قصة قصيرة... حديث ساعة
قصة قصيرة - زينب عبد الجليل ثامر
يظن العالم أن الساعة اثنتا عشرة صباحاً هي أكثر الأوقات ظلماً وهدوءاً، هم فقط لم يعلموا أنها أكثر الأوقات ضجيجاً. تدق الساعة كل ليلة من برج مشيّد بعيد وتصل أنغام دقاته إلى أنفاس النائمين. كل ليلة أعدّ معها: واحد... اثنان... ثلاثة...
ثم تلتهي أفكاري قليلاً وعقلي يظن أنه يعد الدقات تسلسلياً. أقول اثنتي عشرة ثم أتفاجأ بثلاث دقات أخريات. غالباً لا أستغرب ذلك كثيراً، لأنه يحصل كل ليلة.
أبرر ذلك بأن صوتي البائح قد يكون السبب، فأنا لا أسمع صوتي جيداً. لا أعلم حقاً إن كنت مازلت أمتلك القدرة على الحديث، لم أتحدث منذ فترة طويلة. كم أشتاق لصوتي!
تبدأ تلك اللحظات عندما أتيقن أن ابناي قد غطّا في سبات عميق لا يمكن كسره. من هنا ابتدأ صراعي. يجب أن أغسل ثوبي اليوم، لأنني غداً بعد عودتي من معترك الحياة لن أجد ما ألبسه. يجب أن أغسل قدماي المتورمتان حتى تعود الحياة لهما، لكن صقيع الماء يزيد من ألمي ألما. لو كان لي جوربان، جوربان فقط، لما أدميت قدمي ولا وضعتها تحت هذا العذاب.
رغيف الخبز لا يكفيني كل يوم، أخبر أطفالي بأنني أكلت حصتي أو أنني أتبع حمية صارمة. لا يهم ما أقول، كل ما يهم أنني مازلت على قيد الحياة، وأطفالي كذلك. ماذا أقول لهم أيضاً؟ أقول لهم أن الرغيف يجب أن يؤكل قاسياً حتى تصبح أسنانهم أقوى. الخبز الطري للضعفاء فقط الذين لا يتحمّلون قسوة الخبز. يفرحون كثيراً عندما ينهون رغيفهم، يظنون أنهم أبطالاً. ربما هم كذلك.
آخر طقوسي هي علبة حمراء صغيرة تسمى طلاء الأظافر. كلا، لا تعتقد أنني بذرت نقودي و اشتريتها. كل ما في الأمر أنني وجدتها في درج قديم عندما أتينا لهذا الصندوق الصغير. لا أريدك أن تظن بأنني أريد أن أرسم البهجة على يديّ. أنا فقط أحاول أن أخفي ما يرسمه الزمن على أبداننا. ربما تعلم أن أظافرنا ترتسم بلون السماء عندما نتجمد من البرد، و لإنني لا أرجو الشفقة، أخفي كل آلامي تحت مراسم البهجة.
هذه الحياة صعبة جداً يا صديقي. و لم يعد أحد يستمع... يصدق... أو يعي ما يحدث حوله. لهذا سنقدم لهذا العالم ما يريد، وسنخفي كل جروحنا وآلامنا. هذا العالم غريب يا صديق!
أعلم أنك ستعلن الآن عن قدوم الساعة الواحدة، واعذرني سأغلق نافذة الحديث، لأن هذه الدقة الواحدة تشعرني بحتمية الفناء، وأنا يا صديقي ... أنا مازلت على قيد الحياة.