جندي لبناني يروي محنة اختطافه لدى جبهة النصرة
الوسط – المحرر السياسي
انتظر الجندي اللبناني جورج خوري 16 شهراً ليتمكن من العودة إلى كنف عائلته واللهو مع طفليه مايكل واندرو، الذي ولد فيما كان هو والعديد من رفاقه العسكريين مخطوفين لدى جبهة النصرة، يساورهم الخوف من المجهول ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "القبس" الكويتية اليوم الإثنين (7 ديسمبر / كانون الأول 2015).
يقول خوري (30 عاما) وهو يتوسط والدته وزوجته ماري وطفليه مايكل (4 سنوات) وأندرو (سنة) داخل منزله في القبيات لـ «فرانس برس»: «يا الله، كم انتظرت أن أرى ابني مايكل». وحين رأيته «لم أعرفه فقالوا لي أنظر جيداً، وعندما عرفت ابني بدأت بالبكاء».
ويشير الى ان زوجته كانت حاملا في اندرو لدى خطفه. وعندما ولد لم يكن اول من حمل طفله وبقرب زوجته. ويصمت لثوان قبل ان تسارع ماري الى القول «الحمد لله، حياتي ممتلئة بالفرح الآن».
خوري الرقيب في الجيش هو أحد العسكريين الـ 16 الذين أفرجت عنهم «النصرة».
عندما بدأت المعركة
وفي الثاني من أغسطس 2014، وقعت معارك عنيفة بين الجيش ومسلحين قدموا من سوريا ومن داخل مخيمات للاجئين في عرسال، انتهت بإخراج المسلحين من البلدة، لكنهم اقتادوا معهم 29 من الجيش والامن الداخلي، قتل الخاطفون اربعة منهم. ولا يزال تسعة لدى «داعش». لم يكن خوري اثناءها يشارك في القتال نظراً لطبيعة عمله الاداري، اذ تم نقله الى عرسال العام الماضي بعد خدمته منذ 2005 في احد المستشفيات العسكرية.
ويضيف «في الثاني من اغسطس وبينما كنا نحتسي القهوة مع قائد كتيبتنا في عرسال استشهد الرقيب يحيى الديراني برصاصة قنص وبدأت المعركة».
ويستعيد بأسى ما حدث آنذاك. ويقول فيما والدته تصغي وملامح الخوف على وجهها «أتى إلي أحد الجنود وقد خرقت رصاصة أحشاءه قائلا: لا أريد أن أموت، أريد العودة إلى أولادي».
ويروي كيف أن جندياً آخر اصيب امام عينيه برصاصة في رأسه عندما كان يحاول تأمين الغطاء الناري ليتمكن رفاقه من التحرك من المكان المحاصر.
«داسونا بأرجلهم وأهانونا»
بعدها بدقائق، وجد خوري نفسه محاصراً من مسلحين «مقنعين ومدججين بالسلاح». ويقول «أذكر أن عشرين منهم على الاقل التفوا حولي وتعهد أحدهم بألا يقتلني إذا سلمت نفسي». ويشير الى ان احد المسلحين سارع الى اخذ هاتفه النقال منه قبل نقله ووضعه مع آخرين داخل شاحنة صغيرة نقلتهم الى احد مساجد عرسال. ويضيف «داسونا بأرجلهم وشتمونا وأهانونا ولكنني لحسن حظي لم أتعرض للضرب».
المغارة الآمنة
ظن العسكريون المخطوفون حينها ان محنتهم لن تدوم طويلا. لكن مع اشتداد حدة المعارك، أبلغهم المسلحون بانه سيتم نقلهم الى «مكان آمن»، تبين انه عبارة عن مغارة، لتبدأ مشقة التنقل بين الكهوف لمدة 16 شهراً.
ولم تكن الاسابيع الاولى سهلة على المخطوفين وهم سط الظلام ومعصوبو الاعين لساعات الا حين تناولهم الطعام او قضاء حاجاتهم، بحسب خوري. وللحفاظ على معنوياتهم مرتفعة، كانوا يقضون وقتهم في التحدث عن عائلاتهم، آملين في العودة.
خلال فترة الخطف تعددت طرق التعامل مع العسكريين. يقول خوري ان بعض حراسهم كانوا يتحدثون معهم احيانا ويسمحون لهم بالتجول في الخارج، وكانوا يستمعون منهم الى دروس في الشريعة الاسلامية. وعلى الرغم من كونه مسيحيا، يشير خوري الى انه لم يتعرض لاي ضغط ليتحول الى الاسلام.
لكن مجموعة اخرى من الخاطفين كانت تلجأ الى تكتيكات نفسية مختلفة، على غرار اطلاق المفرقعات النارية في الخارج لإيهام العسكريين بأنهم معرضون لخطر الموت.
إعدام الجنديين حمية والبزال
وبعد أكثر من شهر على خطفهم، أعدمت جبهة النصرة الجندي محمد حمية. ويقول خوري «بكيت حينها لمدة يومين على التوالي»، مضيفاً انه بعدها تم فصل الجندي علي البزال، المنتمي وحمية الى الطائفة الشيعية، عن المجموعة ونقله الى سجن انفرادي، حيث عانى طيلة اسابيع من العزلة وسوء التغذية قبل ان يتم اعدامه ايضا.
التبادل.. خيبات وآمال
ورغم حالة الإحباط والخيبات مع تعثر جولات تفاوض عدة لاطلاق سراحهم، لم يفقدوا الأمل في العودة الى عائلاتهم. ويوضح خوري انه تبلغ ورفاقه الاسبوع الماضي بوجود صفقة، وسمح لهم الخاطفون بالاستحمام وارتداء ثياب نظيفة والاستعداد للمغادرة.
ولدى وصولهم الى جرود عرسال أبلغوا بتعثر المفاوضات مجددا. واشار خوري الى أنه بدا يرتجف وانصرف الى الصلاة خوفا من تلاشي حلمه بالعودة. بعدها بقليل تم نقله مع عدد من رفاقه الى سيارة اسعاف للصليب الاحمر تولت ايصالهم الى حاجز للجيش. عندها اجرى خوري اتصالاً بوالدته من هاتف خليوي كان بحوزة احد افراد طاقم السيارة: «قلت لها: «امي، انا جورج» فأجابتني «جورج من؟». قلت لها انا ابنك، وبدأت تصرخ من الفرح».