حكومة العبادي بين تردد إدارة أوباما واندفاع بوتين
دويتشه فيله
تبدو السياسة الخارجية العراقية مترددة ومرتبكة أما تجاذب المحاور المتنافسة في المنطقة بين واشنطن وموسكو من جهة وفاعلين إقليميين آخرين كتركيا وإيران، فيما لا تزال أجزاء كبيرة من البلاد خاضعة لتنظيم "داعش".
يبدو العراق اليوم في وضع لا يحسد عليه أمام التطورات المتسارعة التي تعرفها المنطقة، فيما تبدو سياسته الخارجية مرتبكة وغير قادرة على التفاعل مع مبادرات الفاعلين الأساسيين في محيطها الإقليمي والدولي. ولعل آخر فصول هذا الارتباك إرسال تركيا لقوة عسكرية إلى معسكر قريب من خط المواجهة في شمال العراق وما أثاره من انتقادات في بغداد.
بيد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أن إرسال القوات التركية ما كان ليتم لولا موافقة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وبعد احتجاجات شديدة اللهجة عادت بغداد لتهون من خلافها مع أنقرة وأكدت أن جهود حل الخلاف تسير بشكل ايجابي.
ضعف الحكومة العراقية يظهر أيضا وبشكل جلي في عجزها وارتباكها أمام الاستقطاب الحاد بين روسيا والولايات المتحدة اللتان دخلتا ما يشبه حربا باردة جديدة. ففي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أوضح رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال جوزيف دنفورد في أول زيارة له للعراق منذ تولى منصبه أن واشنطن حصلت على تأكيدات من العراق بأنه لن يطلب ضربات جوية روسية ضد تنظيم "داعش" مشيرا إلى أنه حذر بغداد من أن أي دور جوي روسي سيعرقل الحملة التي تقودها الولايات المتحدة.
وبهذا الصدد أكد زهير كاظم عبود القاضي والمحلل السياسي العراقي المقيم في السويد في حوار مع DWأن "الاتفاقية الإستراتجية التي تربط واشنطن ببغداد لا تمنع العراق من التحرك اتجاه روسيا وتفعيل الاتفاقية السابقة مع الاتحاد السوفييتي سابقا"، محذرا الحكومة العراقية من الانحياز الكامل لمحور على حساب المحاور الأخرى.
استقطاب من النافذة الأمنية؟
فرض التدخل الروسي في سورية معادلة جديدة في الشرق الأوسط، إذ أعاد هذا التدخل الأمل لنظام الأسد المتهالك وعزز من التحالف الذي تمثله إيران وسورية وحزب الله، وبات يغازل العراق من النافدة الأمنية، فوجدت بغداد نفسها في موقع لا تحسد عليه. فقبل أسابيع أعلنت الرئاسة الروسية إنشاء مركز لتبادل إنشاء مركز لتبادل المعلومات الاستخباراتية لمكافحة تنظيم "داعش" في بغداد.
وكشف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنه تم توجيه الدعوة إلى متخصصين عسكريين أميركيين للعمل في المركز إلا أن واشنطن رفضت الدعوة. ويتعاون في هذا المركز خبراء أمنيون من روسيا و سورية والعراق وإيران لتحليل المعلومات وتنسيق التحركات ضد "داعش". وذكرت تقارير إعلامية أمريكية أن واشنطن فوجئت بالتعاون الأمني الجديد بين العراق وإيران وروسيا وسورية. وأبدت الإدارة الأميركية تشككها حيال المركز في ظل إمكانية استخدام نظام الأسد المعلومات في الحرب على مجموعات معارضة معتدلة.
من جهتها أعلنت الإدارة الأميركية استعدادها لاستخدام طائرات هليكوبتر هجومية ضد تنظيم "داعش" في معركة استعادة السيطرة على مدينة الرمادي في العراق إذا طلبت بغداد ذلك، بحسب وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر. وأوضح المسئول الأميركي أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن بلاده "مستعدة لمساعدة الجيش العراقي بوسائل إضافية" من أجل "إنهاء المهمة" في مدينة الرمادي.
وهذه المساعدة قد تشمل "مروحيات هجومية ومستشارين عسكريين، إذا طلب رئيس الوزراء حيدر العبادي ذلك"، والكلام لوزير الدفاع الأميركي. وفي السياق ذاته أعلنت وكالة "مدى برس" العراقية وصول 200 جندي أميركي للعراق لمساعدة الجيش العراقي في معركة تحرير الأنبار من قبضة تنظيم "داعش".
ويرى المحلل السياسي زهير كاظم عبود أن"المعاهدة الإستراتجية التي أبرمها العراق مع الولايات المتحدة الأميركية تبدو غير ذات فاعلية، أمام ما التطورات في المنطقة وفي العراق بالتحديد"، ما يفسر الحيرة والتذبذب في التعامل مع ضغوطات الفاعلين الإقليميين والدوليين.
"على العراق ألا ينحاز لأي محور"
ويرى زهير كاظم عبود أنه يتعين على العراق" اللجوء للأمم المتحدة والتحالف الدولي وروسيا للحفاظ على مصالحه ووحدة أراضيه"، مؤكدا أن التعاون مع موسكو لم يمس لحد الآن العلاقة الإستراتيجية الأميركية العراقية. واستطرد بهذا الصدد موضحا "أنا لا أعتقد أن العلاقة مع الإدارة الأميركية ستضعف تدريجيا، لأن التعاون الأمني بين العراق وروسيا لا يلغي العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ضد الإرهاب العالمي". ودعا الخبير العراقي حكومة بغداد للتعامل بذكاء مع التناقضات التي تفرضها التطورات في المنطقة، وعدم الانجرار لفخ الانحياز لمحور على حساب محور على حساب آخر.
وأضاف الكاتب والمحلل السياسي زهير كاظم عبود أن قدر العراق، شاء أم أبى هو التأثر بهذه المحاور وتجاذبتها، ما يفسر المأزق الحالي للسياسة الخارجية العراقية، التي يتعين عليها "تجنب الانحياز لأحد المحاور المتنافسة". ووفقا لهذا المنطق فمصلحة بغداد هي في التعاون والتنسيق مع جميع القوى الفاعلة إقليميا ودوليا بهدف "إخراج المجاميع الإرهابية من الأراضي العراقية والسورية".
ولم يفت الخبير العراقي انتقاد سياسة إدارة الرئيس الأميركي بارك أوباما فيما آلت إليه الأوضاع في المنطقة "الإدارة الأميركية مترددة وهي موضع اتهامات من قبل بغداد والشارع العراقي، إذ لا يبدو أنها جادة وحازمة في أساليب محاربتها للتنظيمات الإرهابية في المنطقة"، والكلام للكاتب العراقي.