طالب بالتقنين ومعايشة المجتمع وفهم احتياجات الناس
الشملاوي في قنبلة من العيار الثقيل: دعوى قد تغير ألف عام من القضاء الجعفري
الجفير - محمد العلوي
فجر المحامي عبدالله الشملاوي قنبلة من العيار الثقيل، حين أماط اللثام عن دعوى لديه في المحكمة الاستئنافية الشرعية (الجعفرية) تختص بميراث النساء، قال عنها «لو استطعت أن أقنع المحكمة بموقفي، سيتغير منهج القضاء الشرعي لألف سنة».
الشملاوي الذي كان يتحدث في محاضرة نظمها الاتحاد النسائي أمس السبت (9 أبريل/ نيسان 2016)، بنادي العروبة، قال أيضاً «طوال ألف سنة، هنالك رأي، أما أنا فقد أتيت برأي مقابل (ليس من عندي بل من كتب فقهاء من الوزن الثقيل)، وللأسف الشديد فإن المحاكم الجعفرية، أو المدرسة الجعفرية بشكل عام، تقول إن الزوجة لا ترث من العقار وترث من العروش، في الوقت الذي تشتمل فيه هذه المسألة على 5 أقوال».
وأضاف، في الندوة التي جاءت تحت عنوان «إرث النساء وأهمية وجود التقنين» «في الواقع فإن أفضل من أصّل في هذه المسألة هو السيدمحمود الهاشمي (كان يشغل منصب رئيس السلطة القضائية في إيران سابقاً)، حيث عرض الآراء من أيام الطوسي أي من حوالي ألف سنة وناقشها مناقشة رائعة».
ومقارنة بموقف مدرسة الإمامية (الشيعة)، ومدرسة الجمهور (المذاهب الأربعة)، حيال مسائل الميراث، تحديداً في ما يتعلق بميراث النساء، قال الشملاوي «ما نقضت به الإمامية، على ما ذهبت اليه مدرسة الجمهور في التعصيب والعول، ينتقض قولهم فيما يتعلق بطاق الربع أو الثُمن كميراث الزوجة بحسب الأحوال، فإذا كانت الإمامية تقول إن الرواية لا تنقض النص القرآني، عملاً بقول الرسول (ص): «اعرضوا حديثي على كتاب الله، فإن وافقه وإلا فاضربوا به عرض الجدار»، فإن هذا ينقلب عليهم، بحيث أن ما قالوه بشأن التعصيب والعول، يرتد عليهم بشأن ما يقولوه في ميراث النساء».
اغتصاب السلطة
واستطراداً، قال الشملاوي «هنالك روايات تقول بما مجمله «أن الزوجة لا ترث من الرباع والضياع وإنما ترث من العروش»، وفي تصوري أن هذا القول يخالف ظواهر الكتاب»، مستشهداً على ذلك بقول للشريف المرتضى وهو من أعمدة فقهاء الشيعة: «الاخبار الصحاح اذا خالفت ظواهر الكتاب، سقطت حجيتها»، وأضاف «فكرة القاعدة القانونية وتدرجها في المفهوم المدني الحديث، بحيث يأتي الدستور، ثم القانون، ثم المرسوم، ثم اللائحة الرئاسية ثم اللائحة العادية، فاذا تعارضت فيما بينها قدم النص السامي على ما يليه، واذا خالف النص الثاني، فنكون أمام عدم مشروعية يصل لدرجة اغتصاب السلطة ولا أغالي في ذلك».
وتابع «اذاً، ما دمنا نقول إن التعصيب باطل لمناقضته صريح النص القرآني، ومسألة الأولوية (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)، و(الأقربون أولى بالمعروف)، فإذا جئنا لميراث الزوجة نجد أن كل آيات الميراث، تكلمت بحرف (ما)، وهي تعني ابتداءً في لغة العرب اسم ما وصولا بمعنى (الذي)، فهل يجوز للرجال حين تأتي (ما) من ناحيتهم، تصبح بمعنى (الذي)، وحين تأتي للنساء، تصبح نكرة بمعنى؟».
وتساءل الشملاوي «من أين أتى هذا؟، فلسان النص لا يسمح بذلك، وفي تقديري فإن هذه هي قراءة قريش التي لا تخلو من بداوة، وقد يكون خلف ذلك عامل اجتماعي، كأن لم يكن للأرض قيمة مقابل ما للخيم، فلحقت بالنص ثم انفصل النص عن أساسه النفسي والاجتماعي، وذهب بعيداً عن أصله، بدليل (وهذا الاشكال يورده الهاشمي)، يقول فيه إن الأحاديث الواردة عند الإمامية بقصر فهم استحقاق الزوجة من الربع أو الثُمن في حدود النقد والعروش، جاء في فترة الإمامين الباقر والصادق (ع)، لنتساءل عن ما قبل ذلك (أيام الرسول والإمام علي والحسنين)، والتي كان فيها تركات، لكننا لم نسمع بهذا القول، وهذا يجعل الباحث يتوقف أمام هذه النصوص».
كما قال «كذلك هنالك ملاحظة أخرى، فاذا قلنا إن الوارث له نصيبان، نصيب أعلى ونصيب أدنى، وهو ما يعرف بحجم النقصان، فالمحجوب نقصاناً لا يجوز أن يحجب بعد ذلك، فمن كان لها الربع بسبب عدم وجود الولد، ثم آل نصيبها الى الثمن بسبب وجود الولد، إذاً حجبها الوارث الى نصيبها الأدنى، فاذا قيل بأن لها الربع أو الثُمن، فينبغي بحسب السياق والمجرى العادي للنص أن يكون لها الثُمن في كل ما ترك، فـ(ما) هي كما ذكرنا اسم موصول بمعنى (الذي)، هذا أولاً، وثانياً اذا أعطيت المرأة الربع أو الثُمن فقط من المنقول والعروش، فواقعاً هي لم تعطى الربع أو الثُمن، وعليه فإننا نكون أمام حالة ظلم للورثة الآخرين باعطائهم شيئاً حرام كان من نصيب المرأة، وظلم المرأة بحرمانها من نصيبها».
وأردف «كذلك بعضهم ادعى الاجماع عند الشيعة الإمامية على هذه المسألة من حيث استحقاق المرأة أو من حيث قصر استحقاق المرأة فقط على ما يسمى بالعروش. والمسألة ليست محل إجماع، فابن الجنيد وهو من عمالقة الفرقة الإمامية لا يتبنى هذا القول وكذلك الشريف المرتضى قامة هائلة، لا يقول بهذا القول، وهو من أصّل نظرية الجمع بين الروايات، فاذا أردنا أن نجمع توفيقاً بين النصوص، فاعطوها على الأقل الربع أو الثُمن، أما أن نحصر نصيب الزوجة على هذا الحد من المنقول، فلا ُأبالغ اذا قلت إن فيه ظلم لباقي الورثة باعطائهم مالاً حرام، وهذا لا يجوز».
وبحسب قراءة الشملاوي، فإن «المحاكم اذا جاوزت هذا الفهم وحكمت للزوجة بقصر نصيبها على المنقول والعروش، فاني أتصور أنها قد تكون خالفت القانون واخطأت في تطبيق القانون بمفهومه العام الذي أحالها اليه الدستور، والقانون هنا هو الشريعة الاسلامية، فمحكمة التمييز ضيق المشرع عليها حدود عملها، والآن فتح لها الباب لان تراقب اجراءات الدعاوى اذا كان هناك خلل أو بطلان أثر في الحكم».
وأضاف «باعتقادي، اذا كانت هنالك نية للوصول الى ما يعرف بفقه القضاء، ففي تصوري، أن النص لن يقيد محكمة التمييز في أنها تعمل صلاحيتها وتنقض الأحكام في مثل هذه الحالات التي تكون قد خالفت القانون بالمعنى الفني العام».
ورداً على المطالبات بجهود مماثلة فيما يتعلق بـ»التعصيب» لدى مدرسة الجمهور، قال الشملاوي « بالإمكان الاستعانة بمحكمة التمييز في الدعوى الخاصة بالمخالفة الصريحة والواضحة للقانون، إلا أنني نتساءل: هل ستنطلق محكمة التمييز لتخالف رأي السلف من الآن الى الخلافة الراشدة؟، وهي عملية صعبة تقترب من الاستحالة».
الأحوال الشخصية... مخاضات عقود ثلاثة
وخلال الندوة، قدم الشملاوي إطلالة قانونية، بين من خلالها أن فكرة التقنين، سواء كانت منزلة من السماء بحسب بعض الديانات، أو من فعل البشر بحسب الفلسفات الحديثة، فإن التقنين هو ضبط ايقاع السلوك الاجتماعي.
وأضاف «ما عرفته البحرين من مخاض لتقنين الأحوال الشخصية، بدأناه في العام 1984، ليتعرض هذا المخاض لاجهاضات عديدة وتأخير حتى اتفق على وثيقة مشتركة تمثل المذاهب الاسلامية التي تعيش في البحرين، وأخذت كل المدارس الاسلامية، وللاسف فقد صدر مؤخراً الشق السني من قانون الاحوال الشخصية، وننتظر أن يبزغ الفجر ليصدر الشق الثاني».
وتابع «بالنسبة للميراث، ففي الجاهلية كانت المرأة جزء من ما يورث، ولم تكن ترث، حتى جاء الاسلام فخفف من غلواء ذلك وقال في الآية الكريمة: (للرجال نصيب من ما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب من ما ترك الوالدان الأقربون مما قل منه أو كثر)، ثم قال (نصيباً مفروضا)».
وأردف «اذا نذهب للآيات التي تتحدث عن قوله تعالى (مفروضاً)، فالميراث إما أن يكون المال الآيل للورثة من المورث، أو حالة التوريث نفسها. أما التركة فتؤول للورثة محملةً بالديون ولهذا هنالك قاعدة اصولية عند المسلمين «لا تركة الا بعد سداد الديون»، لان الآية تقول (من بعد وصية يوصي بها أو دين)، لا بل إن الدين مقدم على الوصية».
كما نوه إلى أن الدستور البحريني كباقي الدساتير في الدول العربية أحال مسائل الميراث للشريعة فأصبحت الشريعة الاسلامية بمفهومها الواسع، هي القانون الواجب التطبيق، حيث أضفى المشرع الدستوري على القاعدة الشرعية المتعلقة بالميراث صفة القانون ومخالفتها مخالفة للقانون، وبالتالي كان ينبغي أن لا يصدر قانون محكمة التمييز بعين واحدة ويقصر صلاحية الطعن بالتمييز على الأحكام الشرعية لأن محكمة التمييز إنما تنظر ما اعتور الأحكام من مخالفات للقانون لاحد اسباب الطعن، والآن هناك بعض التوسعة لصلاحيات محكمة التمييز وان كانت على استحياء.
ورأى الشملاوي، أن مسائل توزيع التركة بين الورثة دخل فيها الخلاف بين المسلمين الى درجة أن بعض المذاهب قد تجعل من هذا الشخص، وارث فيما يجعله مذهب آخر غير وارث، مضيفاً «حصل مساس بالانصبة، فبحسب أصول الفقه فان الدليل اذا كان خاصا قدم على العام، واذا كان الدليل الخاص عدداً قدم على الخاص»، مشدداً على أن مسائل الميراث مضبوطة بأرقام، نصف، ثلثين، ربع، سدس، والمنطق يحتم عدم وجوب الخلاف فيها.
بين مدرستي الجمهور والإمامية
وفي حديثه عن المدرستين، مدرسة الجهمور (المذاهب الأربعة)، والمدرسة الامامية، قال الشملاوي «مدرسة الجمهور أخذت بالتعصيب، ويوضحه حديث ينسب للرسول (ص)، عن طاووس، يقول (إعطوا الفروض لأصحابها، وما زاد فلأولى عصبة ذكر)، فجاءت مدرسة الجمهور وقالت نحد من اطلاق النص القرآني (للرجال نصيب من ما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب من ما ترك الوالدان الاقربون مما قل منه أو كثر)، على اعتبار أن المطلق يقيده نص خاص، وهو حديث مروي عن الرسول (ص)».
وأضاف «الفرض أن رجل توفي وترك ابنة، وفي ذلك يقول القرآن (فإن كانت واحدة فلها النصف من ماترك)، ليتبقى نصف زائد، وهنا قالت مدرسة الجمهور، إنه وعملاً بالمنقول عن الرسول (ص) عن طريق طاووس، «نرد الباقي للعصبات»، وهم العم، الجد، الأب وإن علا، عمود النسب. فاذا هذه الزيادة نعطيها للعصب، (فاذا كانت اثنتين فلهما ثلثا ما ترك)، ليتبقى ثلث، قالوا «نعطيه للعصب»، وأشار إلى أن العصبات أنواع، فهنالك عصبة النفس، وهو الذي لا تفصله عن الميت أنثى، كالأب والجد والعم، أما العصبة الغير، فهما البنات مع الأخ، فيما تشمل العصبة مع الغير، الأخت والأخوات الشقيقات مع الأب، ففي هذه المسائل نعطي الفروض لأصحابها، وما زاد نعطيه لصاحب العصب.
وبشأن مدرسة الإمامية (الشيعة)، قال الشملاوي «قالت هذه المدرسة، إن طاووس رجلاً مضعف في الرواية، وعليه فلا تقدم الرواية اذا كان الحديث مروي عن شخص مضعف، وخاصة أنه يذكر مرة عن ابن عباس، وأخرى لا يرد ابن عباس في المسألة، وعليه فإن الحديث ينقطع عن الرسول، وعليه لا نرجح تقييد اطلاق النص القرآني نتيجة لهذه الطعون أو الملاحظات».
وأضاف «كذلك، فان لدى الامامية حديث آخر، يقول (إعرضوا حديثي على كتاب الله، فان وافقه وإلا فاضربوا به عرض الجدار)، وحديث آخر (قولي هو ما وافق كتاب الله وما خالفه فهو زخرف)، ثم أن لهم مدخل آخر على التعصيب، حيث قالوا إنه مادام الفروض تعود للعصبات، فلماذا لا نساوي بين العصبات، ولماذا نحرم الأخت ونعطي الأخ، لماذا نحرم العمة ونعطي العم، في حين أن النص يقول (للرجال نصيب وللنساء نصيب)، ولذلك لم تأخذ الشيعة الامامية بالتعصيب».
وتابع «من ما نقض به الإمامية على هذا التعصيب، أن الميراث في تعريفه الاصطلاحي أو اللغوي، هو أولوية، فالآية الكريمة تقول (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)، وهناك أيضاً (الاقربون اولى بالمعروف)، فإذا كانت لدي تركة والميراث أولوية، فإني أعطي من هو أولى وأبعد من هو أبعد، ولذلك لم يأخذوا بالتعصيب».
كما تطرق الشملاوي لمسألة (العول)، وقال «اذا وجد الثلثان ونصف، فيستحيل رياضياً، وعليه يدخل النقص على الجميع، وقد سارت على ذلك مدرسة الجمهور، أما الامامية فلم تعتمد على هذا القول نتيجة اعتمادهم على ما يروى عن ابن عباس «أن الله الذي أحصى رمال عالج (وعالج هنا وادي عرفة)، أتعوزه مسألة في الإرث)، لهذا استحال في نظرهم تطبيق (العول)، وقالوا من أجل معالجة المسألة: «من كان له نصيبان أو فرضان، لا ينزل عن نصيبه الأدنى، ومن كان له فرض واحد ينزل عن ذلك النصيب ويدخل عليه النقص».
أبو إدريس: نحتاج لقوانين وضعية
من جانبها، تداخلت رئيسة الاتحاد النسائي فاطمة أبو ادريس، لتقول «المسألة التي تبادرت لذهني هي اهمية التقنين، بمعنى اهمية وجود قوانين تنظم هذه العمليات، والسؤال هنا: هل الشريعة الاسلامية بما جاءت من بداية ظهورها وبالقوانين، هل هي قادرة على ان تتماشى مع عصرنا الآن؟».
وأضافت «كذلك فان القانون ينظم حياة الناس، وبالتالي نحن بحاجة لقوانين تنظم حياة الناس، سواء كانت قوانين اسرية أو غيرها، وهذا يعيدنا للوراء فيما يتعلق بما أثير من ضجة على اتفاقية (السيداو)، فوجود القانون امر هام جداً، فبحسب ما استمعنا اليه من المحاضر، فان في الشريعة اختلافات حتى داخل المذهب الواحد، وهذا يؤكد حاجتنا لقوانين وضعية تنظم حياة الناس، تكون مستندة للشريعة، لكن في يد العقلاء ممن يستطيعون توضيح الامور الينا».
ورداً على مطالبات أبو ادريس للمحامين والقانونين بحمل راية التقنين، استعان الشملاوي بالقول المأثور «لا أمر لمن لا يطاع»، وعقب «هنالك قوى خفية، ونحن كقانونيين لسنا منها».
وأضاف «النص يبقى مع قداسته واحترامه، لكننا نحتاج لمن يتعاطى مع هذا النص ضمن حاجات الناس، فحتى نصدق الدعوى بالصلاحية لكل زمان ومكان، علينا ان ناتي بفقهاء على مستوى الزمان والمكان، ليرجعوا للنص، اما ان ننغلق ونقول (إنا وجدنا آباءنا...) فسنبقى كالعضو المهمل الذي سيضمر وينتهي مع مرور الايام».
وتابع «التقنين لا شك أنه أمر جيد، لكن لا يجب ان يتم ذلك بعقلية تبقي التشريع كما هو بلا تغيير الا في الحواش»، وأردف «العمالقة موجودين، لكن عليهم ان يتعاطوا مع العلوم الحديثة وان يتعايشوا في المجتمع، ويفهموا حاجات الناس، ثم يطبقوا النص القرآني والنبوي، انما الشريعة كمنظومة قانونية وكأصل، لا شك أنها راقية، وهذا ما خلص اليه كبار الفقهاء القانونيين في مؤتمر لاهاي سنة 1947، حين أكدوا تقدم الشريعة الاسلامية على جميع الشرائع».