الباحث البردي: انحرافات حادة في المجتمع نتيجة تغييب العقل
الوسط - المحرر الدولي
قال الاكاديمي والباحث في قضايا الإهاب والسلوك الإرهابي ماهر البردي ماهر البردي إن "الفكر والتفكير من أعظم القدرات المعرفية والعقلية التي يتميز بها الإنسان، وما يحدث الآن من انحرافات حادة وخطيرة ماهي إلا نتيجة تغييب العقل والتفكير السليم".
واستضاف منتدى الثلثاء الثقافي البردي في محاضرة تحت عنوان "الانحراف الفكري وأثره على الأمن الوطني" وذلك مساء الثلثاء 12 ابريل/ نيسان 2016، والتي حضرها جمع من المثقفين.
وفيما يتعلق بالانحراف الفكري، أفاد أنه "زيغ في الإدراك والمعارف والأفكار والمفاهيم وبعدها كنشاط عقلي عما هو متفق عليه من معايير وقيم ومعتقدات سائدة في المجتمع"؛ مشيرا إلى أن الأمن الوطني هو حالة من الشعور الداخلي بأن الدولة ومؤسساتها تملك من القوة ما يمكنها من توفير خطط وبرامج من شأنها ضمان أمن الشعب ومكتسباته وضمان حمايتها وبقائها بما يحقق الأمن بكافة صوره وأشكاله.
واستعرض البردي أبرز مظاهر وملامح الانحراف الفكري والتي تتمثل في الخداع والتضليل من أجل الوصول لمنفعة شخصية أو اقتصادية أو سياسية، تشويه الحقائق وتبرير الغايات، التبسيط المخل والتنافر والتناقض السلوكي، التصلب وأحادية الرؤية الفكرية، النزعة إلى العداء والانتقام. وواصل حديثه مستعرضا بعض أساليب ودوافع الانحراف الفكري والتي تتمثل في الغلو والتطرف كمًا وكيفًا، سوء التنشئة الاجتماعية وتهميش دور المؤسسات التربوية والاجتماعية، قوة الجماعة المرجعية وسيادة المنهج الخفي، في التغليم ووسائل الإعلام والإعجاب بالرأي لدى الجماعات المتطرفة ورؤسائها، التمسك بالأفكار البالية القديمة والتقليد الأعمى، التعصب والتعميم والتسرع في تشكيل وإصدار لأحكام.
وتطرق للحديث عن الأمن الوطني بمفهومه العام حيث استعرض أهم وأبرز مكوناته والتي تتمثل في الأمن النفسي ويقصد به تحرير عضو المجتمع السوي جسديًا وعقليًا من الشعور بالخوف والقلق، الأمن الاجتماعي ويقصد به كل الإجراءات والبرامج والخطط المختلفة الهادفة لتوفير ضمانات شاملة تحيط أفراد المجتمع بالرعاية اللازمة، الأمن السياسي وهو أهم الدعائم الأساسية لمواجهة الأخطار الداخلية والخارجية، الأمن الجماعي وهو أحد صور تحقيق الأمن الوطني لمجموعة من الدول عن طريق تنسيق جهودها المشتركة لمنع كافة الاعتداءات، الأمن الفكري وهو ركيزة أساسية في تحقيق الاستقرار الوطني ويقصد به سلامة فكر الإنسان من الانحراف والخروج عن الوسطية؛ واخيراً الأمن الشامل ويقصد به حماية المجتمع بكل طوائفه ومذاهبه وتياراته وتوفير الحماية الشاملة لكل مواطن من أي تهديد أو إعتداء.
كما تناول البردي بعض الآثار والمخاطر المدمرة للانحراف الفكري على الأمن الوطني مثل إثارة الفتن والصراعات الطائفية، التضليل والتغرير بالناشئة، ضعف الرقابة الأسرية كمدخل للاستغلال الفكري والتطرف، سيادة العنف وشيوع الجريمة، إثارة الشبهات في كل العقائد وإخراج النصوص الدينية عن سياقها وتحريف المفاهيم، السقوط في هاوية تكفير الآخرين واستباحة دمائهم وأموالهم. وحول الوقاية من الانحراف الفكري استعرض الدكتور ماهر البردي العديد من اساليب الوقاية التي تساهم في الحد منه ومعالحته وتتمثل في دور الأسرة ومؤسسات التعليم ووسائل الإعلام. التي، كما أشار إلى ضرورة تفعيل دور مؤسسات التطبيع المدني وتعزيز الواقعية في الخطاب الديني وتدريب الأبناء على المشاركة السياسية والحوار والاختلاف في الرأي مبكرًا.
وفي خاتمة ورقته طرح عدة طرق لعلاج الانحراف الفكري، ونوه إلى أنها طرق علاجية جماعية معرفية سلوكية تتمثل في استخدام العلاج المعرفي في تعديل الأفكار المنحرفة والسلوكيات المتطرفة، توظيف أساليب تنمية أفكار الاعتدال والتسامح والتفاؤل وبث الأمل والدعوة للاستقامة، التدريب على مقاومة فكر التطرف والتعصب وتبني فكر الأمة الوسط، فهم الصراعات وإدارتها على المستوى الفردي والجماعي؛ استثمار تجارب المناصحة السابقة في مقاومة الفكر المنحرف وتصحيح المفاهيم الخاطئة، تحديد مصادر الانحراف الفكري وتجفيف منابعه، إنشاء هيئة من كبار العلماء والمفكرين لمكافحة الانحراف الفكري بين شرائح المجتمع السعودي وفي كل وسائل الاتصال الحديثة.
وبدأت مداخلات ومشاركات الحضور، إذ طرح سعد الغانم تساؤلا للمحاضر حول سبل مواجهة الجماعات المتشددة التي لا تقبل بالرأي الآخر او تعترف بالتنوع، وتحدث الأستاذ أحمد منصور الخرمدي حول امكانية تنمية هذه الأفكار المجتمعية من خلال التعليم أو من خلال اقامة محاضرات في دور العبادة، مؤكدا على دور المؤسسات الرسمية في ترسيخ الوسطية والاعتدال. كما نوه الأستاذ علي الغراب إلى وجود خلل واضح في مختلف فئات المجتمع إذ يفتقد إلى النظرة المتوازنة والإيجابية تجاه بعضه البعض، واعتبر الأستاذ علي الحرز أن المجتمعات الإسلامية والعربية هي ضحايا الأنظمة السياسية والتراث الديني.
وكعادة المنتدى في أقامة فعاليات ثقافية أسبوعية مصاحبة للندوات، شارك الفنان التشكيلي حسين الحبيل بتنظيم معرض فني بالمنتدى تحت عنوان "ذاكرة الروح"، وتحدث عن تجربته الفنية التي عرضها في لوحاته وعن أهم مشاركاته في المعارض المحلية والدولية؛ كما تم أيضا تكريم المرشد السياحي فتحي احمد البنعلي صاحب "مركز الزوار بدارين" المدعوم من قبل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الذي تحدث عن تجربته في الحفاظ على تراث المنطقة عبر تأسيس المركز واستقبال الوفود والزوار القادمين للمنطقة.
بدأت الندوة بكلمة من مدير الأمسية عضو اللجنة المنظمة للمنتدى زكي البحارنة، الذي أشار فيها إلى أهمية البحث والنقاش الجاد حول الانحرافات الفكرية التي تقود الى تصلب وأحادية المواقف والاجتهادات بما يؤدي الى غياب الرؤية التجديدية المنفتحة وبالتالي حالة من التعصب الفكري وممارسة العنف، مشيدا بالدور الكبير الذي يقدمه المنتدى في تشخيص مثل هذه القضايا وتلمس المعالجات الممكنة التي تؤدي إلى إثراء الوعي المجتمعي. وعرف البحارنة بضيف الأمسية ماهر البردي وهو الأكاديمي والباحث في قضايا الإرهاب والسلوك المنحرف وعضو في العديد من الجمعيات والمؤسسات المحلية والدولية، ومشارك بعدة ندوات ومؤتمرات محلية وعالمية، وله العديد من المؤلفات والكتب منها "سيكولوجية الربيع العربي"، "الرؤية النفسية في الرواية السعودية"، "زمن الغفوة"، "أسلمة المعرفة"، وله ديوان شعر اسمه "إليها". وتحدث الأستاذ عيسى العيد حول ضرورة الفصل بين العصر الحاضر وماضينا التراثي لمعالجة أوجه التناقض السائدة في مجتمعاتنا، وأشار الدكتور جاسم المقرن إلى أن المجتمع السعودي يعيش هاجس أمني كبير بسبب تكرر حوادث الارهاب التي مرت عليه في هذه الفترة لذا يجب دراسة السلوك الارهابي بعمق والاستفادة من نتائج ذلك على الواقع. ولفت الأستاذ منصور آل سلاط إلى أن التعليم منذ البداية ركز على المواضيع الدينية بصورة كبيرة ولم يهتم بتعليم مواد الفكر والبحث، وتساءل إلى أي مدى يمكن أن تعالج قضايا الارهاب والحد من تأثيرها على الأمن الوطني في ظل تنامي الخطاب الطائفي وتصاعده، وطرح الأستاذ فرحان الشمري ضرورة تحديد الجهات ذات العلاقة بالانحراف الفكري، ومعرفة سبب تعطيل التفكير السليم بالنسبة للانسان. وتحدث الأستاذ حسين القريش حول فكرة دراسة تجارب المجتمعات المستقرة أمنيا والتي توجد بها مراكز دراسات لتحديد ومعالجة الافكار المنحرفة.
واختتم اللقاء راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بتأكيده على ان صفات ومظاهر الانحراف الفكري تبدو شاملة في المجتمع بمستويات مختلفة، من بينها انعدام التسامح الحوار والأرضية المشتركة له، ووجود حالة الصدام والأحادية وعدم المرونة تجاه المختلف، وأن ذلك يستدعي بذل جهود حثيثة لمعالجة هذه الظواهر والمساهمة في حماية المجتمع وأمنه.