قصة قصيرة... اللقاء
قصة قصيرة - أبرار محمد جعفر الوداعي
أمامَ المرآة... شدَ ربطةَ عنقه... أمسكَ معطفه بيديه... انحنى يميناً وشمالاً يتأمّلُ أناقته.
توقفَ... أبحرَ بخياله... تنفسَ بعمق، فقد حان موعدُ اللقاء.
ابتسمَ بغرور ورشَ عطره... همّ بالخروج ولكن... استوقفه ابنه التوأم ذو العامين يشكو أخاه، فما كان منه إلا أن دفعهُ بقوة فسقطَ على الأرض، وبغضبٍ شديد، صرخَ في وجهه:
"أيها الغبي"! فهلّت مدامعه.
جاءت أمهُ تحملُ ابنتها الرضيعة، وبملامحِ التعبِ الباديةِ عملت على تهدأة الموقف، وبنبرةِ خوفٍ متقطعة سألت: "هل أطبخُ العشاءَ دجاجاً أم لَ".. فقاطعها غاضباً: إياكِ والروائح الكريهة".
خرجَ وصفعَ البابَ بعنف... مشى خطوات... تذكر... وابتسم.
توقفَ عند بائعِ الزهور... اختارَ وردةً حمراء... ركبَ سيارةَ الأجرة، "الى ساحلِ الأحلام" قال للسائق.
سرحَ بفكرهِ بعيداً، فلم ترَ العينُ أجملَ من زرقِ العيون... بيضاءَ ذات شعرٍ أسود...
جميلة هو اسمها... و الاسمُ على مُسماه... هكذا تراءت صورتها.
ستةُ أشهرٍ مضت والقلبُ مشغوفٌ ولهان... بينَ الواتساب والانستغرام يتنفسُ عبقَ العشقِ والهيام.
فجأة، يخيمُ شبح زوجته وأولاده... إنه السرُ الذي أخفاه... ولكن حلاوةَ العشقِ حتماً ستنتصر... وانتبهَ لسائقِ السيارةِ يخبرهُ بالوصول.
هنا اللقاء... على الكرسي حيثُ الشجرة العملاقةِ المطلةِ على الساحل.
قبلَ الموعدِ وصل، لكنه فضلَ الجلوسَ بعيداً. حاولَ أن يغمضَ عينيه... أن يرسمَ لوحةَ الجمال... حاولَ.. وحاولَ ولم يستطع.
نبضات قلبه تتراقص... الحلمُ اقترب... تأمل في وجدانه... تخيَّلها بقامةً ممشوقة قد أقبلت تترنحُ في دلال... حوريةٌ هي... كلها الحسنُ... تمشي بخجلٍ.
التفتَ إلى الأفق... خيوطٌ ذهبيةٌ تتلاشى وراءَ الأمواج... شفقٌ أحمرٌ يحتضنُ البعيد... فقد حانَ موعدُ اللقاء..
العلامةُ... كرسيٌ أحمر... ولكن من تلكَ الغريبة التي تتجه نحوَ الشجرة؟!
حملَ هاتفهُ بانفعال... سبقتهُ حبيبته برسالةٍ نصية "في شوقِ اللقاء"... قصدَ الغريبةَ في خطواتٍ متبعثرة... وقفَ أمامها في ذهول... نظرَ إليها ونظرت إليه... سقطت الوردةُ من يده... واختنقا بعبرتهما.
العينُ ذات العين... ولكن جميلة كانت بكرسيها الأحمر لذوي الاحتياجات الخاصة... هكذا انتهت رحلةُ العشقِ مع غروبِ الشمسِ وحلولِ الظلام.