العدد 4960 بتاريخ 05-04-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةالوسط أونلاين
شارك:


مخاطر التدخل الجديد في ليبيا

الوسط - المحرر الدولي

جاء تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا في عام 2011 بعد فترة وجيزة من بدء الانتفاضة الشعبية ضد معمر القذافي، وتمت الإشادة به في ذلك الوقت ووُصف بأنه "تدخل إنساني". وكان الغرض منه، على الأقل وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي استُخدم كتصريح للتدخل، هو تحقيق وقف لإطلاق النار ووضع حد للهجمات ضد المدنيين التي "قد تشكل جرائم ضد الإنسانية" ، وفق ما نقل موقع إيرين اليوم الأربعاء (6 أبريل / نيسان 2016).

لقد ذهب القذافي، وكذلك الطائرات المقاتلة الأجنبية، ولكن ليبيا لا تزال أبعد ما يكون عن الاستقرار؛ إذ توجد بها حكومتان متنافستان - واحدة في طبرق والأخرى في طرابلس - ويحقق ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية مكاسب كبيرة في هذا البلد المفتت الذي تعمّه الفوضى الآن. وتعرب القوى الخارجية عن قلقها إزاء توسع تلك الجماعة في الدولة الغنية بالنفط. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري استبعد أي تدخل عسكري آخر، إلا أن هناك دلائل على أن هذا الإجراء قد يكون مطروحاً.

وقد بدأ بعض الليبيين، الذين أُجبروا على الفرار من تنظيم الدولة الإسلامية أو يعيشون تحت حكمه، يناقشون بأنفسهم هذا التدخل باعتباره السبيل الوحيد للمضي قدماً.

يناقش عبد القادر عبد الرحمن، وهو باحث جيوسياسي مستقل ومحلل شؤون الأمن الأفريقي، التداعيات الخطيرة التي يعتقد أن التدخل العسكري سيتسبب فيها بالنسبة للقارة بأسرها.

بعد مُضي أكثر من خمس سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس، يوشك التاريخ أن يعيد نفسه. وعلى الرغم من التصريحات التي أصدرها قادة مثل وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني بأن بلاده لن تتدخل في ليبيا من دون طلب من حكومة وحدة وطنية، إلا أن القوى الغربية تحث على تشكيل مثل هذه الحكومة وتستعد بهدوء للتدخل، ولكن يجب عليهم أن يفكروا مرتين: سوف يكون لأي تدخل جديد عواقب وخيمة على أفريقيا، التي تئن بالفعل تحت وطأة التطرف الإسلامي.

وتجدر الإشارة إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يمتلك ميزانية تبلغ عدة مليارات وقوة قتالية تتراوح بين 52,000 و275,000 مقاتل، وفقاً لتقديرات مختلفة، لديه التمويل والقوى البشرية اللازمة للسيطرة على أجزاء من قارة أفريقيا. وبدلاً من تدمير تنظيم الدولة الإسلامية، من المرجح أن يؤدي التدخل العسكري إلى فراره على نحو خطير سوف يتردد صداه في بقية أنحاء القارة.

وإذا أُجبر مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية على الفرار - ناهيك عن أعضاء الجماعات الأخرى التي تحتفظ بوجود لها في جنوب ليبيا، مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي - لن يجدوا صعوبة في اجتياز منطقة الساحل والحدود المغاربية التي يسهل اختراقها، وإيجاد ملاذ آمن في الجنوب.

انتشار أفريقي

وتشير تقارير استخباراتية إلى أن 30,000 مقاتل أجنبي قد انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ويوجد ما لا يقل عن 5,000-7,000 منهم في ليبيا. وإذا طُرد هؤلاء الرجال من البلاد، فمن المحتمل أن يعودوا إلى ديارهم أو يبحثوا عن مكان آخر يستخدمون فيه أسلحتهم وذخائرهم وخبراتهم القتالية المكتسبة حديثاً.

 

ولن يكون السكان المحليون محصنين ضد جاذبية تنظيم الدولة الإسلامية: ففي شهر يناير الماضي، اعتقلت الجزائر نحو 300 مغربي حاولوا عبور الحدود إلى ليبيا - ويُشتبه في أنهم كانوا يخططون للانضمام إلى 1,500 مغربي يقاتلون بالفعل في صفوف التنظيم.

وبمجرد خروجهم من ليبيا، يمكن أن يشكل مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية علاقات أقوى مع الجماعات المسلحة الأخرى الآخذة في التزايد في قارة أفريقيا، مثل حركة الشباب وأنصار الدين وحركة الوحدة والجهاد في غرب أفريقيا (MUJAO) وجماعة بوكو حرام. وربما يكون السيناريو الأسوأ من الوحدة (والأرجح) هو أن الاختلافات بين هذه المجموعات ستدفعهم إلى التنافس على إظهار القدرة على بدء الأعمال العدائية.

والجدير بالذكر أن أعداد ضحايا هذه المجموعات تتراكم بالفعل في أفريقيا. فقد أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة المرابطون التابعة له مسؤوليتهما عن الهجوم على فندق في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في شهر يناير الماضي، الذي أودى بحياة 30 شخصاً على الأقل. واعترفت جماعة أنصار الدين بقتل 5 من جنود حفظ السلام خلال هجوم في شمال مالي في شهر فبراير. وقتلت حركة الشباب 14 مدنياً عندما هاجمت فندقاً في مقديشو في وقت لاحق من ذلك الشهر. ونفذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هجوماً آخر في منتصف مارس، مما أسفر عن مقتل 16 شخصاً على الأقل على شاطئ في ساحل العاج. وهذه ليست الأمثلة الوحيدة على عمليات المتشددين الإسلاميين في المنطقة.

ولكن تونس، التي تتقاسم حدوداً مشتركة مع ليبيا يبلغ طولها 500 كيلومتر، ستكون أول من يشعر بالتأثير الخطير لانتقال المتشددين عبر الحدود.

وقد كان هذا الانجذاب نحو التشدد في هذه الديمقراطية الناشئة والضعيفة مصدر قلق منذ فترة طويلة. ومن المعتقد أن هناك حوالي 3,000 تونسي بين صفوف تنظيم الدولة الإسلامية. فقد قتلت قوات الأمن التونسية 36 متشدداً على الأقل يوم 7 مارس - كما لقي بعض المدنيين مصرعهم خلال هذه الاشتباكات - بعد أن شنوا غارة عبر الحدود من ليبيا على بلدة بنقردان في شرق تونس.

وقالت السلطات التونسية أن المسلحين الذين شنوا هجومين دمويين في العام الماضي تدربوا مع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. وأسفر الهجوم على متحف باردو الوطني في تونس العاصمة عن مقتل 21 شخصاً، وكان الهجوم الأكثر دموية على الأراضي التونسية منذ بدء الربيع العربي. وبعد فترة وجيزة، في يونيو 2015، تحطم هذا الرقم القياسي الكئيب عندما قُتل 38 شخصاً خلال إطلاق نار على شاطئ البحر في منتجع ميناء القنطاوي.

وإذا أقدمت القوى الأجنبية بالفعل على هذه الخطوة، فإن قلق القارة الأفريقية لن يقتصر على المقاتلين الحاليين فقط لأن التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا سيؤدي بلا شك إلى تحفيز الليبيين الساخطين الآخرين على دعم تنظيم الدولة الإسلامية، ناهيك عن الأفراد الساخطين من بلدان أخرى. ويمكن أيضاً أن يمنح التدخل الأجنبي ذريعة لقادة تنظيم الدولة الإسلامية للدعوة إلى شن مزيد من الهجمات مثل تلك التي استهدفت  باريس أو بروكسل، والتي قام بها أفراد غير منتمين للتنظيم ولا يمكن اكتشافهم.

وينبغي أيضاً أخذ النزوح الجماعي الذي من المرجح أن ينجم عن التدخل العسكري في الحسبان. فاستمرار القتال أو القصف سيدفع مئات الآلاف من اللاجئين إلى الفرار إلى تونس والبلدان المجاورة الأخرى، وفي نهاية المطاف إلى أوروبا.

فشل محادثات السلام

ويعد التدخل العسكري - أو حتى الحديث عنه - دليلاً واضحاً على أن محادثات السلام بين الأطراف الليبية المتنافسة قد باءت بالفشل.

وفي ديسمبر الماضي، اتفق ممثلو الحكومتين المتنافستين على تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية.

ولكن الموقّعين خضعوا لضغوط من أطراف أجنبية للتوقيع على الوثيقة، ورفض أعضاء كلا المعسكرين الاتفاق منذ البداية.

وتوجد حكومة الوحدة الوطنية حتى الآن بالاسم فقط. وفي 25 مارس، أعلنت السلطات في طرابلس "حالة الطوارئ القصوى" بعد ورود تقارير تفيد بأن حكومة "الوحدة" ستدخل طرابلس بالقوة لكي تبدأ عملها.

 والجدير بالذكر أن فرنسا من بين الحكومات التي تضغط من أجل تحقيق الوحدة، وربما التدخل - ينص اتفاق الصخيرات على أن التدخل الأجنبي يتطلب موافقة ليبيا. وأسبابها في ذلك لا تعد ولا تحصى: ربما تكون الحكومة الفرنسية تشعر بنوع من المسؤولية عن المشاركة الحماسية في العملية العسكرية في عام 2011 والفوضى التي تلت ذلك.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التدخل الفرنسي في ليبيا سيعزز موقفها السياسي والعسكري في منطقتي الساحل والمغرب العربي. وفي حين أن فرنسا - مثل غيرها من الدول الغربية - تقول أنها تهدف فقط إلى إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا - فمن السهل أن نرى أن الإعداد لتنفيذ استراتيجية إقليمية طويلة المدى ربما يكون جارياً على قدم وساق.

إن طموحات فرنسا في ليبيا ليست جديدة. وفي سبتمبر 2014، بدأ وزير الدفاع الفرنسي جون ايف لودريان يحث على القيام بعمليات في ليبيا، قائلاً: "نحن بحاجة إلى العمل في ليبيا وتعبئة المجتمع الدولي".

وربما تكون هجمات باريس قد وطدت عزم الفرنسيين على مكافحة الإرهاب - ولكن عواطف العاصمة الفرنسية الجريحة ليست سبباً كافياً لتعريض المدنيين الليبيين لخطر أكبر.

مجرد أن بحوزتنا مطرقة لا يعني أن نعامل كل مشكلة على أنها مسمار

والمدنيون الليبيون في موقف صعب، فهم عالقون بين أطراف متحاربة خطيرة، ولكن التدخل العسكري لن يضع حداً لمخاوفهم.

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أدلى بتصريح في عام 2014 عن الأسباب التي تحتم جعل الخيار العسكري الملاذ الأخير، ومن المناسب هنا أن نذكره:  "مجرد أن بحوزتنا مطرقة لا يعني أن نعامل كل مشكلة على أنها مسمار،" كما قال في ذلك الوقت.

ومن الأهمية بمكان أن نتذكر أن الانتصار في الحروب يتحقق بقليل من القوة العسكرية وكثير من الإرادة السياسية، والليبيون من طرابلس إلى طبرق يرفضون التدخل العسكري الأجنبي بحزم - بل إن طرابلس تقول أنها ستقاتل ضد أي تدخل أجنبي.

وهناك بدائل. فليبيا بحاجة إلى رؤية سياسية طويلة الأمد، بما في ذلك إجراء حوار شامل ينحي فيه اللاعبون الليبيون الرئيسيون مصالحهم الشخصية والسياسية جانباً. ويجب أن يأتي حل المشاكل الليبية داخل إطار قانوني دولي يحترم سيادة ليبيا.

وفي شهر يناير الماضي، شكل الاتحاد الأفريقي مجموعة اتصال دولية بشأن ليبيا في أديس أبابا - في محاولة لمساعدة الليبيين على إحلال السلام. وخلال الاجتماع، قال ممثل الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا مارتن كوبلر أن هذه المجموعة "ليست فقط دليلاً على التزام الاتحاد الأفريقي بتحقيق السلام والأمن في القارة، ولكن أيضاً على التعاون بين الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي بشأن هذه المسألة".

والآن، يجب ترجمة أقواله إلى أفعال. ففشل حلف شمال الأطلسي الذريع في ليبيا في عام 2011 يجعل من الأهمية بمكان أن يستمع شركاء الاتحاد الافريقي الدوليون حقاً ويأخذون في الاعتبار آراءه وصوته الإقليمي المهم. إن ليبيا هي الفرصة المثالية لإظهار أن كلاً من الاتحاد الافريقي والأفارقة ذوي أهمية حقيقية بالنسبة لبقية العالم.



أضف تعليق