انخفاض أسعار النفط يمنح دول الخليج سببا للتركيز على الطاقة النظيفه والإنتاجيه
واشنطن - البنك الدولي
انهيار أسعار النفط عام 2014/2015 قد يتيح الفرصة لدول الخليج للتركيز على استخدام أسلوب التفكير الاقتصادي "الصديق للبيئة" وعلى تعظيم إنتاجية الطاقة بشكل عام. ولدول الخليج مصلحة كبرى في التحوّل العالمي نحو مصادر الطاقة المستدامة، نظرا لضخامة مواردها الهيدروكربونية. ويمكن أن يدعم استخدام هذه الدول للطاقة النظيفة كأداة لزيادة إنتاجيتها نموها الاقتصادي، مما يتيح لها الفرصة للمشاركة الحقيقية في برامج البحوث والتنمية على نطاق واسع. وتكتسي هذه الفرص أهمية كبيرة بالنسبة لكل من أسواق العمل وتنوع الأنشطة الصناعية، إذ إنها توفر الصناعات "المحلية" التي يعد بها السياسيون مواطنيهم من الشباب التي يتزايد مستوى تعليمها.
وإذا كان هناك من فرصة جيدة أمام دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)، لكي تضع إنتاجية الطاقة في صميم أولوياتها وسياساتها، فهذا هو الوقت المناسب. فإنتاجية الطاقة هي مقياس الناتج الاقتصادي الذي تنتجه الوحدة الواحدة من الطاقة المستهلكة. ويمكن أن يتيح انتهاج سياسة إنتاجية الطاقة لدول مجلس التعاون الخليجي أن يعظم المنافع الناتجة عن كل وحدة من الطاقة المستهلكة، وأن يمكنها من التحول من مجرد التركيز على كفاءة الطاقة إلى الاستخدام الأمثل لها. ومن شأن تعزيز إنتاجية الطاقة تمكين دول مجلس التعاون الخليجي من تحديد الأدوات التي تساعد على زيادة معدلات النمو إلى أقصى حد، ودعم القدرة التنافسية لاقتصاداتها.
وبالمقارنة بالدول النامية والمتقدمة، كانت دول مجلس التعاون الخليجي متأخرة عن الركب العالمي في تحسين إنتاجية الطاقة في الفترة من 1980 إلى 2014. وقد أبدت كافة الدول الأخرى اتجاها صعوديا في تعظيم القيمة الاقتصادية لكل وحدة من الطاقة المستهلكة لديها، مع تربع كل من ألمانيا واليابان والبرازيل والمكسيك على قمة إنتاجية الطاقة. وإذا نظرنا إلى الأرقام المطلقة، فقد زادت هذه الدول من إنتاجها من الطاقة بنهاية عام 2014 – ومعها الولايات المتحدة والصين والنرويج- بقيمة تزيد كثيرا عن دول مجلس التعاون الخليجي.
على صعيد آخر، فإن استمرار انخفاض أسعار النفط، إلى جانب تكنولوجيا الطاقة العالمية الجديدة، يتيح لدول مجلس التعاون الخليجي فرصة سانحة لإعادة رسم سياساتها المتعلقة بالطاقة وتوسيع نطاق منتجاتها منها من خلال التركيز على الطاقة النظيفة لدعم القدرة التنافسية للصناعة ومن ثم زيادة إنتاجية الطاقة.
وقد شهد العقد الماضي معدلات نمو مثيرة للإعجاب في دول مجلس التعاون الخليجي من حيث الطاقة النظيفة، التي تتراوح من التكنولوجيات البديلة، إلى برامج البحوث والتنمية المتنوعة، والكفاءة المدفوعة بجانب الطلب، والمنشآت ذات الكفاءة المستدامة، والبدء في إدخال أنظمة النقل العام المتطورة، وتنامي استراتيجيات النمو الصديق للبيئة. وبات كل هذا الآن جزءا من الأخبار اليومية في دول مجلس التعاون الخليجي.
والآن، ينبغي أن يتغير محط تركيز سياساتها. فالاستثمار في دول مجلس التعاون يركز إلى حد كبير على مواكبة النمو السريع للطلب المحلي (على سبيل المثال في الكهرباء والمياه والنقل والبناء). ومع هذا، فإن هذا النهج لم يواكب تنامي الطلب المحلي في قطاعات أخرى. على سبيل المثال، يهدد الطلب المتزايد على الوقود الأحفوري في الأسواق المحلية القدرة التنافسية لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
أما الآن وقد حدد واضعو السياسات أهداف الطاقة المتجددة، فقد بدأت التعهدات التي أعلنتها الحكومات – وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت وقطر- في دعم البحوث والتنمية، مع زيادة التركيز على تكنولوجيا الطاقة المتجددة. وقد تم بالفعل تنفيذ عدد قليل من مشاريع الطاقة الشمسية أو أنها لا تزال قيد التنفيذ حاليا. بيد أنه لم توجد حتى الآن مشاريع مؤكدة للطاقة المتجددة الجاهزة للتنفيذ، أو استثمارات كبيرة في مجال كفاءة استخدام الطاقة. وبالمثل، لا يزال توسيع نطاق الاستثمار في ترشيد استخدام الطاقة بطيئا.
وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي حاليا أحد أكبر التحديات من حيث ضمان إمدادات الطاقة بأسعار ثابتة وفي متناول اليد تجعل التنمية الاقتصادية ممكنة وتضمن الرفاهة لشعوبها.
ويشكل تحسين إنتاجية الطاقة سببا قويا، وربما حتميا، لدول الخليج لتلبية احتياجاتها المحلية من الطاقة، وخلق المزيد من الوظائف في القطاع الخاص، وزيادة القدرة التنافسية لصناعاتها التحويلية المرتبطة بالطاقة . وهذه مبادرة كبيرة تقتضي رؤية مشتركة وسياسات جريئة متكيفة وبعيدة النظر تستفيد من الانسجام فيما بين القطاعات الاقتصادية المعنية في تحسين إنتاجية الطاقة.
ومن شأن طرح مبادرة لتعزيز إنتاجية الطاقة أن يزود دول مجلس التعاون الخليجي بالوسائل اللازمة لتحقيق نمو بعيد المدى، وإبداء التزام قوي بالنمو الصديق للبيئة. وقد شوهدت بالفعل مبادرات طموحة في دول الخليج: والمطلوب حاليا تحقيق التكامل بين السياسات السليمة لوضع منظومة إيكولوجية لزيادة إنتاجية الطاقة المستدامة من أجل تحقيق قيمة اقتصادية أعلى وتخفيض الطلب على الطاقة لكل دولار من قيمة الإنتاج.
و دول الخليج تمتلك المواد الأساسية لكي تغدو أكثر نشاطا في الساحة العالمية للطاقة النظيفة وتطوير تكنولوجيات جديدة ونظيفة. ويكمن التحدي الذي تواجهه هذه الدول في أن تكون أطرافا فاعلة في ابتكارات تكنولوجيا الطاقة، وفي تنويع آفاق صناعات الطاقة لديها، وإعادة بناء القدرة التنافسية لقطاعات الطاقة العالمية لديها.