(رسالة مواطن)... معلم يمنح الطالب فرصة للحرية والإبداع أم التلقين والحفظ
أيّ مجتمع يستطيع النهوض دون تعليم صحيح؟ إن التعليم في عصرنا الحالي يعتبر جواز سفر للمستقبل، ولكننا للأسف نجد أن الدول الشيوعية تجعل منه منطوياً على النظام الأيدولوجي والسياسي، أما الدول الرأسمالية فتجعله خادماً للمصالح الاقتصادية، وبعض الدول الأخرى توجهه وفق مصالحها الصناعية. إذًا أين هو الجانب الروحي الفكري للمتعلم أم أن التعليم مجرد تشرُّب وتلقي؟ وهل جُهز التعليم وفق وصفة الحضارة التي تتغنى بها الشعوب دون التفاتٍ للجانب الروحي؟
إن التعليم في صورته الأشمل -أو يجب أن يكون عليها- هو نتاج حضاري وثقافي وليس نتاجًا لتنافس مدمر بين الدول والحضارات تستخدمه الدول لأغراضها السياسية الخاصة، وبذلك لاشك أن يحمل محتوىً ثقافيًا.
فلو جئنا نقيّم المحتوى الثقافي للتعليم في وطننا البحرين، فنستطيع القول: إن المدرسة مكون أساسي من مكونات الثقافة، فبعض المعلمين أسلوبهم ينمي التفكير النقدي والذي يُشعر الطالب بالحرية الروحية والفكرية ويغذي الفكر لديهم من جوانب عديدة تحببهم في المدرسة، وبعضهم على العكس تمامًا، يقدمون تلقينات وحلولاً أخلاقية وعلمية جاهزة متبعين أسلوب التلقين، وهؤلاء يعتبرون من وجهة نظر الثقافة لا معلمون، لأنهم لا يخلقون أشخاصًا أحرارًا بل أتباعًا، ربما قد يدعمون الحضارة في ذلك ولكنهم وبلا شك يحطون من شأن الثقافة، وهذا مالا نريده في مدارسنا، بل نريد ما يعزز التفكير الروحي والحرية الثقافية لدى أبنائنا.
(Man Mass) أو الإنسان الجمهور، هو مصطلح أدبي أنشأه الفيلسوف الإسباني (جوزي أورتيجا)، ويعني أن يتحول الجمهور إلى وحدات مجهولة الهوية لا وجه لها، أو أن يتحول إلى مجموعة ممن فقدوا شخصياتهم وتقلصوا إلى مجرد كتلة غير مميزة المعالم. باختصار، نستطيع القول أن "الإنسان الجمهور" هو النتاج النهائي لحضارة بدون ثقافة.
ومن المؤسف أن يكون أبناؤنا مُكرهين على الذهاب إلى المدرسة ويتأففون كل صباح، ويستيقظون بوجوه متجهمة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على انعدام أسلوب الترغيب في المدارس، وعدم الالتفات لضرورة تبني تغذية الجانب النقدي الحر والجانب الروحي لديهم، ليصبحوا متلقين سلبيين لكل شيء، فلماذا لا يتم تدارك هذا الأمر قبل أن تولد لدينا أجيال لا تُفكر؟
جميلٌ أن يتعلم أبناؤنا الأسس العلمية والأخلاقية الجاهزة في المدارس، ولكن الأجمل أن يتعلموا كيفية التفكير بطريقة تسمح لهم بالوصول إلى الحقائق العلمية والمعلومات الأخرى رغبةً منهم في الوصول لا إكراهاً منهم، لتكون طريقاً خضراء تساهم في توسيع مداركهم وتنمية جوانبهم الفكرية والروحية معاً.
سوسن يوسف