في مؤتمر اقتصاديي الشرق الأوسط بالدوحة: تأكيد تنويع الاقتصاد ودعوات لإنهاء حالة الارتهان للنفط
الوسط - المحرر الاقتصادي
شكل موضوع "تأثير أسعار النفط على النمو الاقتصادي والتنمية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" العنوان الرئيس للمؤتمر الدولي الخامس عشر لمنظمة اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يستضيفه "معهد الدوحة للدراسات العليا" في قطر لمدة ثلاثة أيام (23-25 مارس/ آذار 2016) ويحضره كبار المسئولين والسفراء، ونخبة من الأكاديميين والخبراء والباحثين والإعلاميين وضيوف المؤتمر.
وأكد العديد من المحاضرين أن دول المنطقة مدعوةٌ اليوم في ظل التراجع الكبير في أسعار النفط، إلى إحداث التنويع الاقتصادي الذي طالما تحدثت عنه حكومات الدول ومستشاروها، وإنهاء ارتهان اقتصاداتها لتقلبات أسعار النفط، من أجل ضمان تنمية مستدامة.
في كلمته الافتتاحية، استهل رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا بالوكالة ياسر سليمان، بالحديث عن أبرز ما يطرحه المؤتمر من قضايا، كالتعليم والبيئة وبرامج الإصلاح والطاقة والمال وتذبذبات أسعار النفط، إلى جانب الهجرة والتجارة الدولية والحوكمة.
آفاق أسعار النفط
وتحدث رئيس "منظمة اقتصاديي الشرق الأوسط" وعميد كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة، حسن علي، عن أهمية المؤتمر وموضوع "تأثير أسعار النفط في النمو الاقتصادي والتنمية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، الذي يشكّل حالياً أهم الأخبار العالمية، ويتصدر العناوين الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي. وتوقّع أن ينخفض فائض المعروض النفطي في السوق العالمية في النصف الثاني من العام الحالي، مستدركاً إنه "ما لم يتوصل أعضاء أوبك والمنتجون من خارجها إلى اتفاق لخفض الإنتاج خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة، فإن أسعار النفط لن ترتفع كثيراً، حيث قد تستقر على ما هي عليه أو ترتفع بنسبة ضئيلة".
مقارنة بين بيل غيتس وكارلوس سليم
وقدم أستاذ الإدارة العامة في جامعة شيكاغو جايمس روبنسون، محاضرةً عن النظرية التي طوّرها في كتابه في فهم وضع الدول التي تعتمد اقتصاداتها على النفط، حيث أكّد أن التحدّي الرئيس لهذه الدول هو إقامة مؤسسات سياسية تشاركية مفتوحة، لأن ذلك هو الضامن الرئيس لإقامة نظام مؤسسات اقتصادية تشاركية مفتوحة تعد بدورها أساس تحقيق الاستدامة حتى بالنسبة للدول التي استطاعت إلى حد الآن تحقيق نمو اقتصادي جيد مثل أغلب دول مجلس التعاون الخليجي. وأوضح أن "التحدي الأخطر ليس أن النفط سينفد، ولكنه ضمان استمرارية المؤسسات السياسية التشاركية لأنها الوصفة الأفضل لتحقيق استخدام ثروة النفط في خدمة المجتمع".
وقد بدأ روبنسون بتوضيح النظرية التي قام عليها كتابه "لماذا تفشل الأمم"، (بالتشارك مع دارون أجيموغلو) ضارباً مثالاً بأغنى رجلين في العالم، الأميركي بيل غيتس والمكسيكي كارلوس سليم، حيث بنى غيتس ثروته بالابتكار، فيما بنى سليم ثروته عبر الاحتكار. وفيما صنع الأول ثروةً لغيره إلى جانب ثروته الشخصية وقاد غيره نحو صناعة البرمجيات وساهم في تعزيز الثروة الأميركية، فإن الثاني بالعكس، بنى ثروته اقتطاعاً من ثروات غيره. بل إن "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" أشارت إلى أن كارلوس سليم تسبّب بأنشطته الاحتكارية في الفترة ما بين 2005 و2009 في خسارة إجمالي الناتج المحلي المكسيكي ما مجموعه 129 مليار دولار، بمعدل ما نسبته 1.8% من إجمالي الناتج المحلي سنوياً.
وفي تفسير هذه المفارقة، يبرز روبنسون دور النظام المؤسسي الأميركي التشاركي على المستوى الاقتصادي القائم على تعزيز حق الملكية وحمايته وسيادة دولة القانون وتوازن السلطات، في تعزيز فرص الاستثمار وفتح المجال أمام الابتكار لخلق الثورة. في المقابل، فإن ما سمح لكارلوس سليم ببناء ثروته على حساب الثروة الوطنية والاقتصاد المكسيكي هو تحديد نوعية النظام المأسسي الاحتكاري المغلق في المكسيك الذي لا يحمي الملكية على الرغم من وجود القوانين التي تنصّ على ذلك. كما لا يمنع الاحتكار الذي تنصّ القوانين أيضاً على عدم شرعيته. ويرى المحاضر أن الأمر مرتبط بطبيعة المؤسسات السياسية في كلا البلدين، وهو ما ينعكس على البناء المؤسسي في المجال الاقتصادي.
وبحسب روبنسون، فإن نظام "الأبارتهايد" في جنوب إفريقيا قبل العام 1994، نموذج مثالي عن تأثير الأنظمة المؤسساتية الاحتكارية المنغلقة وكيف تصنع الفقر، وهو النظام الذي كان يستغل عمل السود وينتزع الثروة منهم ليثري بها البيض الذين استحوذوا على 93% من موارد الاقتصاد الجنوب أفريقي. ويوضح أن هذا النظام الاقتصادي كان انعكاساً لنظام سياسي يحتكر فيه البيض السلطة المطلقة.
ورأى المحاضر أنه في حالة الدول التي تعتمد اقتصاداتها على النفط، فإن بناء أنظمة مأسسية تشاركية مفتوحة بالغ الأهمية من أجل نمو مستدام، وللتعامل أيضاً مع الصدمات.سا
تأثيرات تقلبات أسعار النفط
وتحدّثت المستشارة لدى البنك المركزي الإماراتي ماجدة قنديل، عن تأثيرات تراجع أسعار النفط على دول مجلس التعاون الخليجي، قائلةً إن تراجع أسعار النفط في العامين الماضيين أدى إلى الحد من سياسات الإنفاق الحكومي وظهور العجز في الموازنات العامة، بعد أعوام من التوازن أو تحقيق الفوائض. وأشارت إلى تأثر الإقراض المصرفي بتراجع أسعار النفط حتى بالنسبة لتمويل القطاع الخاص في دول المجلس، بسبب تراجع الإيداعات الحكومية في البنوك وزيادة الطلب الحكومي على قروض البنوك، مما قلّص من مستويات التمويل المتاحة للقطاع الخاص لدى البنوك.
وأشارت قنديل إلى تأثير تراجع أسعار النفط، على ميزان المدفوعات والميزان التجاري بتقلص الفوائض عمّا كانت عليه في فترة ارتفاع أسعار النفط. ومقابل هذه التأثيرات السلبية، تمكّنت دول المجلس الآن من مواجهة تبعات تراجع أسعار النفط بفضل الاحتياطيات النقدية الأجنبية التي كونتها في فترة ارتفاع الأسعار، حيث تمكّنت من الحفاظ على ربط عملاتها بالدولار الأميركي (باستثناء الكويت التي لا تربط الدينار به). وشدّدت قنديل على أن دول المجلس التي تربط عملتها بالعملة الأميركية عليها أن تضع سياسات نقدية تحافظ على استقلاليتها، مع مسافة عن السياسة النقدية الأميركية ولا تتبعها في كل خطواتها، "لأن السياسة النقدية الأميركية معاكسة لتوجهات سياسة تنويع الاقتصاد الذي ترغب دول الخليج تحقيقه". ونصحت دول الخليج بوضع سياسات مالية تضع سقفاً للإنفاق الحكومي في فترات ارتفاع أسعار النفط حتى لا تضطر إلى خفض حاد له في فترات تراجع الأسعار أو إحداث عجز كبير في الموازنات.
هذا وتعقد خلال أيام المؤتمر الثلاثة، ورش عمل تتضمن مساهمات خبراء وباحثين اقتصاديين يقدّمون أكثر من 80 ورقة بحثية تتعلق باقتصادات الشرق الأوسط، ويركّز أكثرها على موضوع النفط والتعليم وسوق العمل.