العراق يحتاج الآن إلى التمويل الأصغر أكثر من أي وقت مضى
الوسط - المحرر الاقتصادي
كيف يتسنى لممارسي التنمية أن يشجعوا التنمية الاقتصادية في بعض أجزاء العالم العربي التي تأثرت بالصراع والهشاشة؟ للإجابة على هذا السؤال طرحت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (CGAP) مؤخراً حلولا مختلفة من خلال سلسلة مدونات عن الشمول المالي خلال الأزمات ، وفق ما نقل موقع "البنك الدولي" (21 يناير / كانون الثاني 2016).
وتبرز هذه المدونات حقيقة أنه رغم صعوبة تحقيق التنمية في ظل الصراع والعنف وضبابية الأوضاع، فإن البنية التحتية المالية القوية للقروض الصغيرة يمكن أن تساعد المواطنين على تحمّل الأزمة أو بمعنى آخر مساندة قدرتهم على مواجهة الصدمات الاقتصادية.
وينطبق هذا تماما على العراق اليوم حيث تحاول الحكومة تطبيق إصلاحات سياسية مهمة في الوقت الذي تواصل فيه مقاتلة ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية". فهنا يصبح التمويل الأصغر – بأوسع معانيه التي تشمل القروض والمدخرات والمدفوعات والتأمين للأسر المنخفضة الدخل والشركات الصغيرة – أحد الإجراءات التدخلية التي يمكن أن تشجع النشاط الاقتصادي المحلي وتساعد الناس على إدارة ما يواجهونه من انتكاسات – أو صدمات - اقتصادية بسبب الأوضاع الصعبة في البلاد.
وفي عام 2014، خلص مسح لمؤشر تعميم الخدمات المالية إلى أن 11% فقط من السكان البالغين بالعراق لديهم حساب في مؤسسة مالية رسمية. وهذه هي أدنى نسبة في البلدان التي شملها المسح بالشرق الأوسط، وتقل كثيرا جدا عن المتوسط السائد للبالغين المنتمين للشريحة العليا للدخل المتوسط في أماكن أخرى بالمنطقة حيث يبلغ 70%.
وكشف المسح أيضا فجوة ضخمة بين المواطنين العراقيين من حيث الاقتراض، حيث بلغت نسبة المقترضين بشكل رسمي 4% مقارنة مع 65% قاموا بالاقتراض بشكل غير رسمي، مما يشير إلى وجود طلب أعلى كثيرا على القروض من خارج القطاع المالي الرسمي بالعراق. وكما يظهر استعراض القطاع المالي 2011 للبنك الدولي أيضا فإن النظام المالي في العراق متخلف بشكل خطير حيث يشكل إجمالي الإقراض المحلي للقطاع الخاص 6.2% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد وهو ما يقل عن جميع بلدان المنطقة باستثناء اليمن.
وقبل بدء الصراع مع ما يسمى بتنظيم "داعش" في منتصف عام 2014، كان قطاع التمويل الأصغر في العراق مصدر تمويل لنحو 100 ألف رائد أعمال عراقي منخفض الدخل. ورغم أن هذا يمثل نسبة ضئيلة من أصول القطاع المصرفي العراقي (0.25%) – مع وجود حوالي 150 مليون دولار (175 مليار دينار عراقي) من القروض القائمة – فإنه شمل 12 مؤسسة للإقراض الأصغر تعمل في محافظات العراق الثمانية عشر.
غير أنه في الماضي القريب قامت أربع مؤسسات للإقراض الصغير كانت تعمل في مناطق يسيطر عليها ما يسمى بتنظيم "داعش" بوقف عمليات الإقراض، مما قوض حوالي 15% من سوق التمويل الأصغر الحالي في العراق، ويمثل أكثر من 20 ألف عميل نشط و22 مليون دولار من القروض القائمة و42 ألف فرصة عمل مفقودة، وذلك وفق تقرير البنك الدولي: تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للصراع السوري وتنظيم "داعش "في كردستان العراق.
ورغم ذلك، فإن مؤسسات التمويل الأصغر التي مازالت عاملة تواصل تسجيل طلب مرتفع على القروض والخدمات المالية، وخاصة مع اتباع العملاء استراتيجيات عملية لإدارة احتياجاتهم وتوليد الدخل ومواصلة الاستهلاك المعتاد في البيئة الاقتصادية العامة من تراجع النشاط وفقدان ثقة المستثمرين. ومما فاقم من هذا
الوضع ما يعانيه نشاط الإقراض بالقطاع المصرفي العراقي من مشاكل في السيولة وأوجه ضعف أخرى.