العدد 4931 بتاريخ 07-03-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةالوسط أونلاين
شارك:


لا يمكن أن تساعد أمةً لا تريد أن تساعد نفسها:

أفغانستان... سنة انتقالية صعبة وطريق يقود للمجهول  

الوسط- قاسم حسين

الوسط - قاسم حسين

تناول الكاتب الأميركي انتوني كوردسمان في مقاله الأخير على موقع "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS) الوضع الذي تمرّ به أفغانستان خلال هذه السنة الانتقالية الحاسمة، حيث يظهر العديد من المؤشرات أن الحكومة الأفغانية وقواتها النظامية تخسر على عدة مستويات: السياسة، الحكم، الاقتصاد، الأمن، والدعم الشعبي.   

لاشك أن إدارة الرئيس باراك أوباما تراجع سياساتها الأفغانية، بما فيها موعد الانسحاب المخطط له نهاية 2016، والجهود العسكرية قبالة ما تواجهه الحكومة الأفغانية من تهديدات. والمعلومات الخاصة بالموازنة لا توحي بأنها لا تخطّط لخفض عدد الجنود بمقدار النصف مع نهاية 2017. كما أنها لا تشير أيضاً إلى أن المساعدات لا تبدو كافيةً لمساندة القوات الحكومية لتعويض الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها. فالحرب الأفغانية وضعها معقّد، حيث لها أبعادها المدنية كما هي العسكرية، منذ أعلنت أغلب قوات الحلفاء انسحابها في 2014.

تحليل النزاع الأفغاني

يعترف الكاتب الأميركي أن الوضع الأفغاني أصبح أكثر تعقيداً وصعوبة على التقييم، فالتقارير الأميركية الرسمية منذ بدء الانسحاب، أصبحت أقرب إلى أخبار العلاقات العامة منها كتقييمات حقيقية، وبالتالي تضخّم الانجازات وتقلل من جوانب الفشل أو تتجنب ذكرها.

في المقابل، هناك تقارير تصدر عن جهات أخرى، ظلت تورد معلومات مهمة عن النزاع والوضع الحالي لأفغانستان، مثل بعض تقارير الدول الأوروبية، أو منظمات المجتمع المدني، أو وسائل الإعلام الكبرى مثل "نيويورك تايمز" والـ"واشنطن بوست" والـ"بي بي سي". كما ظلّت الأمم المتحدة مصدراً مهماً للمعلومات المتعلقة بعدد الإصابات أو الأخطار، وكذلك منظمات حقوق الإنسان المهتمة بإيراد أخبار وخسائر الأعمال الإرهابية في أفغانستان وباكستان. ومع ذلك فإن هذه المعلومات التي تقدّمها كل هذه المصادر، تظل معقّدة وموضع أخذ ورد.   

لا استراتيجية أميركية

إحدى المشاكل الرئيسية أن الولايات المتحدة تركّز على مفاوضات السلام التي تحفّها الشكوك، كما هو الحال في النيبال وكمبوديا وسوريا، فالسياسة يمكن أن تكون "شكلاً آخر من أشكال الحرب بوسائل أخرى". والإدارة الأميركية –حسب كوردسمان- لا تمتلك رؤية واضحة لتعويض ما تعانيه الحكومة الأفغانية وقواتها من ضعف وانقسامات، أو إدارة التفاوض مع حركة "طالبان". إن ما تقوم به الإدارة الأميركية مجرد تمديدٍ للوجود العسكري وبرامج المساعدات دون تقييمٍ للحدود التي يفرضها الواقع، من حيث عجزها عن تغطية كافة الأراضي الأفغانية، أو دعمها للجيش الأفغاني في معارك كبيرة ضد "طالبان".

إنها أشبه ما تكون بمحاولة "تمرير للمسئولية" إلى الإدارة المقبلة أكثر منها "استراتيجية شاملة". بل إن بعض تقارير وزارة الدفاع تشير بوضوح إلى عدم جهوزية القوات الأفغانية في حال الانسحاب الأميركي وقوات (الأيساف)، حيث ساهم الانقسام منذ الانتخابات الأخيرة في إضعاف جهود الحكومة الحربية، والفشل في الحد من نفوذ "طالبان" ومنع تمددها وما تحققه من انتصارات.

ويحاول كوردسمان أن لا يضع اللوم كله على الجانب الأميركي، فـ"المسؤولية تقع على جانب الأفغان"، فـ"الشلل" الذي كانت تعانيه حكومة كرزاي ومَنْ بعده، يُظهر بجلاء فشل الأفغان أنفسهم، فالكثير من قياداتهم لا يضعون مصلحة بلادهم في المقام الأول، وإنما يضعون الأولوية لمصالح قبائلهم وفصائلهم وجماعاتهم العرقية. ورغم محاولة خَلَفِه أشرف عبدالغني تصحيح الوضع، وإعلانه عن خطط إصلاح، إلا أن ذلك لا يعني اتخاذ خطوات جديدة للتطبيق، سواءً لتقليص الانقسامات أو إصلاح الانتخابات، أو حتى محاولة تلك القيادات ولوردات الحرب بذل أي جهد لتوحيد الأمة وخدمة الشعب، بينما عملوا الكثير في الماضي لتدميرها. وبالتالي "من الصعب أن نتوقع أن أي جهد خارجي يمكن أن يساعد أمةً لا تستطيع أن تساعد نفسها"!

ومع قتامة المشهد، فإن كوردسمان لا يرى أن ذلك يعني بالضرورة خسارة الحرب، أو أن أفغانستان لن تتمكّن من تحقيق الأمن والاستقرار، حيث أن الهامش الذي كسبته طالبان والحركات الأخرى مثل "داعش" يظل محدوداً ومناطقها تعاني أيضاً من الانقسامات. وفي المقابل هناك إمكانية لتصحيح الوضع، نظراً لما حققته أفغانستان حتى الآن من تقدّم وإن كان ضئيلاً، في مجال السياسة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان.



أضف تعليق