القصة الفائزة بالجائزة الأولى عن فئة الكتَّاب البحرينيين
مشوار للسعادة
قصة قصيرة - يسرى حسن حسين حسن
جلست على الأريكة الوثيرة، أمسكت جهاز التحكُّم بالتلفاز، بدأت تتنقل بين القنوات بسرعة فائقة تبحث عمَّا يسرُّها لكنها لم تنجح في إزالة العبوس من وجهها، أغلقت التلفاز بعصبية، نظرت إلى ساعتها الثمينة إنها الثانية صباحاً! تنهَّدت بعمق وهي تفكر: أين يمكنها الذهاب في هذا الوقت؟ ارتدت فستاناً مبهجا، أسدلت شعرها، وضعت أحمر الشفاه، ولم تنسَ أقراط اللؤلؤ وحذاءً بكعبٍ عالٍ.
سائقها الذي خبر، في أوقاتٍ سابقة، جنون أرقها كان على أهبة الاستعداد لطلباتها الغريبة. توسَّدت المقعد الخلفي، وتناولت حبتي أسبرين. عيناها الحائرتان تتلفت يميناً ويساراً لعلها تجد ملجأ للسعادة. رأت لافتة تبرق من بعيد فأسرّت لنفسها «لعلها المكان المنشود». دخلت وتناهى لمسامعها ضجيج موسيقى صاخبة، سكْر وحلقات رقص، نساء مازلن يبحثن عن فارس الأحلام في الحانات الرخيصة! تخيَّلت نفسها في مكانهن بعد عشر سنوات، فشعرتْ بالرثاء لحالها وغادرت على الفور.
ذهبت لإحدى الحدائق العامة ووسط الظلمة، والحزن الكثيف، تحسَّست طريقها حتى وصلت إلى مقعدٍ خشبي بالقرب من عمود الإنارة، تُعيد شريط ذكريات حياتها، تتساءل لماذا تعيش تعيسة وسط الرفاهية؟ لماذا تأثير المجوهرات والملابس الثمينة يدوم أسابيع لا أكثر؟ لماذا أدوية طبيبها النفسي تساعدها على النوم لا غير؟ رأت مجموعة من الفراشات متجمِّعة عند المصباح، تخيَّلت نفسها نجمة تُضاء لها مصابيح المسرح وومضات كاميرات الصحف والمجلات، قد أكون سعيدة حينما أكون مشهورة ولديَّ الكثير من المُعجبين وأرى صوري على أغلفة المجلات، ولكن هل هؤلاء المشاهير سعداء حقا؟
سمعت صوت خشخشة الأوراق فانتابها الفزع. من يكون؟ رأت عجوزاً تتقدَّم نحوها في مهابة، ترتدي ملابس بالية، ازداد خوفها. جلست العجوز إلى جانبها، ابتسمت وكشفت عن أسنانها الصفراء ولم تحصل على ابتسامة بالمثل، لم تكترث العجوز واقتربت أكثر، امتزجت رائحتها النتنة برائحة العطر الفرنسي الباهظ، بدأت المرأة الغريبة تبحث عن شيء في جيوبها المتدلية، أما الفتاة فقد جمَّدها خوف هستيري، هل تبحث عن أداة لقتلي أو سرقتي أو لعلها تريد تهديدي؟!
أخرجت العجوز حفنة من السكاكر المكشوفة وقدَّمتها إلى الفتاة وقالت لها: أرجوك اقبليها مني .. طالما تمنيت أن يكون لديَّ أحفاد أهديهم السكاكر كلما رأيتهم. اغرورقت عينا الفتاة في الوقت الذي ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهها، احتضنت يد العجوز الجافة بكفيها، تناولت قطعة من السكاكر أعادتها إلى طفولتها البعيدة، لم تنبس بكلمة؛ إذ كان قلبها مغموراً بحبٍ مخنوق. قبل أن تغادر الحديقة قبَّلت يدي المرأة العجوز.
في الطريق إلى البيت، وعلى زجاج النافذة رأت انعكاساً لابتسامة فتاة توشك أن تحقق سعادتها. تمكنت من الحصول على نومٍ عميق تلك الليلة!