السعودية: "إجازة أبوة" 6 أشهر مقترحٌ يُثير الجدل بين رجال مؤيدين ونساء رافضات
الوسط - محرر المنوعات
أثار مشروع القانون الذي تقدّمت به عضو مجلس الشورى السعودي؛ حياة سندي، منح "إجازة أبوة" للسعوديين لمدة 6 أشهر مدفوعة الأجر يحصل عليها الأب أسوة بإجازة "الأمومة"، خلافاً بين مؤيدين ومعارضين للمقترح الذي لا تنص عليه سوى أنظمة العمل ببعض الدول في أوروبا.
صحيفة "سبق" الإلكترونية، التقت أخصائيين ومواطنين لمعرفة تداعيات مثل هذا القرار في المجتمع ومدى الحاجة إليه.
تفاصيل القرار
عن تفاصيل المقترح، فقد تضمن إجازة أبوة براتب أسوة بإجازة الأمومة لـ 6 أشهر؛ بحيث يكون للأب حرية اختيار الإجازة مع وضع الأم أو بعد إجازتها.
وترى حياة سندي - صاحبة الاقتراح - أن ذلك سيدفع القطاع الخاص إلى الإقبال على توظيف النساء، بعد أن كان يتهرّب منهن بسبب منحهن حق إجازة الوضع، مبينةً أن هذا النظام مطبقٌ في كثير من الدول، ويهدف إلى تعزيز الترابط الأسري.
ضرورة أساسية
من جانبها تقول نوال الهوساوي؛ معالجة نفسية، ومستشارة أسرية وزوجية، وأخصائية إدمان لـ "سبق": "إجازة الأبوة ضرورة أساسية وليست رفاهية أو من الكماليات؛ فالأب بحاجة إلى أن يرتبط عاطفياً مع مولوده، كما أن الزوجة بحاجة إلى وجود زوجها ودعمها عاطفياً ومساعدتها على التعافي؛ والتغلب على متاعب الحمل والولادة؛ خاصة أن بعض السيدات يعانين اكتئاب ما بعد الولادة الذي قد يتحوّل الى مرض مزمن خطير ما لم تتوافر البيئة الداعمة للشفاء والتعافي".
وأضافت "عندما تشاهد الزوجة زوجها بجانبها يقضي الوقت للعناية بها، ويبادر بعناية ورعاية مولوده، فهذا من شأنه تحسين صحتها وتقوية رابط العلاقة الزوجية؛ ولا يمكن السماح لمخاوف الزوجات من سفر أزواجهن حرمان الأسر من فوائد هذا القرار المفيد؛ بل مساعدة الزوجات على تخطي المخاوف، وبناء الثقة؛ كذلك دعم الأسر المضطربة بالعلاج الزوجي والخدمات الاستشارية للإصلاح والتأهيل".
أطول مما يجب
من جهة أخرى، بيّن مشعل القرشي؛ أخصائي اجتماعي لـ "سبق": حقيقة هذا الأمر معمول به في الدول المتقدمة من قبيل دعم الزوج للزوجة في فترة ما بعد الولادة والتعاون في رعاية المولود؛ لكن من منظور يتواءم مع المجتمع السعودي، فإن الفترة المقترحة أطول مما يجب، ففترة 15 يوماً فترة كافية لدعم الأم، ومتابعة الطفل في الفترة التي تكثر فيها زيارة المستشفيات؛ وضرورة وجود الأب في هذه المرحلة".
وأردف" بقاء الرجل لمدة تصل إلى 6 أشهر قد يتسبّب في مشكلات داخل الأسرة السعودية، فقد تتضاعف مصروفات الأسرة بشكل غير طبيعي نتيجة التعامل مع إجازة الأبوة كإجازة اعتيادية؛ تكثر فيها السفريات والمناسبات؛ ما يثقل كاهل رب الأسرة ويجعل الوفاء باستحقاقات الأسرة الشهرية أمراً بالغ الصعوبة؛ ناهيك أنه ربما يتم استغلال بعض الرجال لتلك الفترة الطويلة للسفر للخارج فتفقد الإجازة ساعتها الهدف من إقرارها؛ حيث إنه لن يُوجد كلياً لدعم الأسرة!
الفكرة العامة لهذا المقترح جيدة، وهي داعم قوى للأسرة، وقد تزيد من التعاون بين الزوجين وإحساس جميل بالمشاركة، والوقوف مع الزوجة؛ لكن الخلل يكمن في المدة المقترحة".
زيادة العبء
بثينة باعباد؛ مستشار أسري تربوي بجمعية الشقائق؛ ومستشار معتمد لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، تقول: "بداية تعجبت من المقترح المطروح الذي يختص بـ "إجازة للأبوة" دون الأمهات، وكأننا نخبر الأمهات ببشارة زيادة العبء عليها؛ سؤال تبادر بذهني بمجرد قرأت المقترح؛ ما الهدف الأساسي من وضع المقترح؟ وما النتيجة المرجوة منه؟ هل الفائدة للزوجة أو الأبناء أم العمل أم الزوج ذاته؟
وتضيف: سؤال آخر تبادر لي! في إجازة الأمومة.. هل هي بالفعل 6 أشهر أم زيادة أم أقل؟ وهل الإجازة لموظفي القطاع الحكومي أم الخاص؟
الله - عزّ وجلّ - جعل الحياة مشاركة بين الزوجين لكل منهما يحمل جزءاً معيناً يخصّه لإكمال الحياة الزوجية الأسرية، فإن غاب طرفٌ اختل التوازن في حياتهما المتضرّرة منه الأسرة بشكل عام والزوجة والأبناء بشكل خاص".
وتتابع "لنتحدث عن هذا الأمر على نطاق مجتمعنا الذي أغلب مَن فيه من الرجال لا يعرفون ثقافة إجازة عادية، فما بالك بإجازة للأبوة، فالمرأة تعاني في المجتمع من رجل (لا مسؤول – لا مهتم – أناني .. إلخ، وهو بغير إجازة، فما بالك بالحال يكون بإجازة والأمر في ذلك أنها رسمية؟
مشكلات أسرية
عن أسباب رفض المرأة ذلك لأسباب كثيرة وأهمها عدم الثقة التي نمت لديها ترجع للسلوكيات التي يقوم بها الرجل؛ الثقافة البيئية المغلوطة التي يحملها عن المرأة؛ طبيعة الحياة المجتمعية التي تخبر الرجل بأنك سيد، ومن حقك عمل أي شيء؛ فالذنب عندك مغفور بعكس المرأة؛ المشكلات الأسرية التي يمكن أن تكون قد تعرّضت لها الزوجة قبل الزواج؛ سماعها قصص مَن حولها في موضوع خيانات الرجل.. إلخ".
تؤكّد باعباد "مع الأسف ثقافة الرجال في مجتمعنا تساعدهم على عمل ما يجدونه مناسب لهم، لذلك تؤمن المرأة يقيناً بأنه لن يقضيها في المساعدة بقدر ما سيقضيها في متع ذاتية وأولها السفر لخارج المملكة؛ وقد يقضيها بأن يكون معهم وليس بمعهم؛ فكل الأعمال التي من المفترض مساعدتها فيها ستكون عليها عبء أكبر من أي مساعدة لها؛ وإذا تحدّثنا في المدة، فأمر تخفيفها أو وضعها كما هي لن يلزم الرجل بأيّ أمر، فإن كان الإلزام في الأمور المهمة لم يقم به كأمر النفقة؛ وغيرها، فما بالك بإجازة هو أصلا يعتبرها حقاً له سواء بمدة أو دون لأنها رسمية؛ وهو أصلاً متى ما أراد اخترع لنفسه إجازة".
وأردفت "في حال طُبِّق الأمر أول المهدّدين بالخطر هم الأسرة؛ لأن الخلل سيكون فيها كبيراً، فمفهوم توازن المسؤوليات - مع الأسف - لدى أغلب رجالنا معدومٌ؛ فإعطاء إجازة رسمية للأبوة ستنفذ من خلالهم بالتالي؛ لمَن لهم حكمة وعقل ستكون الإجازة جزءاً صغيراً منها يقضيها في المساعدة وجزءاً سيقضيها في العمل الشخصي له وجزءاً للمتعة؛ أما لمَن هم هواة اللا مسؤولية فالجزء الأكبر للسفر، والقليل للعمل الشخصي، وأقل القليل للمساعدة؛ إن تذكرها، أضف إلى ذلك كيف نتوقع أن يكون أمر هذه الأسرة في انشغال الأم بالولادة وما بعده من تعب وكآبة الولادة وبالطفل الجديد وتربية الأبناء وأمور البيت ومسؤوليته.. هذا كله في ظل ما يسمّى (الإجازة الأبوية)؛ إضافة إلى ذلك عدم وجود زوج مساند.
بالتأكيد لن يكون هناك أيُّ توازن، فإما شدة مفرطة يعقبها ألمٌ كبيرُ وإما تساهلاً كبيراً تعقبه حسرة وندم طول العمر لغياب الأمان العائلي الذي من المفترض أن يوفر بناء الشخصيات السوية للأبناء بوجود أب موجه وأم حكيمة".
يحتاج إلى دراسة وتأنٍ
لكي يساند الرجل زوجته بشكلٍ صحيح ولتشجيعه على ذلك، تقول باعباد "تبدأ بإيمانه الأساسي بأن الزواج والحياة الأسرية رابطٌ مقدسٌ عليه الحفاظ والاهتمام به؛ القناعة بأن أيام العزوبية المفرطة انتهت وبقيت منها الصداقة الجميلة بحدود القناعة بأن المرأة إنسانٌ مخلوقٌ مثله بحقوق وواجبات، وأن لها كمية من المشاعر أودعها الله فيها لتحتويه العمر كله، وأن لديها قدرات ومهارات عليه تقديرها وتنميتها لضمان تربية صالحة لأبنائه، لذلك عليه أن يضع نصب عينيه (رفقاً بالقوارير) والعمل بها والبعد عن مفهوم أمي تحمّلت فزوجتي لا بد أن تتحمّل".
وختمت حديثها "هذا المقترح يحتاج إلى صفحات من النقاش والكتابة والدراسة من جميع جوانبه بتأنٍ؛ لأن المجتمع الرجالي يحتاج إلى إعادة صياغة مفاهيم مغلوطة في وضع حياته بشكل خاص وحياة أسرته ومن حوله بشكل عام؛ أتمنى دراسة هذا القرار جيداً ومعرفة أبعاده الجسيمة على الحياة الأسرية بشكل خاص والمجتمع بشكل عام، والأهم معرفة إلى أين سيؤدي بنا هذا القرار لنسائنا وأبنائنا؟
متزوج أربعاً
أما أم محمد وهي "موظفة"، فتقول "إجازة أبوة وستة أشهر مقترح ليس في محله؛ كيف أنا الأم أحصل على إجازة أربعة أشهر وهو 6 أشهر؟ هل حقاً سيقوم بمساعدة زوجته أم سيستغلها للسفر مع أصدقائه؟ حقيقة الرجل لدينا ليس لديه ثقافة مساعدة الزوجة أبداً؛ ويتهرّب من المسؤولية؛ ممكن أن نطلق عليها "إجازة ترفيهية للأب"؛ أنا ضدّ القرار وأتمنى ألا يطبق ولا يقر.
أما منى المطيري، فتقول "أعضاء مجلس الشورى؛ هناك مواضيع أهم بكثير تهم الشعب اهتموا بها أكثر؛ وكفوا عن إصدار قرارات لا تفيد؛ هل حقا يحتاج الأب إلى 6 أشهر إجازة أبوة؛ والأم كم تحتاج إذاً؟ هل ستكون إجازتها سنة مدفوعة الأجر؟".
هدى الحربي، تستغرب من طرح هذا القرار؛ وتقول الرجل المتزوج من أربع سيدات؛ هل سيحصل على إجازة لكل زوجة تضع مولودها؟ سيستغلها طبعاً للسفر والهروب من المسؤولية بحجة أنها إجازة رسمية؛ انظروا بحال المرأة وأصدروا قرارات تهمها وتهم أسرتها".
أما أحمد الحسن؛ فيرى أنها خطوة جيدة ويعتقد أن أغلب الرجال سعداء بهذا القرار؛ إن طُبِّق؛ ويؤكّد أن معظمهم لن يقوموا بواجبهم تجاه زوجاتهم، فمدة 6 أشهر طويلة؛ قد يساعدها فترة قصيرة لا تتجاوز الأيام العشرة؛ والباقي سيقضيها لرفاهيته؛ ويتساءل: هل تلك الإجازة ستكون في القطاعين العام والخاص؟".