عبد الستار ايدهي ابو الفقراء في باكستان
كراتشي - أ ف ب
يستمر عبد الستار ايدهي بالتسول والعيش في مكان ضيق خلف مكتبه، هو الذي انشأ إمبراطورية خيرية باتت أوسع منظمة مدنية في باكستان.
في احد الأحياء الميسورة في مدينة كراتشي حيث الهوة تزداد بين الفقراء والأغنياء، يصدح مكبر الصوت "السيد ايدهي جالس هنا، وهو ينتظر تبرعاتكم".
ويضع عابرو السبيل مالا بيد هذا الرجل، أو يلقون عليه تحية احترام، وهو بلحيته البيضاء وثيابه الرثة من الوجوه المعروفة في عموم باكستان وفي خارجها أيضا.
رشح عبد الستار ايدهي مرات عدة لجائزة نوبل للسلام، وهو مرشح لها هذا العام أيضا، وقد جمعت عريضة داعمة له للفوز بالجائزة أكثر من 130 ألف توقيع في الأشهر القليلة الماضية.
في العام 1951، كان عبد الستار شابا ذا مبادئ مثالية، وكان يعمل بائعا جوالا، وقد قرر حينها ان يفتح اول مستوصف في الشوارع الضيقة المغبرة في الوسط التاريخي لمدينة كراتشي، ولاسيما بسبب انتقاداته على المؤسسات الخيرية.ويقول في كتاب مذكراته "كان العمل الاجتماعي رسالتي، أردت أن أحرره" من قبضة الأثرياء الذين يفضلون أن "يفعلوا الإحسان" على أن يشاركوا في إنشاء مؤسسات اجتماعية كبيرة.
- دولة الرفاه - ولد عبد الستار في الهند البريطانية في عائلة من التجار الصغار المسلمين، وقد جاء الى باكستان بعد تأسيسها العام 1947. وكان يظن انه سيجد هناك، في البلد المسلم الناشئ، نموذجا لدولة الرفاه، لكنه عثر على "كل سيء سوى ذلك"، بحسب تعبير ابنه فيصل.
وانطلق عبد الستار، مدفوعا برغبة بإحلال العدل، الى تعويض فشل الدولة في الحقل الاجتماعي، منشئا على مدى سنوات مؤسسات لرعاية الأيتام ودورا للمسنين ومراكز صحية وغير ذلك.
ومن إسهاماته الكبرى في المجتمع الباكستاني سيارات الإسعاف البالغ عددها ألفاً و500، والتي تنتشر بسرعة فائقة عند وقوع حوادث او هجمات.
تنتشر أفكار عبد الستار الإنسانية متجاوزة الحدود الطائفية والعرقية، وتشكل دافعا للناس للانفكاك من قبضة الزعماء الإقطاعيين، ومثيرة غضب الجماعات الطائفية والعرقية التي تتخوف من هذا النوع من الأفكار والنشاطات على تكتلها على بعضها في مواجهة الآخرين.
وكان رد عبد الستار المزيد من التفاني في العمل، من غير مراعاة ولا التفات لما يقال عنه.
وهو يكتفي بلباسين يتناوبان على ستر جسمه، وينام في غرفة متواضعة قرب مكتبه.
وتقول زوجته بلقيس التي تدير مؤسسات رعاية النساء والأطفال "لم يبن عبد الستار بيتا لأبنائه".
وهكذا، اكتسب هذا الرجل حبا واسعا بين الناس رغم الاستياء الذي يثيره لدى زعماء الجماعات.في العام 2014، تعرضت مؤسسته للسطو، وأثار ذلك استياء عاما في البلاد.
تقدر ميزانية مؤسسته بمليار و500 مليون روبية (20 مليون يورو) سنويا، معظمها من تبرعات العمال وأبناء الطبقة المتوسطة، وهي ما زالت تنمو وفقا لابنه فيصل.ويصل عدد من تعنى بهم مؤسسات عبد الستار إلى خمسة آلاف و700 شخص من المعوقين ومدمني المخدرات والنساء المعنفات، يتوزعون على 17 مركزا يعمل فيها ثلاثة الاف شخص.
وبحسب بلقيس، فإن أكثر المشاريع إدخالا للمسرة إلى قلبها هو مشروع "المهود"، اذ توضع مهود صغيرة لمن يرغبون بالتخلص من طفل حديث الولادة كتب عليها "لا تقتلوا طفلا بريئا، اتركوه لنا".
وكلف هذا المشروع المؤسسة انتقادات من إسلاميين متشددين نددوا برعايتها لاطفال غير شرعيين ولدوا من علاقات خارج الزواج.في احد دور الأيتام تقول سحر البالغة من العمر 16 عاما "لولا ايدهي لما كنت أظن أني سأعيش".وهي ستبقى في هذه المؤسسة الى ان تنهي دروسها وتتزوج بإشراف بلقيس التي تناديها "ماما".وتضيف "بلقيس وبابا ايدهي يعملان من اجلنا 24 ساعة".
قبل أسابيع، شعر ايدهي انه لم يعد قادرا على إدارة مؤسساته، فعهد إلى ابنه فيصل تولي شؤونها.وقال "لقد عملت كثيرا، وأنا راض عن حياتي"، بعدما أنهكت سنوات العمل الطوال قواه.ويقول فيصل "إنها مسئولية كبيرة، ما زال أمامنا الكثير لفعله في هذا المجتمع الظالم".