انهيار ربط العملات.. رهان جديد للمستثمرين
الوسط – المحرر الاقتصادي
السؤال الملح الذي طرح في وقت مبكر من العام الجاري هو: كم من الزمن يمكن لبلدان مثل الصين والسعودية وغيرهما أن تواصل الاعتماد على احتياطيات العملة لتجنيب عملاتها انخفاض قوي وحاد في قيمتها؟ وفيما يظهر الاقتصاد العالمي علامات جديدة على ضعفه ويتسبب انهيار أسعار السلع الأساسية في تقويض ميزانيات العديد من البلدان، يراهن المستثمرون على أن تشهد العملات ضعفا أكبر ونهاية لربط الريال السعودي بالدولار ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "القبس" الكويتية اليوم السبت (27 فبراير / شباط 2016).
وينقسم المحللون حول ما إذا كان المتداولون أم البنوك المركزية هي التي ستنتصر في النهاية، لكن الدول تستنتفد احتياطياتها للحفاظ على سياسة الصرف الأجنبي القائمة، وهي استراتيجية يعتقد أمثال بيل أكمان وصناديق التحوط الأخرى أنها لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.
هناك نوعان من الأهداف الرئيسية لاستخدام احتياطيات العملات الأجنبية، فالبلدان تبني وتراكم احتياطيات العملات من أجل الفترات العصيبة والأزمات، للتعامل مع «حدث ليمان»، كما يقول تشارلز سانت آرنو الخبير الاستراتيجي المختص بالصرف الأجنبي في بنك نومورا، ولتحسين تدفق السيولة وضمان وجود سيولة في السوق.
والهدف الآخر هو لاغلاق الفجوة بين الأسس الاقتصادية للبلد وموقع عملتها. الأمر يعتمد على ما الذي تحاول محاربته، كما يقول سانت آرنو. استخدمت البنوك المركزية مبالغ كبيرة من احتياطيات العملات الأجنبية، لكن من الصعب توجيه العوامل الاساسية. المشكلة مع استخدام الاحتياطيات تكمن في أنها تقوض ثقة السوق في المستخدم.
وكما تقول كيت جاكس من مصرف سوسيتي جنرال: اذا كانت كل ما تعنيه هي أنها مجرد وسام قوة لا يمكنك استخدامه، فهي اذن درع كاذب.
ويقول أوزمين ماندينغ، الذي عمل سابقا في صندوق النقد الدولي، ويعمل حاليا في صندوق نيو سبارتا لادارة الأصول أن الدول التي بنيت احتياطياتها المالية من موقع قوة تتردد الآن باستخدامها في موقف ضعف. فهي لا تريد أن تثبت صحة تصور السوق بأنها في موقف ضعف.
وكما يقول ماندينغ فان فن التدخل أمر تقديري. مضيفا: السؤال هو كيفية الوصول الى تحقيق توازن في سعر الصرف الخاص بها بطريقة منظمة. يمكن استخدام الاحتياطيات بطريقة غير معلنة، من دون السماح للسوق بأن تعرف ما هو المستوى المفضل لديها.
الصين، التي تملك نحو ثلث الاحتياطيات في العالم، استنفدت ما يقرب من 800 مليار دولار من أسهمها في الأشهر الـ 18 الماضية. وأجبر ضعف أسعار النفط السعودية على اللجوء الى احتياطياتها، التي انخفضت 100 مليار دولار في العام الماضي مقارنة بعام 2014، مما أدى الى ارتفاع تكلفة أسعار الآجلة في ربط الريال بالدولار.
في حالة السعودية، التي تعتمد على البضائع المستوردة، يعتبر الحفاظ على أسعار صرف مستقرة أمرا مهما، بحسب ما يقول آروب تشاترجي من مصرف باركليز. وبالنسبة للصين، من المهم بالنسبة لها أن تعالج مشكلة خروج رؤوس الأموال.
ويضيف: حقيقة أن الصين تستنفد كميات كبيرة من احتياطياتها أمر يعتبر مشكلة. ينبغي عليها أن تسمح لسعر الصرف بأن يساعدها على تحقيق استقرار في الوضع، لكنهم مترددين جدا للقيام بذلك.
عصر تراكم الاحتياطيات الأجنبية في البلدان الناشئة بدأ في التراجع، بقيادة الصين. وبحسب ما يقول جورج سارافيلوس، من دويتشه بنك فانه في حال حافظت البلاد على معدل الاستنزاف هذا، فانه بحلول نهاية العام يمكن أن يتراجع احتياطي العالم الى 10 تريليونات دولار، أي أقل بواقع 4 تريليونات دولار من ذروة 2015. ومن شأن مثل هذا الانخفاض أن يكون «مذهلا»، كما يقول.
قد يكون الانخفاض الذي حدث في يناير أقل مما كان متوقعا، والصين لا يزال لديها احتياطيات بقيمة 3.2 تريليونات دولار. ومع ذلك، هناك مصدران للمخاوف، كما يقول بيتر كينسيلا، المحلل الاستراتيجي للأسواق الناشئة في مصرف كومرتس بنك. أولا، قد يتبين أن رقم يناير كان أكبر عند الكشف عن التدخلات في الأسواق الآجلة. ثانيا، يتعين على الصين الحفاظ على احتياطيات كافية لتلبية احتياجات مثل تغطية الواردات، وبالتالي فان المبلغ المتاح للتدخل في سوق العملات ليس قريبا أبدا من 3.2 تريليونات دولار.
كما بدأ الخبراء الاستراتيجيون المختصون في أسعار الصرف الأجنبي يتساءلون أيضا عما اذا كانت اليابان، الثانية بعد الصين من بين أكبر أصحاب الاحتياطيات النقدية في العالم بقيمة 1.3 تريليون دولار، قد تتدخل مباشرة في سوق العملات للمرة الأولى منذ خمس سنوات. وكان قرارها المفاجئ الذي اتخذته الشهر الماضي بشأن أسعار الفائدة السلبية فشل في وقف صعود الين، مما تسبب بالكثير من القلق للشركات.
ويقول ديفيد بلوم، الخبير الاستراتيجي للعملات في بنك اتش اس بي سي ان بنك اليابان قد يعيد النظر في موضوع التدخل المباشر في سوق العملات كخيار، تماما كما اعتبر نظيره السويسري أنه من الضروري وضع حد أدنى لقيمة الفرنك مقابل اليورو في عام 2011 لوقف ارتفاع العملة.
ولكن نظرا الى أن الين مقوم بأقل من قيمته الحقيقية، سيكون من الصعب تبرير هذا الاجراء، وقد ينتهي به الفشل في نهاية المطاف، كما يقول بلوم.
وتشارك البنوك المركزية في لعبة الجسارة والتحدي مع المشاركين في السوق من أمثال أكمان. لكن الى متى ستستمر في استخدام الاحتياطيات لدعم ربط عملاتها؟.
يقول دانيال تنينغوزر، في آر بي سي كابيتال ماركيتس، ان السعودية لديها مجال أكبر بكثير للحفاظ على سياسة ربط عملتها بالدولار. وصمدت السعودية وغيرها من الدول المرتبطة بالدولار في الخليج مثل عمان والبحرين أمام انخفاض أسعار النفط في الماضي.
لكن هذه المرة قد تكون مختلفة. اذ يعتقد كينسيلا أن نظام ربط العملة السعودية هو في الوقت الضائع الآن، وقوضته الأسس الضعيفة التي من شأنها أن تؤدي الى هروب رؤوس المال مهما فعلت السلطات للحفاظ على نظام سعر الصرف.
ربط العملات لا يدوم الى الأبد، كما يقول جاكس. ليس هناك الكثير من المصداقية حيال الربط كفكرة. ربط العملة أمر لا بأس به عندما تسير السياسة النقدية في اتجاه واحد. الآن لدينا احتياجات في سياسات متباينة بشكل كبير.