الأزمة الغربية في ليبيا... نخوض "الحرب الرابعة" أو لا نخوض؟
الوسط – قاسم حسين
ناقش الكاتب والمحلل انتوني كوردسمان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS)، قضية الحرب التي يتوعد الحلفاء الغربيون بخوضها في ليبيا لمقاتلة "الدولة الإسلامية" (داعش)، منتقداً هذا الموقف المتخبط الذي يدل على عدم الاستفادة من دروس الماضين وتكرار الغربيين للأخطاء نفسها، وتوقعهم نتيجة مختلفة، وذلك هو التعريف الكلاسيكي للجنون.
بدأ الكاتب مقاله المنشور على الموقع الالكتروني للمركز، بالقول إن المسألة الرئيسية لمن يكتب عن التدخل الغربي في ليبيا، هو ما يمكنه أن يحققه هذا التدخل الأجنبي. فالتسريبات التي تمت عبر الصحافة، عن تدخل إيطالي بري كبير؛ وقوات أوروبية مشتركة بقيادة إيطالية؛ وحملة قصف جوي أميركية، في حملة من الضربات الجوية المحتملة ضد أهداف لمعسكرات ومراكز قيادة ومواقع تدريب، يقدّر عددها بـ 30 إلى 40 هدفاً في أربعة مناطق من البلاد، وذلك من أجل تعطيل التمدد الكبير لتنظيم "داعش" بعد وصول عناصره من العراق وسوريا. وهو تدخلٌ يمكن أن يفتح الطريق أمام القوات الليبية المدعومة من الغرب لمقاتلة التنظيم، حيث ستدعمها الغارات الجوية.
هذا التقارير –كما يقول كوردسمان- أظهرت عدم وجود قرار، ولن يحدث ذلك حتى يوجد نوعٌ من الوحدة السياسية بين الفريقين الليبيين المتصارعين، في طرابلس وبنغازي. وليس من الواضح بعد ما هو مستوى التعاون الحقيقي بين الخيارات الأميركية والأوروبية، وحتى العربية مثل مصر، فضلاً عن تعاونها مع المستنقع الذي تتردى فيه الجماعات والأحزاب والقوى القبلية الليبية نفسها.
ويضيف كوردسمان إن ذلك يبدو مألوفاً جداً بالنسبة لنا، حيث دخلنا في أعشاش الزنابير، كما حصل من قبل في العراق وسوريا واليمن، بل وحتى أفغانستان إذا ما نظرنا وراء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي كل حالة، حقّقنا انتصارات تكتيكية ضد الجماعات المتطرفة، وساعدنا في إسقاط النظامين العراقي والليبي، وتحدثنا عن إنشاء ائتلافات كبيرة لأقوى حلفائنا، ولكنها غالباً ما كانت ائتلافات "غائبة" تقريباً.
خلال عهد بوش، أرسلنا أعداداً كبيرة من قواتنا البرية ومساعداتنا دون نتائج موثوقة ويقينية. وتحت إدارة أوباما، اعتمدنا سياسة التدرج غير الحاسمة، وفي الحالتين، أخفقنا في تحقيق أهدافنا الاستراتيجية طويلة المدى، أو ترجمة نجاحاتنا العسكرية التكتيكية إلى حالة دائمة من الأمن والاستقرار. ومع ذلك فإن هذه الإخفاقات ليست سبباً لعدم الفعل في ليبيا، أو شنّ غارات محدودة لمنع إقامة "داعش" دولة خلافةًً أخرى لها في ليبيا، ومنع ومحاصرة الإرهاب والتطرف.
يضيف الباحث: هناك سبب عموماً لعدم الافتراض ببساطة أن كل ما يتطلبه تحقيق الاستقرار إيجاد نوعٍ من الاتفاق بين الحكومتين الليبيتين في طرابلس وبنغازي، وهو حصول التدخل الخارجي الواسع، على القبول الشعبي من خلال التصويت الحقيقي. أما رمي المال فوق "عش الدبابير"، ربما يكون أقل استفزازاً من استخدام العصا، ولكنه ليس واضحاً أن تكون النتيجة النهائية أكثر إنتاجيةً أو استقراراً.
إن قصف "داعش" أمرٌ واحد، والبحث عن استقرار دائم لليبيا أمرٌ آخر. وقبل أن نضم الحرب الرابعة إلى قائمة الحروب الجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا –بعد حرب العراق وسوريا واليمن – فإننا نحتاج إلى أن نُظهِر وجود استراتيجية متماسكة، تحقّق فعلاً الاستقرار كما تحقّق ضرب "داعش" أيضاً. وعلينا أن نُظهر أيضاً أن الفصائل المسلحة الأخرى في ليبيا، سوف تدعم فعلاً القوات الأجنبية على أسس دائمة. كما نحتاج إلى أن نتأكد أن الفصائل المتنازعة في طرابلس وبنغازي، لديها ما يكفي من القدرة والتحكم والتأثير، للانتقال إلى نظام حكم فعال، وهو ما سيحتاج إلى وجود إرادة دولية حقيقية لمساعدة ليبيا في تطوير نظام حكم فعّال، يستخدم عوائده النفطية لتلبية الحاجات المدنية العاجلة، ومن ثم الانتقال إلى غدارة عملية التنمية، مع وجود بنية معقولة يمكن أن تنفّذ شكلاً من مشروع بناء دولة.
ويعترف كوردسمان قائلاً: "حتى الآن، طريقنا للحرب مختلف جداً، وهي تقترب كثيراً من التعريف الكلاسيكي المشهور للجنون: تكرار الأخطاء نفسها وتوقع نتائج مختلفة"! فـ"الحرب الرابعة" إما أن يكون لها خطة واستراتيجية موثوقة وواضحة المعالم، بحيث نتعلم من أخطائنا السابقة، وتمتلك دعماً من البرلمان والرأي العام وقوات التحالف، وإلا فإن علينا عدم الخوض في هذه الحرب!