العدد 4925 بتاريخ 01-03-2016م تسجيل الدخول


الرئيسيةثقافة
شارك:


قصة قصيرة... المنبوذة

قصة قصيرة - نوال الحوطه

 أسمع صوتها مترنّحاً يعلو ويهبط كما الثمل الذي ملأ جوفه بأكثر من لهيب كأس مُسْكر أنفاسها تكاد تخبو وأظن روحها تحوم في أرجاء تلك الغرفة المظلمة المختنقة برائحة الحزن والوحشة... تسلّل الضوء أخيراً إلى إحدى زوايا المكان المثير للريبة، وراح يداعب أصابعها الملقاة على الأرض باسترخاء كمن استسلم للموت أو ما يشبهه، ووجهها منكّس إلى الأرض يظلّله شعرها المسترسل الطويل المختلط بدموع قد حفرت ملامح وجهها الملائكي... سمعتها تُطلق تنهيدة طويلة تجرّها بأنين يبعث على البكاء وتردد: ظلم... ظلم... ظلم... قد نسيها الجميع... إنها "مريم" تقبع في هذا المكان منذ أيام كمن حكم على نفسه بالسجن والجلد والموت في آن واحد فهي تمتنع عن الأكل والشرب والكلام ولم تعد تمارس أي نشاط في حياتها سوى الهذيان. .. أليس ذلك جلداً للذات؟ نظرت إليها وغرقت في تفاصيل حياتها حيث العرف الاجتماعي قد حكم عليها بالموت حية لأنها ارتكبت أخطاء... أحسّت مريم بوجودي أحوم حولها وأنيني يختلط بأنينها... نظرت إليّ بوجه غارق بالدموع سألتني: ألا يغفر الله ذنوب من استغفره؟ أجبتها: بلى... سألتني مرة أخرى وهي تجهش بالبكاء: ألا يعفو الله عمّن سأله التوبة؟ أجبتها: بلى... ومن غير الله يفعل؟ نهضت من مكانها كمن أصابه مسٌّ وهي تصرخ بهستيرية مخيفة: لماذا إذن حين طلبت عفوهم قتلوني؟ لماذا قطّعوني إلى أشلاء صغيرة لماذا؟ هدأت مريم قليلاً... جلست على الأرض مُجدّدا كمن يحتمي بالصمت للحظات ثم رفعت إليَّ وجهاً مكلّلاً بالنقاء. قالت: نعم كنت شابّة سيئة في أيام مراهقتي الأولى.. عرفت أكثر من شاب وغرقت في بحر الخطايا مع أكثرهم.. كنت كمن يشرب من بحر الذنوب وكأنها حلوى تسبّب الإدمان.. كنت صغيرة حينها وأرى الحياة مقبلة عليّ فاتحة لي أذرعها وحكاية الخلود تحوم حولي تخبرني بأن الموت ليس سوى دعابة أو خرافة قديمة وكأنني سأبقى مخلّدة ولن أشرب من كأسه... كانت حياتي أشبه بالحلم الوردي وحين اكتشفت بأنه كابوس مرعب جاهدت نفسي لأصحو... وصحوت بالفعل ورحت أطلب المغفرة من الله بتذلّل وسرَت تلك الرجفة في جسدي خوفاً من عذابه والتمست عفو الله حين تبدّلت حياتي ورأيتني أمشي في طريق الاستقامة يجلّلني حبه... لكن مجتمعي أحرقني وحوّلني إلى رماد... لقد أغلقوا أبوابهم في وجهي ومنعوا البنات من الاحتكاك بي وشوّهوا سمعتي عند كل طارق باب جاء يطلبني زوجة فحوّلوا حياتي إلى جحيم، لا يطاق وأصبحت أنا المنبوذة لدى الجميع... حتى أمي وأبي راحا يخبرانني ليل نهار أنني جلبت لهما العار وأنهما يتمنيان لو أنني لم أولد أصلاً... فلماذا يعفوا الله والناس لا تعفوا؟!!                                           راحت تفرك جسدها على الأرض تحاول النهوض بيأس وهي تصرخ: أخبريهم أن المرأة مازالت توأد بدفنها حية في حين يغفر للرجل كل خطاياه فما الفرق بين المنبوذة والموءودة؟                                                                                          

فجأة هدأ صراخها وأرخت جفونها ورأيتها تتلاشى أمامي وكأنها خرقة بالية وأظنها قد أسلمت الروح ورحلت.



أضف تعليق



التعليقات 4
زائر 1 | انا 2:00 ص المجتمع ما يسامح..
لو عايشين في مجتمع اجنبي احسن لنا رد على تعليق
زائر 2 | لاتعطي الناس حجما اكبر من حجمه 2:37 ص الحين كل شخص حتى الطفل اللي عمره 6 سنوات يسوي فيها قاضي ويحكم على الناس ... هاللي شاطر فيه بس القيل والقال والغيبة والنميمة
زائر 3 | ضريبة الانحراف 10:52 ص خرافة من كانت تمارس الهوان على نفسها أن ترى من يفرش لها البساط الأحمر لانها تابت ، بل من يقول ذلك الان ليس مقتنعاً وأكاد( أكاد ) أجزم أنه يقول كلاماً وعندما تحن فرصة الحقيقة يجد لنفسه ألف وألف عذر ...شخصياً إذا كنت منحرفاً فإني لا أستحق رحمة الناس لذا أبحث عن الأمل في ديار أخرى ...لامارس التوبة النصوح وأمارس حياتي الخاصة بكل ثقة رد على تعليق
زائر 4 | جميل 11:11 ص جميل سردك، اختيارك للموضوع موفق جدا، وفقكم الله لخير الدنيا والاخرة رد على تعليق