدائها في تسع قضايا مرجعية، تشمل في فئة الصحة البيئية: الآثار على صحة الإنسان، نوعية الهواء، مياه الشرب والصرف الصحي، وفي فئة النظم البيئية: الموارد المائية، الزراعة، الغابات، الثروة السمكية، التنوع الحيوي والموائل، المناخ والطاقة.
يجرى تقييم هذه القضايا بشكل موزون بحسب الأهمية، استناداً إلى مؤشرات فرعية تزيد على عشرين مؤشراً.
مثلاً، تقييم «مياه الشرب والصرف الصحي» يأخذ في الاعتبار أربعة مؤشرات، هي: النفاذ إلى مياه الشرب، الانكشاف أو درجة المخاطر الناتجة عن مياه الشرب غير السليمة، النفاذ إلى مرافق الصرف الصحي، درجة المخاطر الناتجة عن الصرف الصحي غير الآمن.
ويستند إعطاء القيم الرقمية لهذه المؤشرات إلى معطيات التقارير التأشيرية الوطنية وتلك الصادرة عن المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية وغيرها، حيث توضع العلامات وفق مقاربة الدول في أدائها للأهداف المحددة عالميّاً. أما في حالة غياب أهداف متفق عليها عالميّاً، فيتم وضع العلامات بالمقارنة بين الدول.
أهمية مؤشر الأداء البيئي، بحسب القائمين على إعداده، ليست فقط في وضع مصفوفة رقمية تتيح تقييم السياسات المتبعة عالميّاً لتحسين الأداء البيئي ما يوفر فرصة للمقارنة بين الدول ووضع ترتيب تنافسي لها، وإنما أيضاً في تقييم السياسات الوطنية بشكل معمق يسمح لكل دولة بتشخيص مواطن الضعف والقوة في معالجة كل قضية بيئية على حدة.
ترتيب الدول بيئيّاً
من الملاحظ في ترتيب الدول بحسب مؤشر الأداء البيئي أن معظم الدول التي احتلت المراكز الثلاثين الأولى هي أوروبية أو من منطقتي شمال أميركا وأوقيانيا. وقد حلت فنلندا في رأس القائمة التي ضمت 180 دولة، تلتها أيسلندا والدنمارك وسلوفينيا والسويد.
احتلت فنلندا المرتبة الأولى، لالتزامها بتحقيق مجتمع محايد كربونيّاً لا يتجاوز القدرة الاستيعابية للطبيعة بحلول العام 2050، ونجاحها في خفض تلوث الهواء والمياه وانبعاثات غازات الدفيئة، وقدرتها المؤسسية العالية على معالجة المشاكل البيئية. ويشير التقرير إلى أن لدى فنلندا أهدافاً قابلة للتنفيذ ومؤشرات تنمية مستدامة قابلة للقياس، وقد حققت أداء جيداً جدّاً في مجالات الصحة البيئية وخدمات المياه والصرف الصحي وحماية التنوع البيولوجي وموائل الحياة البرية.
اللافت في المراتب العشر الأولى وجود إسبانيا والبرتغال في المرتبتين السادسة والسابعة، وذلك أن هاتين الدولتين لا ينسجم أداؤهما البيئي عادة مع توجيهات الاتحاد الأوروبي، كما هي الحال في مسألة إدارة النفايات الصلبة وفشلهما في تحقيق نسب الاسترجاع المطلوبة للمواد القابلة للتدوير. غير أن مؤشر الأداء البيئي لم يأخذ في الاعتبار أي تقييم لإدارة النفايات الصلبة بالرغم من أهمية هذه المسألة وارتباطها بقضايا الحياة اليومية للمجتمعات. وأزمة النفايات وتبعاتها البيئية والصحية التي عانى منها لبنان طوال أشهر دليل على ذلك.
وحلت إستونيا في المرتبة الثامنة. وجاءت مالطا في المرتبة التاسعة، وهي مرتبة مستحقة كتقدير عام لجهودها المبذولة في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والحفاظ على الموارد الطبيعية. وجاءت فرنسا في المرتبة العاشرة.
وعلى غير المتوقع، احتلت أوستراليا المرتبة الثالثة عشرة، رغم ما يعرف عن أدائها السيئ في كثير من قضايا البيئة العالمية، كمواجهة الاحتباس الحراري والتجارة غير الشرعية بالنفايات الخطرة وتدمير الموائل.
اختراق مجموعة الدول الثلاثين الأولى حققته سنغافورة التي احتلت المرتبة الرابعة عشرة. وإنه لمن الغريب أن تصعد هذه الدولة الآسيوية إلى هذه المرتبة، وهي التي فقدت أكثر من 90 في المئة من غاباتها الطبيعية خلال الفترة بين 1980 و2010 نتيجة التوسع الحضري، كما أنها معروفة بمشاكل بيئية أخرى كتلوث الهواء الداخلي والخارجي إضافة إلى مصاعب في توفير مياه الشرب. وبالعودة إلى البيانات الأساسية التي استند عليها التقييم، تبين أن معدي التقرير لم يتمكنوا من الحصول على معلومات تخص الغابات والزراعة، في حين أن علامتي تقييم مؤشر مياه الشرب والصرف الصحي ومؤشر الموارد المائية كانتا 100 في المئة، والتقييم بالتالي لم يكن يعكس حقائق موثوقة عن الأداء البيئي لسنغافورة.
حلت الولايات المتحدة في المرتبة 26، وروسيا في المرتبة 32، والصين في المرتبة 109، والهند في المرتبة 141. وهي مراتب منطقية نسبياً، وإن يكن أداء الولايات المتحدة في العديد من القضايا البيئية، وبشكل خاص الاحتباس الحراري والحفاظ على الموائل والانخراط في الجهود البيئية العالمية، لا يؤهلها لاستحقاق هذه المرتبة المتقدمة.
أما دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى دول شرق آسيا والمحيط الهادئ، فاحتل معظمها مراتب متوسطة حسب مؤشر الأداء البيئي، علماً أن معظم هذه الدول تعاني من تلوث الهواء إضافة إلى المشاكل المرتبطة بالجفاف وتلوث الموارد المائية ومشاكل الصحة العامة. وجاء معظم دول جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء في مراتب متأخرة، فهي تعاني من مشاكل بيئية عميقة، خصوصاً تلوث الهواء وتلوث الموارد المائية في دول جنوب آسيا، ومحدودية المياه الصالحة للشرب وقلة المرافق الصحية والتصحر وتدمير الموائل والتنوع الحيوي في الدول الأفريقية جنوب الصحراء. ولذلك ليس من المستغرب أن تأتي أفغانستان في المرتبة 176، تليها النيجر ومدغشقر وإريتريا، فالصومال في المرتبة الأخيرة.
الجدير ذكره أن معدي التقرير لم يتمكنوا من الحصول على المعطيات الكافية لتقييم جميع المؤشرات البيئية للدول التي جاءت في مراتب متأخرة. وقد يكون عدم توافر البيانات هو أحد الأسباب غير الموضوعية التي ساهمت في دفع هذه الدول إلى ذيل القائمة.
الأداء البيئي للدول العربية
تصدرت تونس الدول العربية في مؤشر الأداء البيئي لسنة 2016، واحتلت المرتبة 53 عالمياً، تلاها المغرب (64 عالمياً) والأردن (74 عالمياً). وقد حصلت تونس على تقديرات جيدة في جميع المؤشرات البيئية، ويعتبر الترتيب الذي حصلت عليه مستحقاً. ويصح هذا الوصف أيضاً على ترتيب المغرب، خاصة مع الجهود التي يبذلها في الاعتماد على المصادر المتجددة لمعالجة مشاكل الطاقة.
أما ترتيب الأردن فيؤخذ عليه التقييم المرتفع للمؤشرين المرتبطين بمياه الشرب والموارد المائية، فمن المعروف أنه ضمن بلدان الندرة المائية. كما يؤخذ على التقييم أنه منح الأردن العلامة التامة في مؤشر حماية الغابات، علماً أن آلية التقييم تفترض حجب العلامة، كما حصل في تقييم الثروة السمكية، لأن مساحة غابات الأردن هي بحدود 0.9 في المئة، أي أقل من نسبة 3 في المئة المعتمدة كحد أدنى لإجراء التقييم. وفي المقابل، حصل الأردن على تقييم مرتفع في مؤشر المناخ والطاقة، وهذا أمر متوقع باعتباره بلداً غير منتج للوقود الأحفوري ويسعى للتحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
وكما جرى بالنسبة للأردن، فإن مؤشر الحفاظ على الغابات أُدخل في تقييم غالبية الدول العربية، علماً أن آلية التقييم كانت تفترض استبعاد هذا المؤشر عنها جميعاً باستثناء لبنان الذي جاء في المرتبة الثامنة عربياً و94 عالمياً. الجداول الحسابية التي قام عليها التقييم نفسه أخذت في الاعتبار استبعاد هذا المؤشر، ولكن هذا الإجراء لم يطبق في التقييم النهائي. أكثر من ذلك، هناك دول شهدت تراجعاً كبيراً في رقعتها الغابية المحدودة أصلاً خلال السنوات الماضية، لكن المؤشر أعطاها تقييماً إيجابياً يعاكس الواقع، كما هي الحال بالنسبة إلى سورية.
احتلت سورية ومصر والعراق وليبيا مراتب متوسطة عربيّاً. ولئن يكن ترتيب مصر (104 عالمياً) مقبولاً لما تعانيه من مشاكل متكررة في تلوث الهواء، سواء نتيجة انبعاثات المركبات والمصانع أو حرق قش الرز، إلا أن الترتيب لا يتناسب مع ظروف الحرب الحاصلة منذ سنوات في العراق (116) وسورية (101) وليبيا (119) والتي أدت إلى تراجع كبير في جميع المؤشرات التي يعتمد عليها تقييم الأداء البيئي.
دول الخليج جاءت في مراكز متباينة بين المقبولة والمتوسطة. والملاحظ حصول تراجع كبير مقارنة بما حققته على المؤشر ذاته قبل عامين. فالإمارات التي كانت في صدارة الدول العربية تراجعت إلى المركز السابع عربياً (92 عالمياً)، وتراجعت الكويت 71 مرتبة لتحتل المركز 113 في الترتيب العالمي وموقعاً متوسطاً بين الدول العربية.
التراجع الحاصل لأداء الدول الخليجية ناتج عن القيم المتدنية في مؤشر الاستدامة الزراعية، إضافة إلى مؤشر نوعية الهواء وبشكل خاص ما يتصل بتلوث الهواء الخارجي. ذلك أن التقارير السابقة أجرت تقييم نوعية الهواء استناداً إلى تلوث الهواء الداخلي باستخدام الوقود الصلب كالحطب والفحم فقط، وهذا ما أعطى دفعة قوية لدول الخليج على سلم الترتيب لأنها لا تستخدم عادة هذا النوع من الوقود. وعندما تم إدخال تقييم تلوث الهواء الخارجي في هذا التقرير، تراجعت دول الخليج بشكل كبير نتيجة ارتفاع نسب الجزيئات المعلقة بقيم قياسية مقارنة بالمستويات العالمية. وهذه إحدى نقاط الضعف البارزة التي يمكن تسجيلها إذا أردنا تقييم منهجية إعداد سلسلة هذه التقارير ومدى تغطيتها للقضايا البيئية.
من الملاحظ أيضاً أن الدول الخليجية، باستثناء البحرين وقطر، احتلت مراتب متأخرة في مؤشر المناخ والطاقة نتيجة اعتمادها على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر. ومما يفاقم المشكلة أن أسعار الطاقة والمياه في دول الخليج منخفضة جداً، ما يشجع على الهدر وبالتالي زيادة انبعاثات غازات الدفيئة. لكن معظم هذه الدول اتخذت مؤخراً إجراءات لرفع الدعم تدريجياً عن أسعار الكهرباء والوقود. وفي المقابل، حققت جميع دول الخليج أداءً جيداً في مؤشرات مياه الشرب والصرف الصحي والحفاظ على الموارد المائية وحماية الموائل والتنوع الحيوي.
أما الدول العربية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى، أي جزر القمر وموريتانيا وجيبوتي والصومال، فقد جاءت في مراتب متأخرة عربياً وعالمياً. ومثلها اليمن والسودان، مع أنه من المحزن أن ينال بلدان عربيان اشتهرا بمواردهما المائية، هما «اليمن السعيد» و»بلاد النيلين»، هذه المرتبة المتأخرة لمشاكل ترتبط مباشرة بسوء نوعية مياه الشرب وبتلوث المصادر المائية.