"رسالة مواطن "... هل راتب 270 ديناراً يكفي لسد احتياجات الأسرة البحرينية؟
بالقيام بعملية حسابية بسيطة لمعرفة مصاريف أسرة تتكون من أب وأم وطفل، فلو احتسبنا مبلغ 5 دنانير كمصروف لثلاث وجبات يومياً (إفطار، غداء، عشاء)، ولا أعتقد أنني قد بالغت في المبلغ، فإن الأسرة ستحتاج لمبلغ قدره 150 ديناراً لشهر واحد. وسنحتسب مبلغاً قدره 120 ديناراً لسكن تلك الأسرة، مع العلم بأن هذا المبلغ لتوفير السكن إن كان موجوداً فهو نادر، ولو خصّصنا 15 ديناراً كمتوسط شهرياً لكسوة تلك الأسرة المكونة من ثلاثة أشخاص لانتهينا بمبلغ كلي 285 ديناراً شهرياً مطلوبة من رب الأسرة لكي يعيش مع أسرته بمستوى يقارب الكفاف.
لم أتكلّم عن وقود السيارة ولا عن مبالغ تدفع للاتصال ولا عن أي نوع من أنواع الرفاهية والخروج للسوق والتنزه، مع تجاهل مصاريف التعليم ومتطلبات المدارس، واعتبرت السيارة التي تملكها تلك الأسرة بأنها قد نزلت من السماء ولا يشوبها أي عطل وأنها لا تحتاج إلى تأمين وتسجيل، وأن السكن الذي تسكنه تلك الأسرة قد بُني من فولاذ وصخور نارية فلا يحتاج إلى صيانة، وسنفترض أن مستشفيات الحكومة توفر أفضل أنواع الخدمات وأسرعها، وهذا "خيال"، فلا تحتاج تلك الأسرة الذهاب لمستشفيات خاصة، وافترضنا أن تلك الأسرة لا تختلط بالمجتمع ومصابة بمرض التوحد فلا تعطي الهدايا ولا تقبل الهدايا ولا تتفاعل مع المناسبات والاحتفالات الخاصة بالدين كالأعياد (عيدي الفطر والأضحى). وهنا حرمنا على هذا الأب وهذه الأم إنجاب أي طفل آخر وحكمنا على هذا الطفل أن يعيش لوحده من دون إخوة، ومع كل تلك الفرضيات والتضحيات المستحيلة مازال رب الأسرة ذاك لا يستطيع توفير أساسيات الحياة له ولأسرته!
وهنا قفزنا بالزمن وتكلمنا عن أسرة مكونة من ثلاثة أشخاص، ولم نسأل أنفسنا كيف تكونت تلك الأسرة؟ وكم احتاج الشاب لكي يكوّن تلك الأسرة الصغيرة؟ فبعد أن ينتهي الشاب من دراسته ويلتحق بعمل ويبدأ في تقاضي ذاك الراتب الزهيد (270 ديناراً)، كيف سيشتري سيارة وكم سيدفع ليتزوج وكيف سيخطط لشراء سكن صغير متواضع؟ فلشراء سيارة صغيرة بألف دينار، وزواج بتكاليف ثلاثة آلاف، وتوفير سكن (شقة) بسبعين ألف دينار، يحتاج ذاك الشاب لأكثر من اثنين وعشرين عاماً أن يجمع راتبه (بالكامل) من غير أن يصرف منه أي شيء، لكي يوفّر تلك الأساسيات المتواضعة.
وهنا ومع كل تلك الظروف والصعوبات، ولتوفير حياة كريمة للشباب البحريني وأسرهم، قام الشباب بالبحث عن مصادر أخرى لتغطية العجز المادي الذي سببه الراتب "الزهيد" فتراهم يعملون في أكثر من وظيفة، ولساعات طويلة حتى أنهم يقضون جل يومهم خارج البيت، فينتهي هذا الشاب من عمل ليذهب إلى آخر. وهناك من امتهن بيع التجوال، الظاهرة التي انتشرت في مملكتنا الغالية، وكأننا نعيش في بلد فقير، وكل ذلك تعود نتائجه على استقرار الأسرة وعلى صحة ذاك الشاب. وهناك من دفع بشريكة حياته للعمل لكي تساعده حتى وإن كان المردود ضئيلاً، فأصبحت البحرينية بائعةً في المجمعات والشوارع، وأمينة صندوق في البرادات، وعاملة ومنظفة في الروضات والحضانات، وسائقة تاكسي وحافلة. وأصبحت تعمل مربيةً لدى الآخرين، وهنا لا أقلل من شأن أية وظيفة شريفة، ولكن أهاجم المقابل الزهيد لها، فلو كان راتب شريك حياتها جيداً هل ستقوم تلك الشابة بهذه الأعمال؟
كفاكم قوانين على ورق فقد مللنا منها، وما نريده منكم هو التطبيق والمحاسبة الجادة. أين خبراؤكم ومحللوكم، هل ما جئت به من معلومات وأمثلة في هذا المقال غير صحيحة أو غير واقعية؟ هل تعتقدون بعلاوة بدل الغلاء أو بدل السكن التي من شروطها أن تتجاوز سنوات الانتظار الخمس سنوات قد تكفي الشاب البحريني وتلبي احتياجاته وأسرته؟
راقبوا السوق وافرضوا قوانين لمصلحة المواطن الفقير، ومدّوا يد العون لابن الوطن واستبدلوا الأجنبي بابن الوطن، ساعدوه وقت الزواج، بحرنوا وبحرنوا وبحرنوا الوظائف الحكومية وفي الشركات الكبرى التي تدفع رواتب جيدة، فعّلوا البطاقات التموينية واعفوهم من بعض المصاريف. فكيف تتساوى تعرفة الكهرباء وغيرها بين من يتقاضى أربعة آلاف دينار ومن يتقاضى 270 ديناراً؟
نوابنا الكرام، تذكّروا أن الكراسي التي تتنعمون بالجلوس عليها والصلاحيات التي تمتلكونها والرواتب الضخمة التي تتقاضونها لم تكونوا لتنالونها لولا أصوات هذه العوائل المعدمة. شباب وشابات يعملون شهراً كاملاً مقابل مبلغ تدفعونه أنتم أيها النواب لوجبة عشاء في فندق أو باقة ورد في احتفال أو هدية لضيف. تذكروهم الآن وليس عندما تقترب الانتخابات، تذكّروهم عند كل نعمة تحصلون عليها أو تتلذذون بها من مجلس النواب لأنهم سببها.
تجارنا الأفاضل، تاجروا بالأموال والخدمات والبضائع ولكن لا تتاجروا بحياة وأعمار الشباب العاملين ولا تستغلوا حاجاتهم. توسّعوا في تجارتكم ووسّعوا عليهم، ضاعفوا رؤوس أموالكم ولكن لا تنسوهم. وأنتم يا شبابنا الصابر، ادرسوا وتحملوا وتعاونوا وتكاتفوا وواصلوا جهادكم ولا تيأسوا وتذكّروا أن الله معكم.
منير الشهابي