محمد عبدالعال فارق الحياة بعد فقدانه النطق وخسارة 55 كيلوغراماً من وزنه بفعل «التصلُّب العضلي»
مدينة حمد - فاطمة عبدالله
أيقظها من نومها مراراً لتغلق أزرار قميصه، فكانت تستيقظ باعتقادها أن ذلك كان دلعاً منه، فتستيقظ ضاحكة وتغلق الأزرار وتعاود نومها ويخرج لعمله واستمر ذلك الحال لفترة طويلة، في الوقت الذي كان ذلك مؤشراً لإصابته بمرض لا علاج له، وهو مرض التصلب العضلي الجانبي، إلا أن ذلك لم يكن في حسبان عائلة المتوفى محمد عبدالرضا عبدالعال (47 سنة)، العائلة التي كانت تعيش حياة هادئة تمتزج فيها الأيام الجميلة بالحزينة، لتكون حتى الحزينة أحلى الأيام التي عاشها الزوجان لمدة 25 سنة رزقا فيها بابنتين وابن.
وتسبب المرض في فقدان عبدالعال للقدرة على النطق، علاوة على صعوبة الحركة، كما خسر نحو 55 كيلوغراماً من وزنه.
إلى ذلك، قالت استشارية أمراض المخ والجهاز العصبي بمركز الخليج للمخ والأعصاب، مركز الخليج التخصصي للسكر فرزانة السيد: «تسجل البحرين سنويّاً أقل من ثلاث حالات لمرض التصلب الجانبي الضموري، في الوقت الذي لا توجد فيه إحصائيات دقيقة بشأن عدد المصابين في البحرين؛ لكونه من الأمراض النادرة».
فقد النطق وخسر 55 كيلوغراماً في أشهر... وعائلته شكت غياب الوعي المجتمعي بالمرض
محمد عبدالعال فارق الحياة بعد معاناة من مرض التصلب العضلي
مدينة حمد - فاطمة عبدالله
أيقظها من نومها مراراً لتغلق أزرار قميصه، فكانت تستيقظ باعتقادها أن ذلك كان دلعاً منه، فتستيقظ ضاحكة وتغلق الأزرار وتعاود نومها ويخرج لعمله واستمر ذلك الحال لفترة طويلة، في الوقت الذي كان ذلك مؤشراً لإصابته بمرض لا علاج له، وهو مرض التصلب العضلي الجانبي، إلا أن ذلك لم يكن في حسبان عائلة المتوفى محمد عبدالرضا عبدالعال (47 سنة)، العائلة التي كانت تعيش حياة هادئة تمتزج فيها الأيام الجميلة بالحزينة، لتكون حتى الحزينة أحلى الأيام التي عاشها الزوجان لمدة 25 سنة رزقا فيها بابنتين وابن.
تعود التفاصيل إلى العام 2014، والتي ترويها زوجة عبدالعال، أم عبدالله قائلة: «تزوجنا منذ 25 سنة ولم يكن يعاني فيها زوحي من أي مرض، إلا أنه في العام 2014 كنا خارج البحرين وأثناء السفر أحس محمد بأنه كل ما ارتدى فردة الحذاء خرجت من رجله، واعتقد أن ذلك بسبب الحذاء فاشترى حذاء أخرى إلا أن المشكلة مازالت قائمة، فكان يشكو من اعوجاج رجله، عدنا إلى البحرين ولم يكن يعاني من أية مشكلة صحية أخرى، ونسينا الموضوع لفترة بسيطة».
وأضافت «في مايو/ أيار 2014 بدأ يعاني من تغير في النطق وتلعثم في الكلام توجهنا إلى المركز الصحي ومن هناك تم تحويلنا إلى مجمع السلمانية الطبي، وبقينا في الانتظار لمدة خمس ساعات ليحول إلى أحد الأطباء الاستشاريين في (أكتوبر/ تشرين الأول) أي بعد خمسة أشهر، لم نكن قادرين على الانتظار أكثر فكنت أرغب في الاطمئنان عليه».
وتابعت «من المعروف عن محمد حسن الخلق وأنه كان محبوباً لدى الجميع، لذلك بدأ أصدقاؤه في العمل في وزارة الصناعة والتجارة مشكورين في البحث عن طبيب له فموعده كان متأخراً في السلمانية وكان يعاني في ذلك الوقت من زيادة حدة الأعراض كتلعثم الكلام، وعدم القدرة حتى على فتح قنينة الماء، اقترح زملاؤه عليه استشاري جراحة المخ والأعصاب في الطب الخاص وأجرى الأشعة إلى محمد، واتضح أن هناك شيئاً غريباً في المخ إلا أنه ليس بورم، اطمأنت العائلة إلى أنه ليس السرطان، لكن القدر كان يخفي مرضاً لا علاج له بينما السرطان يمكن الشفاء منه».
وأضافت «استمر زملاؤه في البحث عن طبيب لعلنا نعرف أين المشكلة حتى زرنا استشاري أنف وإذن وحنجرة إلا أنه لم تكن هناك مشكلة في الحنجرة لتسبب تلعثم الكلام، وقد أخبرنا بأن السبب قد يعود إلى مشكلة في العصب».
وأوضحت أم عبدالله أن بعد البحث عن طبيب لمعرفة المشكلة تمكن أصدقاء العمل من الحصول على طبيبة مختصة في مشكلة العصب وهي الاستشارية فرزانة السيد وهي الوحيدة المتخصصة في المرض الذي أصيب به، أول موعد كان في (يوليو / تموز 2014).
وقالت: «في أول موعد شرحنا الأعراض التي كان يشكو منها وأخذت عينة منه عن طريق إبرة، وتبين إصابته بمرض التصلب الجانبي الضموري ALC وهو مرض سريع الانتشار قاتل، وبحسب الأطباء فإنه يكون إما بسبب العامل الوراثي أو العامل النفسي».
وأضافت «لا يوجد دواء لعلاج المرض، لكن يوجد دواء للتخفيف من حدة أعراض المرض، إلا أن قيمة الدواء 3 آلاف دينار، حولنا إلى السلمانية فالدواء متوافر هناك، إلا أنه منذ بدأ في أخذ الدواء بدأت حالته تنتكس أكثر فأكثر، فالطبيب الذي يشرف على حالته لم يقم حتى بالفحوصات فقد اكتفى بصرف الدواء ليقول إنه سيبطئ الموت وسيمكنه العيش من 5 إلى 12 سنة، في الوقت الذي بقيت فيه مواعيده كل 6 أشهر في السلمانية، على رغم أنه يحتاج إلى متابعة مستمرة فهو يحتاج إلى طبيب نطق وعلاج طبيعي وعلاج مهني، في حين كان حكم عليه الاستشاري في السلمانية بالموت».
وتابعت «أصبحت طبيبة بلا شهادة فبدأت البحث عن المرض فهو مرض مجهول يرفض المجتمع التحدث عنه، وذلك لكون أن هناك عاملاً جينيّاً وقد يكون نفسيّاً، ومن يصيبه المرض يخشى على عائلته من نظرة المجتمع وكأن المرض عيباً، لذلك لا توجد توعية بالمرض، بدأت أبحث عن طبيب لعلاج النطق وعلاج الطبيعي وكنت آخذه بنفسي إلى المواعيد وأشاهد المرض كيف يقضي عليه، أما العلاج المهني فحول إلى السلمانية، كنت أقضي وقتي معه إما في المنزل أو في المستشفى أحاول أن أكون قوية ليس لأجل أحد وإنما لأجله هو، فكنت أرى نفسيته تتدهور من نظر المجتمع إلى ما آل إليه، فكنت أحاول أن أمزاحه فالنفسية نصف العلاج».
وقالت أم عبدالله: «سمعت عن طبيب جديد في السلمانية في تلك الفترة واستطعت الحصول على موعد لديه أكد أنه لا علاج للمرض فهو سريع الانتشار قاتل متى ما وصل إلى التنفس فالإنسان يفقد الحياة وقد يؤثر على الوزن، وهذا ما حدث فقد فقّد زوجي وزناً خياليّاً فبعد أن كان وزنه 85 كيلوّاً بلغ أقل من 30 كيلوّاً بسبب المرض، فقد فَقدَ قدرته على البلع، وكان من المقرر إجراء عملية فتح في المعدة له في السلمانية، إلا أن الموعد كان متأخراً ولم تجرَ له».
وأضافت «بقيت أنقله بين الطب الخاص وبين الطب الحكومي، لم أكن أهتم بكلفة العلاج على رغم كلفتها، فكل ما كان يهم هو أن يتعافى فقد مضت سنة وهو أمامي فقد القدرة على الكلام فكنا نتفاهم بالكتابة أو بالإشارة حتى بدأ يفقد القدرة على الكتابة، مضت سنة لم نكن ننام فيها، كل ما أغلقت عيني 10 دقائق استيقظت مفزوعة أدير وجهي له لأسمع نفسه ليطمئن قلبي، كنت أحاول أتمسك بالقوة وانهار أحياناً بعيداً عن الآخرين الذين سخروا منه لتلعثم كلامه أو لعدم قدرته على المشي أو لفقدانه النطق مما كان له دور في التأثير على نفسيته، فالمجتمع لم يرحم مرضه».
وتابعت «فترة مرضه سافرنا معاً وسأتذكرها حتى مماتي فكان يعلم بأنه آخر سفرة سنكون فيها معاً، فكان يعلم بأن هذا المرض سيكون هو المرض الذي سيقضي على حياته وسيقضي على أحلامنا بأن نعيش ونشيخ سويّاً، وأن نلف العالم بأسره معاً، فبعد أشهر من المرض والأعراض التي أنهكت جسده النحيل وصل المرض إلى الجهاز التنفسي حتى طلبت إسعاف مستشفى العسكري فهو الأقرب إلى منطقة سكننا، ونقل إلى هناك، حاول الطبيب تعريفي بالمرض فاستغرب من ثقافة عائلتنا بالمرض فكنا نعيشه يوميّاً، بعد وصول المرض إلى الجهاز التنفسي كان علي أن أكون أقوى من السابق لأجله ولأجل عائلتي، بقي زوجي في السلمانية وخرج فترة بسيطة وعاد مجدداً وقد أصيب بست جلطات خلال خمس ساعات في إحدى المرات».
وأوضحت أن حالته كانت سيئة فبقي على أجهزة التنفس في مستشفى قوة دفاع البحرين لأسابيع، إلا أنه تم نقله بالإسعاف في يوم وفاته إلى البيت وفي نصف ساعة من بعد مغادرته المستشفى فارق الحياة في المنزل، وأمام مسعفي العسكري وقبل وصول مسعفي السلمانية الذين كانوا سينقلونه مباشرة إلى السلمانية، وذلك بسبب تنسيق مسبق بأن ينقل إلى السلمانية عن طريق إسعاف السلمانية، مشيرة إلى أنه قبل نقله تم شراء جهاز للتنفس، وقد طلب جهاز آخر من السلمانية إلا أن الجهاز وفر بعد وفاته، في حين أن تقرير حالته الصحية الذي كان سيرفع إلى ألمانيا عن طريق أخيها فقد جهز بعد وفاته أيضاً.
وقالت أم عبدالله: «التوعية بالمرض معدومة في المجتمع البحريني، وفي الوقت الذي ذكر فيه أطباء من خلال حديثنا معهم أن هناك ثلاث حالات في المجتمع استطعت الوصول إلى أكثر من ثلاث حالات، غياب التوعية في المجتمع يؤثر في كيفية التعامل والتعايش مع مرض ALC، فهناك حالات غير قادرة على تحمل تكاليف الحد من الأعراض، وخصوصاً في ظل تأخر المواعيد في السلمانية، فمريض ALC بحاجة إلى متابعة مستمرة مع المستشفى وليس كل ستة أشهر».
وأضافت «يوم وفاته طويت صفحات 25 سنة من العشرة معاً فقد جمعتنا ذكريات هذه السنوات التي درس فيها وحصل على شهادة البكالوريوس وقام بتزويج ابنتين فضلاً عن أن حصوله على ترقيات في عمله في وزارة الصناعة والتجارة والتي قضى فيها 27 سنة وعمل فيها حتى وقت مرضه، كل ذلك عشناه معاً، وكانت إصابته بالتصلب العضلي وعدم وجود العلاج هي التي أنهت هذه الحياة لتبقى ذكريات».