"سفينة الحب" مسرحية تحكي قصة لاجئين سوريين يبحثون عن حياة جديدة
عمان- أ ف ب
ستة سوريين في قارب خشبي صغير يحلمون بالوصول إلى أوروبا على أمل إحياء فرقتهم المسرحية قبل أن يغرقوا في البحر: مشهد تصوره مسرحية "سفينة الحب" التي عرضت في عمان أخيرا مسلطة الضوء على أضخم مأساة يشهدها العالم منذ عقود.
وعرضت المسرحية، ومدتها سبعون دقيقة، في المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة الأردنية، وتتألف من مشهد واحد من دون توقف يؤديها أربعة شبان وفتاتان، يجلسان في قارب خشبي بطول 5,6 أمتار وعرض مترين.
وتروي المسرحية قصة أعضاء فرقة فنية سورية فرقتهم الحرب قبل خمسة أعوام، ويتفق من بقي منهم حيا على الهجرة بحرا إلى أوروبا، أسوة بآلاف السوريين، من أجل إحياء فرقتهم هناك.
وعند لقائهم للمرة الأولى بعد كل هذه الأعوام، يروي كل منهم حكايته للآخرين وما عاناه خلال أعوام الحرب الخمسة.
ويقول مخرج المسرحية الممثل السوري الفرنسي نوار بلبل لوكالة فرانس برس "أردت تصوير مأساة أولئك الذين أجبروا على الهرب من بلدهم بسبب الحرب والدمار، أولئك الذين هربوا وهم يحلمون بان يعيشوا حياتهم بسلام مثل باقي البشر".
ويضيف "من المؤسف ان الهرب من بلداننا العربية أصبح حلم الناس بعد الأوضاع المأسوية من حرب وقصف واعتقال وسجون واغتصاب وإذلال".
ويتابع "حاولنا كذلك كسر المحرمات الثلاثة التي يخشاها مجتمعنا العربي وهي الدين والسياسة والجنس".
وأبطال المسرحية مواطنون سوريون لا يعملون أصلا في مجال التمثيل، لجأوا إلى الأردن هربا من النزاع في بلدهم. والمفارقة أن معظمهم يجسدون أدوارا تعكس جزءا من حياتهم. كما أنهم احتفظوا في المسرحية بأسمائهم الحقيقية.
وتقوم إيمان (15 عاما) بدور فتاة فقدت ساقها اليمنى اثر سقوط قذيفة دبابة قربها في جنوب سوريا. وفقدت إيمان فعلا ساقها خلال قصف في منطقة درعا.
ويجسد عدنان (26 عاما) قصة شاب سجن بسبب مشاركته في تظاهرات وكتابة شعارات مناهضة للنظام السوري على الجدران. وهو كان اعتقل فعلا في احد سجون النظام بينما كان يحاول العبور من سورية إلى لبنان، فأوقف عند الحدود. وأفرج عنه بعد وساطات ودفع رشاوى.
ويلعب محمود (50 عاما) دور فلسطيني فر من مخيم اليرموك في دمشق بسبب الحصار، وهو فعلا من سكان هذا المخيم للاجئين الفلسطينيين.
أما القصص المختلقة فهي قصة هيا (25 عاما) التي تجسد في المسرحية دور فتاة أمضت 227 يوما في السجن وتعرضت خلالها للاغتصاب يوميا على أيدي سجانيها. ويقول المخرج أن الهدف من هذه القصة تسليط الضوء على أوضاع السجينات في سورية اللواتي يتعرضن لشتى أنواع التعذيب.
ويجسد محمد (24 عاما) قصة شاب فقد يده أثناء الحرب، وهي قصة آلاف الشبان السوريين. ويلعب مصطفى (14 عاما)، أصغر الممثلين سنا، دور فتى راغب باللجوء إلى أوروبا ليحضر إليها في وقت لاحق باقي أفراد عائلته المحاصرة في سورية.
المأساة
وتبدأ رحلتهم في القارب المزود بخارطة لأوروبا ومنظار، من مكان مجهول باتجاه اليونان ثم ايطاليا فاسبانيا وبعدها بريطانيا ففرنسا وأخيرا ألمانيا قبل غرق قاربهم.
وكلما لاح في الأفق شاطىء دولة ما، هتف الجميع بإسم الدولة ثلاث مرات، ثم تذكروا مسرحية من مسرحياتهم مرتبطة بهذا البلد، فيعيدون تمثيل أحد مشاهدها.
وتتخلل النص رسائل مبطنة عن الأوضاع الصعبة في سورية، وتم لهذه الغاية التصرف ببعض نصوص مسرحيات عالمية.
فعند اقترابهم من اليونان مثلا، يؤدي الممثلون مشهدا من رواية "الفرسان" للمؤلف المسرحي اليوناني أريستوفان التي تتحدث عن الأنظمة الفاسدة وتهاجم تجار الحروب.
ولدى اقترابهم من اسبانيا، يؤدون مشهدا من رواية "دون كيشوت" للكاتب الإسباني ميغيل دي ثرفانتيس سابيدرا. ويركز المشهد على خروج المحارب دون كيشوت بصحبة صديقه سانشو بانزا في رحلة البحث عن أوهام النصر. وعندما يلتقي بعض المساجين يسألهم "لم انتم مكبلون؟ فيأتي الجواب: لأنني أحب، ويقول الآخر: لأنني أستمع إلى الموسيقى"، فيرد "ومتى كان الحب والموسيقى حراما؟".
عند اقترابهم من بريطانيا يجدون حدودها مغلقة، فيعودون باتجاه فرنسا ليؤدوا مشهدا من مسرحية "تارتوف" للكاتب الفرنسي موليير.
ويجسد تارتوف شخصية رجل دين فاسد منافق يسعى إلى إشباع شهواته الدنيوية وهو يتظاهر بالتقوى، وقد ألبسه المخرج ملابس سوداء وعمامة تشبه تلك التي يضعها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي.
وتختتم المسرحية بتقديم مشهد العاصفة من تراجيديا "الملك لير" للكاتب الانكليزي وليام شكسبير، المشهد الذي يضع فيه الإنسان في مواجهة الطبيعة، وذلك بعد أن تتقاذف أمواج البحر السفينة.
كسر المحرمات
ويقول بلبل "حب الحياة هو ما يدفع كل هؤلاء لركوب قوارب مهترئة في رحلة خطرة ومعهم زوجاتهم وأطفالهم، على رغم علمهم بأن أملهم ضعيف جدا بالوصول إلى أوروبا. يجازفون لأنهم يريدون أما الحياة وأما الموت والخلاص".
وتقول ايمان أنها تأمل أن "يرى العالم ويعي حقيقة ما يحصل لنا ولماذا يجازف اللاجئون بحياتهم للوصول إلى أوروبا".
وتضيف "لا اعتقد أن شخصا واحدا من هؤلاء المهاجرين سعيد بترك بيته وبلده وأهله وناسه ليصبح لاجئا في بلد لا يعرفه ولم يسبق له أن رآه في حياته ولا يعرف حتى لغته".
ويدعو محمد العالم "إلى أن ينظر إلى اللاجئين بعين العطف، فهم بشر كغيرهم. لديهم نساء وأطفال يخافون عليهم من الموت ويريدون تأمين حياتهم".
ويضيف "الكثير من الناس الأبرياء ماتوا وسط البحر وكل ذنبهم أنهم كانوا يكرهون الحرب وأرادوا العيش بسلام في مكان آمن".