قصة قصيرة... سريرٌ آخرُ خالٍ في الغرفة
قصة قصيرة - فاطمة محسن شهاب
بالأمسِ فقط جلست أنا على سريريَ هذا الذي يتوسط سريرَيْهِما الفارغين في غرفة البنات. أختي الكبرى تزوجت، وكذلك الصغرى ستتزوج، لم تعد للمنزل بعد؛ لأنها مشغولة بالتجهيز لحفل زفافها.
في الحقيقة لقد اعتدت على النوم قبل عودتها منذ عقدِ قرانها، كما اعتدت منذ زمن بعيد على التوقف عن تخيُّل فارس الأحلام المنتظر، حياتي عندما أتزوج، أو حتى صوت طفلة، أو إحساس أمٍّ. في طفولتنا، كانت لدينا تعابيرنا الخاصة عن هذا الحدث الكبير، عندما تتحدث إحداهما عن الأمر تضحك أمي ويبتسم أبي، ولكن عندما أتحدَّثُ أنا تحزن أمي، يصمتُ أبي، ويقولُ أخي الكبير: من قال إنه يجب على كل النساء أن يتزوَّجْن؟ لذا فقد توقَّفتُ عن الحديث في هذا الأمر.
تعلَّمتُ مع مرور الزمن بأنني -أنا الأكثر ضعفًا بين أُختيَّ- يجب أن أكون الأشدَّ قوة، صنعتُ نفسي بنفسي لأجل نفسي ولم أنتظر يومًا رجلًا، أيَّ رجل. عندما وصلت إلى سن الزواج كنتُ محطَّ أنظارِ النساءِ الباحثاتِ عن زوجاتٍ لأبنائهن،"انظري إليها" "من هي؟" "إنها ابنة فلان" "ونعم النسب"... "فتاة جميلة وجامعية وملتزمة ومؤدبة وخلوقة و...و...و" في النهاية"... "لكنها مصابة بالسكلر" لتشيح المرأة بوجهها... "شافاها الله وعافاها... فالنبحث عن غيرها"،عندها فقط عرفت لماذا تحزن أمي ويصمت أبي ويقول أخي الكبير: ومن قال إنه يجب على كل النساء أن يتزوجن.
أخي الكبير-رحمه الله- كان مصابًا بالسكلر أيضًا؛ لذا فقد كانَ الأقربَ إليَّ، علَّمني أن أكونَ قويةً وراضيةً، علَّمني كيف أحبُّ نفسي وأقدِّرُ ذاتي، علَّمني أننا عندما نقتربُ من الله ونرضى بقدرهِ وقضائِهِ، نعرفُ أنه لا يقدِّر لنا إلا الخير، عندها لن نكترث أبدًا لأحكام البشرِ الجائرة. أخي أيضًا تزوج قبل وفاته، ربما لأنه رجل وربما لأن زوجته لم تكن تخشى أن تُحبَّ رجلاً ثم تَفقِدَهُ وَسَطَ معاركِ الحياة.
ولكن يا ترى هل بإمكاننا نحن البشر أن نعرف ذلك؟ هل بإمكاننا أن نعرف من سنفقِدُه ومن الذي سيواصل معنا مسيرتنا في الحياة؟ نعم، إنه سريرٌ آخرُ خالٍ في الغرفة، ولكنه ليس لعروسٍ زُفَّتْ إلى زوجها، إنها لا تنام الليلة في سرير الزوجية، لقد استبدلت ثوبَ زِفافها بالأكفان، واستحبَّت نوم القبر على سرير الزوجية، من كان يعلم بأننا سنفقِدُها في هذا الوقت المبكر من الحياة؟! ألم يكن من الحريّ بي أن أكون مكانها؟ من كان يتوقع بأنني "أنا" سأجلس في عزائها "هي"؟ أختي الصغرى تلك الشابَّةُ المتفجرَّةُ بالحيويةِ والنشاط، الفتاةُ السليمةُ الوحيدةُ في الأسرة، إنها حتى لا تحمل الجيناتِ الوراثيةِ لهذا المرض المزمن، كنّا جميعًا نتوقَّع لها حياةً مديدةً سعيدةً، زوجًا محبًا وأولادًا بارِّين، ترى لماذا لم يَخشَ خطيبُها أبدًا أن يفقدِها قبل أن تُشاطِرَه سرير الزوجية؟ أتراهُ لو عَلِمَ أنَّه سيفقِدُها اليومَ بحادث سيارة مشؤوم كان أتى وطلبها له زوجة؟؟!
كفكفتُ دموعيَ الجارية وتناولتُ القلم بيديَّ المرتجفتين، فتحتُ دفتر مذكراتي وكتبت... "من نعم الله علينا أن رسائلنا إلى العالم الآخر لا تحتاج إلى واسطة... أختي الحبيبة... شاركتِنِي كلَّ شيء، كلَّ ما كان، وكلَّ مازال، لذلك ستَبقَيْنَ هنا حتى تأخذيني يومًا ما إليك".