أملك ما يكفي من الشجاعة: السياسة تتغير... والبحرينيون بحاجة إلى اللغة المرنة
الشيخ الدمستاني لـ «الوسط»: المراجعة ليست عيباً... وبعض مطالب 2011 شابها التطرف
دمستان - محمد العلوي
أكد الشيخ جاسم الدمستاني أن بعض المطالب التي كانت مرفوعة في حراك (فبراير/ شباط 2011)، تعبر عن حالة تطرف، مضيفاً «ناقشنا ذلك مع بعض الإخوة المثقفين والقياديين في السجن، البعض كان يرى في ذلك تراجعاً، وبالنسبة لي فإنني أمتلك ما يكفي من الشجاعة لطرح وجهة نظري، وخصوصاً أن السياسة هي حالة متغيرة وليست ثوابت».
عطفاً على ذلك، عبر الدمستاني في حوار مع «الوسط» عقب الإفراج عنه أمس الخميس (17 مارس/ آذار 2016)، عن توافقه مع الأصوات المنادية بضرورة وجود مراجعات للأزمة التي أكملت 5 سنوات من عمرها، وصولاً إلى استخدام لغة هادئة من قبل الجانبين، الرسمي والأهلي.
وقال: «أتفق مع هذه الأصوات، فالمراجعة ليست عيباً، كما أن المراجعة التي نعنيها لا تعبر عن أصل من أصول الدين، أو من ثوابته، بل هي أمور سياسية والسياسة تتغير بتغير الزمان. ونستشهد على ذلك بحياة الأئمة (ع) التي كانت تمر بظروف متغيرة».
وعما إذا كان يرى أن البحرين بحاجة اليوم إلى هذه اللغة المرنة، أجاب «نعم، المرنة لا المنكسرة، الهادئة لكن بحزم، فنحن بحاجة إلى مراجعة سياسية في الميادين كافة، ولا بأس بالاستفادة من تجارب الآخرين»، مبيناً في الوقت ذاته عدم الممانعة من تسوية جادة تلبي الحد الأدنى من المطالب المشروعة والتي نص عليها دستور البلاد، مستنداً في ذلك إلى مصطلح فن الممكن، وعلى الإشارة إلى أن التغيير لا يمكن أن يتم دفعة واحدة.
وبين الفائدة والخسارة من تجربة السجن، قال الدمستاني، الذي قضى 5 سنوات داخل السجن في القضية المعروفة بـ «كوادر أمل»، «بالنسبة إليّ فإن الفائدة كانت حاضرة، تحديداً من ناحية الصحة البدنية والرياضية، فقد كنّا نخوض دورات رياضية قبل أحداث السجن الأخيرة في (مارس/ آذار 2015)، حتى كان لكل قرية فريقها الخاص. وبجانب ذلك، كنّا نقيم الدروس الدينية والأخلاقية ودروس القرآن الكريم، والتجربة الأكبر وجود عينات من الشباب المثقف الذين التقينا معهم، لتشكل لي تجربة ناجحة فتحت لي على الصعيد الشخصي آفاقاً كثيرة، حتى يمكنني التأكيد على أن الدمستاني بعد السجن ليس هو ما قبله».
وفيما يأتي نص الحوار:
طمئنا في البداية على أحوالك الصحية؟
- قبل الإجابة على ذلك، أود أن أوجه الشكر والتقدير لجهودكم في «الوسط»، وإن كانت مع كثير الأسف لا تصلنا في السجن، وقد شكل لنا ذلك لوناً من ألوان المعاناة.
أما الأوضاع الصحية فجيدة ولله الحمد، غير أني أعاني من آلام أسفل الظهر، وهي مشكلة سابقة لدخولي السجن، غير أن تعرضي للوقوف لمدة تصل إلى 7 أيام في التوقيف، أثر سلباً على المشكلة.
أشير هنا إلى مشكلة الاكتظاظ داخل السجن، وحتى مع سعي المسئولين إلى تحاشي ذلك فإن العدد الكبير كان سبباً لتأخير المواعيد الصحية، وشخصيّاً تعرضت لإيقاف الموعد سنة و8 أشهر تقريباً نظراً إلى عدم تمكني من صعود سيارة محكمة تعرف بـ «السيارة التركية».
وبالنسبة للرعاية الصحية، فللأمانة كانت الاستجابة حاضرة لمن يعاني من أمراض مستعصية، فكانت إدارة السجن تمنحهم الأولوية، غير أن ذلك لا يمنع الإشارة إلى ملاحظة تتركز حول العلاقة بين المسجونين والإدارة والتي تأخذ طابع الشحن خصوصاً بعد الأحداث المؤسفة التي شهدها سجن جو المركزي والتي خلطت الحابل بالنابل. تحدثت شخصيّاً مع بعض المسئولين من الضباط الذين كانوا يؤكدون سعيهم لاستتباب الأمن، فكنا نبلغ شكوانا للأمن الوقائي تحديداً فيما يتعلق بمن أُخِذوا بجرم من فعل، فكانت معالجة المشكلة معالجة غير حكيمة.
في هذا السياق، هل ترغب في توجيه ملاحظات هادئة للجانب الرسمي، تحديداً فيما يتعلق بأوضاع السجناء؟
- بطبيعة الحال فإن الأزمة السياسية في البلد، تجعل من لون واحد هو الممثل للكم الأكبر من السجناء، غير أننا ومع الإدارة ومع مدير مركز تأهيل النزلاء منذر الصباح ومع المسئولين جاسم المُلا وعبدالله عيسى، نتواصل وكانوا يأتون إلينا في الحجرة نفسها، فكنا نعلمهم بالأوضاع التي نعيشها وبأهم النقاط الموجودة، من بينها حرية الشعائر الدينية وخصوصاً فيما يرتبط بصلاة الجماعة والتي كنّا نجد فيها بعض المضايقات، تحديداً مع نهاية الأسبوع (أي خارج الدوام الرسمي)، وهذا بدوره كان يتسبب في خلق بعض المشاحنات.
وبعد أحداث سجن جو، كان المطلوب تهدئة النفوس، وبالفعل حصلت بعض الأمور تتعلق بالتظلمات، غير أن السجناء كانوا يَرَوْن ذلك قاصراً، فيما المطلوب كان يتركز حول الحاجة لتلمس الجهات الرسمية لشئون السجناء.
كرجل دين كنت بمعيّة الأخوة (من بينهم الشيخ محمد علي المحفوظ)، نعمل على امتصاص ما ينتج عن ذلك من شد نفسي، فكنا نطلب من الشباب الصبر، والسعي عبر القنوات القانونية لإيصال شكوانا، حيث كانت تأتي إلينا الأمانة العامة للتظلمات والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وبدورنا كنّا نشرح لهم عدم كفاية ما كان يتخذ من إجراءات.
كنّا نأمل من وزير الداخلية تشكيل لجنة خاصة في أحداث سجن جو، للنظر فيما حصل بنظرة جدية.
وماذا عن المعنويات؟
- المعنويات جيدة أيضاً، فكنا من خلال السجن نعمل على أداء دور بعيد عن التأزيم والشحن ضد الجانب الرسمي، وعلى العكس من ذلك، فقد كان الدور منصباً على فهم الوضع، فأنت كشاب وكسجين ماذا تريد من حقوق وبماذا تطالب؟ وبالمقابل كنّا حريصين على الحفاظ على نظام السجن، حتى مع القناعة ببراءتنا من التهم الموجهة إلينا، واعتقادنا التام بأننا سجناء رأي.
هل يعني حديثك أنكم كُنتُم هادئين داخل السجن، وإلى حد ما متعاونين مع الإدارة؟
- نعم، وكنا بالفعل متعاونين قبل أحداث سجن جو المعروفة، حيث يبدو أن تعامل المسئولين مع هذه الأحداث لم يتم بحكمة، فتم نقل نحو 500 سجين إلى النيابة وكنت من بينهم، وصدرت الأحكام على 57 سجيناً منهم.
لنسأل عن السنوات الخمس في السجن، كيف قضيتها؟
- تجربة السجن بالنسبة لي تجربة جديدة، وكنت حريصاً على تقبل الابتلاء وبرمجة حياتي على الوضع الجديد، أقول ذلك دون أن أغفل الإشارة إلى تفاجئي بهذه التجربة، غير أني عملت على تنظيم وقتي.
هل كان لديكم برنامج معين داخل السجن؟
- فترة التوقيف والسجن الأولى كانت صعبة، وبعد صدور الأحكام من محكمة السلامة الوطنية، ومع مجيء رئيس اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق بدأت تتغير الأمور، حتى حُكِمنا ونقلنا إلى سجن جو، وهناك بمعيّة علماء الدين كالشيخ المحفوظ والشيخ عبدالعظيم المهتدي والشيخ ميثم السلمان، كنّا نقيم البرامج الدينية والحوزوية وعن وضع البلد، وأنوه هنا إلى ما كنّا نلاقيه بعد ذلك، من احترام وأريحية من قبل ضباط الأمن الوطني، بل كانوا يصرحون لنا بالإشارة إلى ما كان يعانيه البلد من وضع مأزوم، وبدورنا كنّا نؤكد لهم أن ما جرى أساء لنا في بعض القضايا، لكن كنّا نقول أيضاً: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.
بين الفائدة والخسارة، كيف تعاطيت مع مرحلة السجن؟
- بالنسبة لي كانت الفائدة حاضرة، تحديداً من ناحية الصحة البدنية والرياضية، كنت أمارس الرياضة قبل السجن لكني في السجن ضاعفت ذلك، فقد كنّا نخوض دورات رياضية قبل أحداث السجن الأخيرة في (مارس/ آذار 2015)، فبسبب الاكتظاظ كان السجن مفتوحاً على بعضه، وحين تحدثنا مع مدير مركز تأهيل النزلاء منذر الصباح، تحصلنا على فرصة إقامة الدورات الرياضية حتى كان لكل قرية فريقها الخاص.
بجانب ذلك، كنّا نقيم الدروس الدينية والأخلاقية ودورس القرآن الكريم، والتجربة الأكبر وجود عينات من الشباب المثقف الذين التقينا معهم، لتشكل لي تجربة ناجحة فتحت لي على الصعيد الشخصي آفاقاً كثيرة، وعلى سبيل المثال، حين تقف أمام مدير أو أمام ضباط، فإن ذلك يتطلب برتوكولاً معيناً وأسلوباً خاصّاً، وشخصياً استثمرت ذلك في إثراء تجربتي الشخصية وتصحيح كثير من المسارات تحديداً في السلوك مع من هم حولي من عائلتي ومعارفي.
يعني هذا أن الشيخ جاسم الدمستاني بعد السنوات الخمس، ليس هو ما قبل ذلك؟
- هذا مؤكد.
هل لنا بنماذج من هذه التغييرات، هل طالت الجانب الفكري والقناعات السياسية؟
- التغيرات على المستوى الفكري والسياسي، وأعني هنا ما ارتبط بالأحداث التي شهدتها البلد، ولا أعني بذلك تراجعاً عن المطالب العادلة التي ينص عليها دستور البلد، ويؤكد عليها كذلك المسئولون، بحيث تتم المطالبة بذلك بالسلم واللاعنف، وكان هذا حاضراً أيضاً حتى في أيام الدوار.
والأزمات عادة، تولد بعض الأخطاء وليس بوسعك الضبط بشكل تام.
ألا تعتقد أن حراك (فبراير/ شباط 2011)، شهد تطرفاً في بعض المطالب المرفوعة، بما في ذلك السقوف المرفوعة؟
- نعم أتفق مع ذلك، فبعض المطالب كانت تعبر عن حالة تطرف، وقد ناقشنا ذلك مع بعض الإخوة المثقفين والقياديين في السجن، البعض كان يرى في ذلك تراجعاً، وبالنسبة لي فإني أمتلك ما يكفي من الشجاعة لطرح وجهة نظري، وخصوصاً أن السياسة هي حالة متغيرة وليست ثوابت.
عطفاً على هذا الحديث، يبدو أنك تتفق مع الأصوات المنادية بضرورة وجود مراجعات للأزمة التي أكملت 5 سنوات من عمرها، وصولاً إلى استخدام لغة هادئة من قبل الجانبين، الرسمي والأهلي.
- أتفق مع هذه الأصوات، وكما ذكرت، فإنني شخصيّاً ناقشت مسألة المراجعة مع كثير من الإخوة في السجن، وكنا نؤكد أن ذلك لا يعبر عن أصل من أصول الدين، أو من ثوابته، بل هي أمور سياسية والسياسة تتغير بتغير الزمان. ونستشهد على ذلك بحياة الأئمة (ع) التي كانت تمر بظروف متغيرة، فالإمام علي (ع) قال بعد وفاة النبي (ص): «لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين»، ومن لا يعرف الإمام علي، قد يرى في ذلك تنازلاً.
هل تعتقد أننا اليوم بحاجة لهذه الروح؟
- نعم نحن بحاجة لذلك، وأنا كرجل دين رؤيتي مستمدة من رؤية أهل البيت (ع). وكذلك يمكن الاستشهاد بحادثة رفع المصاحف في صفين، حينها كان بمقدور الإمام علي (ع)، خوض الحرب التي ستكون حرباً خاسرة.
نعم هنالك ثوابت لا مساومة عليها، لكن في بعض القضايا كان الإمام علي يتعامل معها بمرونة، وكان يعطي مساحة لهذا الجانب.
إذن، أنت ترى أن البحرين بحاجة اليوم لهذه اللغة المرنة؟
- نعم، المرنة لا المنكسرة، فنحن بحاجة لمراجعة سياسية في الميادين كافة، ويمكن الاستفادة من تجارب الآخرين.
قد يرى البعض المراجعة، عيبا.
- المراجعة ليست عيبا، ومن يظن ذلك عليه النظر للوضع الإقليمي والنظر إلى طبيعتنا كشعب، ونفسية الناس بعد مرور 5 سنوات، وفي نهاية المطاف لا بد أن تحل الأزمة لكن ليس بأي شيء، بل بتسوية جادة.
هل تؤيد تسوية تلبي الحد الأدنى من المطالب؟
- بلا شك، سواءً فيما يتحدثون عنه من فن الممكن، أو فيما يتعلق بالتغيير الذي لا يمكن أن يتم دفعة واحدة.
هل استقررت بعد كل هذه المخاضات على رؤية سياسية محددة؟
- أنا بالأساس لست رجل سياسة، ولم أشتغل في السياسة، ولعل حراك الناس الذي جمع الجميع تحت المطالب المرفوعة، مثل ظرفاً وضعني في هذا الموقف.
هل تتجه لوضع حد لعلاقتك بالسياسة؟
- أنا وبشكل عام، هذه هي وجهة نظري، والتي تبلورت لي، أما كتعاط مع الشأن السياسي فأتركه لأصحاب الشأن، فمنبري هو المنبر الحسيني ولا ضير في الإسقاطات التي تسهم في إخراج البلد من أزمتها، فمهما كان لا بد من حل لهذه الأزمة.
طيب، هل ترى أن هذا المزاج المرن الذي تحدثت عنه، يسيطر كذلك على القيادات السياسية داخل السجن؟
- ممكن ذلك بالتحاور والتشاور.
ختاماً هل ترغب في توجيه نصائح للبحرينيين في الجانبين الرسمي والأهلي، تحديداً فيما يتعلق بالحاجة إلى اللغة الهادئة في هذه الفترة والتي قد توصلنا لاحقاً لأرضية مشتركة؟
- لغة هادئة لكن بحزم، وأيضاً في المقابل الابتعاد عن الشعارات التي قد تكون الناس إلى الآن لم تفهمها، وكان هذا واضحاً في الفترة السابقة.