ما قاله بطرس غالي في آخر مقابلة له
الوسط - المحرر الدولي
مع خبر وفاة الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي أمس الثلثاء (16 فبراير/ شباط 2016)، نشر موقع "يلا فيد" الإلكتروني، آخر مقابلة أجراها غالي مع مجلة "Jeune Afrique" الفرنسية في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وهذا نص المقابلة:
في الـ 92 عاماً، كيف تقضي حياتك بين القاهرة وباريس؟
أعمل! أجري مقابلات منتظمة مع مختلف الصحف والتلفزيونات المصرية، كتبت باللغة الفرنسية كما هو الحال باللغة الإنجليزية والعربية ونشرت العشرات من المجلّدات، لكن للأسف أجد الآن صعوبة في القيام بذلك، بسبب تقدّم العمر.
في القاهرة، أذهب بانتظام إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي عُيّنت رئيساً فخرياً له منذ إنشائه، قضيت 6 أشهر في باريس من أجل الاعتناء بصحّتي، لكني أيضاً أترأّس لجان في اليونسكو كأكاديمية القانون الدولي في لاهاي، وأشرفت على عشرات المنظمات الحقوقية وما زلت أشرف على البعض الاخر.
في حالة يُرثى لها، ما هو رأيك بالأمم المتحدة؟
هي في تراجع كامل لسببين، أولاً: التكافؤ الذي كان قائماً بين أكبر قوتين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، منح الأمم المتحدة التوازن، وبعض القوّة. لكن اليوم الولايات المتحدة مُقتنعة بأنها سحقت روسيا وتتصرّف كما لو كانت وحدها، ولذلك رأينا أنّ المشاكل التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تضعف كثيراً المنظمة.المسألة الأخرى وهي جديدة ويتحدّث عنها عدد قليل من الناس، أنه في وقت إنشاء عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة، كان هناك ممثّل واحد فقط في السياسة الخارجية: الدولة. اليوم هناك الكثير من الجهات الفاعلة، من غير الدول، ويمكن أن يكون تأثيرها أكبر بكثير من الدول.
ما وزن [دولة] واليس وفوتونا بجانب مؤسّسة الزوجين Gates؟ الأمم المتحدة ضعفت لأنها تمثّل فقط جزءاً من المجتمع الدولي. لذا يجب أن يكون هناك إصلاح لإيجاد وسيلة لتمثيل المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في الأمم المتحدة. كيفية الاختيار؟ وفقا للتخصّصات؟ البلد المنتمين إليه؟ الأمر لن يكون سهلاً، بل هو مُعقّد من الناحية الفنية ولكنه أمر لا غنى عنه.
هل الجامعة العربية ليست أفضل حالا؟
الجامعة العربية ماتت، لأنها لا تملك وسيلة لتجديد نفسها، كانت فعّالة لأنها كانت محرّرة من هيمنة الدول، الحروب الأهلية والصراعات تشلّ الآن سلطتها. انظروا إلى الاتحاد الأوروبي وتعامله مع مشكلة اليونان المالية، لكن الحال الراهن في العالم العربي يتطلّب عقوداً لإعادة بناء هيكل فعّال للتكامل الإقليمي.
عاصرت عبد الناصر، السادات ومبارك … ما هي وجهة نظرك في الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي؟
عرفته قبل توليه السلطة. وهو رجل يستمع، وأسئلته ذكية، تردّد كثيراً في تولي السلطة، لكنه قرّر أن يفعل ذلك لأنه لا يوجد حل آخر. يحتاج من 2-3 سنوات لتحقيق الاستقرار في البلاد. اكتشفت أنّ الصحافة الفرنسية تملك عداءاً كبيراً تجاه مصر والنظام، تعتبر مرسي مُنتخباً والسيسي انقلب عليه، السيسي أنقذ مصر. لو أنها أصبحت أصولية، 100٪ من الإخوان المسلمين، سينتقل تأثير ذلك غداً إلى باريس.
لا زال كثير من المراقبين يتحدثون عن أن القمع والقيود أكثر قسوة من تلك التي كانت في عهد مبارك؟
مصر في حرب ضد الإخوان المسلمين، كل يوم تنفجر قنبلة – ولا يتكلّم أحد عنها – جنود وضبّاط وقضاة يُقتلون يومياً، وأنتم تريدون منا مع كل هذا احترام جميع القواعد؟ لابد أن نرى الواقع كما هو.
أنا الذي أنشأت المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا عام 1992 والمجلس القومي لحقوق الإنسان، أؤيّد ذلك 100%. لكن نحن في حالة حرب. حاولوا أن تتذكّروا ما حدث في فرنسا عام 1940.
كان للثورة أهداف ديمقراطية، المعارضة أخذت شكل …
لا توجد معارضة، تشكيل حزب سياسي، ليس اختراعاً. كيف نحصل على ديمقراطية بدون أحزاب سياسية جديرة بهذا الاسم، مع وجود 50% من عدد السكّان لا يستطيعون القراءة أو الكتابة؟ الديمقراطية في إفريقيا ليست التصويت ولكن مشاركة جميع الفصائل في السلطة.
عليكم أن تعطونا الوقت، نحن في حالة حرب الآن، وتتحدّث عن الديمقراطية في بلد العديد من مواطنيه غير ملمّين بالقراءة والكتابة، منذ 50 عاماً كان لا يوجد إلا القليل من الأحزاب السياسية وفجأة ظهر عشرات بلا قيمة.
ما هو دور مصر للحفاظ على علاقة متينة مع بقية الدول الإفريقية؟
نجحت مصر في إفريقيا لسببين: الأوّل أننا كنا نتلقى أسلحة من روسيا عن طريق تشيكوسلوفاكيا، ونوزّعها على جميع الدول الإفريقية التي ناضلت من أجل حريّتها دون استثناء. الجزائر والمغرب وزامبيا وموزمبيق إلخ: الجميع جاء للتسلّح في القاهرة.
مرة واحدة أكثر أو أقل حصلوا على الاستقلال الجديد، قدّمنا لهم سياسة عدم الانحياز مع تيتو، نهرو وجمال عبد الناصر. اليوم الحرب الباردة انتهت، اليوم عدم الانحياز انتهى. أصبح الجميع دول مستقلّة، لم تعد بحاجة إلى مثل هذه المساعدات وخسرت مصر هذه السلطة.
كيفية العثور على الدور؟
هذا هو عملية أخرى، خاصة وأننا كانوا معتادون على التحدّث إلى الفرنسيين والبريطانيين والبرتغاليين، ونحن اليوم نتعامل مع المستوطنين الجدد، الصينيون والهنود، وحتى أنجولا وموزمبيق، اللتان تتحدّثان البرتغالية، تساعدهم البرازيل ونحن لسنا على دراية بهذه الطرق والأساليب.