قنابل «موقوتة» على طريق جنيف وموسكو لن تتراجع عن «التطهير»
الوسط – المحرر الدولي
«من السابق لأوانه الحديث عن منح الرئيس السوري بشار الأسد لجوءاً سياسياً في روسيا» ، وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم الجمعة (15 يناير / كانون الثاني 2016).
العبارة وردت في حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى صحيفة «بيلد» الألمانية قبل أيام، وكان يمكن ألاّ تلفت الانتباه، لولا أنه أضاف أن بلاده قدّمت ملجأً للعميل الأميركي إدوارد سنودن و «هذا أصعب من منح اللجوء للأسد». كما أشار إلى «أخطاء ارتكبها الأسد خلال الصراع في سورية».
اعتاد بوتين على ترك عباراته قابلة للتفسيرات والتكهُّنات المتباينة، تمهيداً لتوظيفها لاحقاً وفق الحاجة، أو تجاهلها وكأنها لم تكن.
ويكفي كمثل يُظهر قدرة الكرملين على تجاهل تأكيدات سابقة، أن الرئيس قال منتصف العام الماضي إن «تنظيم داعش لا يشكل تهديداً لروسيا»، ولم تمضِ شهور حتى كانت جيوشها وأساطيلها «تخوض معركة مقدّسة ضد الإرهاب، لتمنع خطر تمدُّده إلى روسيا».
المهم في حديث بوتين ربما لا يكون الإشارة إلى مصير الأسد التي انشغلت بها ردود الفعل، بل في تحديد «رؤية» موسكو لبعض ملامح التسوية السياسية المرجوة بعد انطلاق مسيرة جنيف الجديدة. قال الرئيس الروسي إن «الإصلاح الدستوري شرط أساسي للتسوية (السورية) ويجب أن يسبق أي انتخابات». ويعكس الموقف تبنّياً روسياً كاملاً لوجهة نظر النظام السوري التي نقلها وزير الخارجية وليد المعلم خلال زيارته موسكو أخيراً. وواضح أن تقديم الإصلاح الدستوري على انتخابات الرئاسة والبرلمان سيواجَه باعتراضات شديدة من فريق المعارضة المفاوض، لكن مطبخ القرار الروسي يرى أن هذه الآلية قد تتيح حلاً مقبولاً باعتبار أن تبنّي إصلاحات دستورية تحوّل نظام الحكم إلى نظام برلماني، من شأنه أن يُسقط تلقائياً إحدى عُقَد التسوية ويجعل الحديث عن دور الأسد وصلاحياته أمراً منتهياً.
لكن «القنابل الموقوتة» المزروعة على طريق جنيف، لا تقتصر على ذلك. فإصرار موسكو على شطب عدد من الفصائل المسلحة وعلى رأسها «جيش الإسلام» و «أحرار الشام»، قبل إطلاق مسيرة المفاوضات، لا يلبي رغبة النظام فحسب، ولا يقتصر على التوجُّه إلى تفكيك الهيكل المفاوض الذي تكرَّس بعد اجتماعات الرياض، بل يتيح لموسكو كذلك مجالات لمواصلة العمليات العسكرية في المناطق التي تسعى إلى «تطهيرها» انطلاقاً من أن قرار مجلس الأمن الرقم 2254 ترك المجال مفتوحاً لمواصلة التحرُّك «ضد الإرهاب».
وفي الإطار ذاته، جاء إصرار نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف على ضرورة «التنفيذ الكامل للقرار الأممي»، عبر «تشكيل وفد شامل للمعارضة والتزام موعد إطلاق العملية التفاوضية من دون أي شروط»، معتبراً «اشتراط المعارضة ربط بدء المفاوضات بإدخال المساعدات إلى مناطق محاصرة، انتهاكاً لقرار مجلس الأمن».
وتعكس العبارة تحدّياً روسياً للمناورات التي قامت بها الهيئة السورية العليا للمفاوضات، والتي ركّزت على ضرورة وقف النار والقصف، وفك الحصار المفروض على عشرات المناطق، كشرط ضروري لإطلاق مسيرة المفاوضات.
موسكو ترفع شعاراً مفاده أن موعد 25 كانون الثاني (يناير) «مقدس»، ولا يمكن ربطه بأي شرط ولو تواضعت مطالب المعارضة لتقف عند السماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى المناطق الأكثر تضرراً.
وعلى رغم اقتناع خبراء بأن الفترة المتبقّية حتى حلول موعد «الاستحقاق» (جنيف)، ليست كافية لنزع الألغام المزروعة على طريقه، لكن الأهم بالنسبة إلى موسكو أنها مع تسريع التحرك العسكري الميداني لتعزيز مواقع حليفها على الأرض، ترمي مسؤولية «إفشال» تنفيذ القرار الدولي على كاهل المعارضة السورية التي «فشلت مجدداً في إثبات جدّيتها وقدرتها على المشاركة في عملية سياسية».