"وزير بالخارجية البريطانية ": مواجهة "داعش" تحتاج قوات برية
الوسط - المحرر الدولي
بعد موافقة مجلس العموم البريطاني على شنّ ضربات جوية على مواقع تنظيم "داعش"في سورية، واعتبار رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون أن ضرب التنظيم في سورية من شأنه أن يوقف الإرهاب في بريطانيا، قال وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية، توبياس إلوود في مقابلة لصحيفة "العربي الجديد" اليوم السبت (5 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، الذي أكد أن العمل العسكري ضد التنظيم يحتاج إلى قوات برية محلية أو إقليمية تستكمل على الأرض ما تحققه الضربات الجوية.
بالنسبة لقرار مجلس العموم والسماح لسلاح الجو البريطاني بتوسيع عملياته إلى الأجواء السورية، ما الذي دفع الحكومة البريطانية لطلب هذا التفويض في هذا الوقت بالذات؟
بعد اعتداءات باريس، وما سبقها من عمليات إرهابية تبنتها التنظيمات المتشددة، من تفجير الطائرة الروسية في مصر والاعتداءات الإرهابية في لبنان ومالي وحتى الاعتداءات في تونس التي قُتل فيها 30 بريطانياً، لم يعد من المقبول الانتظار وترك "داعش" يمارس كل هذا الإرهاب إما بشكل مباشر أو بالوكالة عبر تنظيمات تتبنى نهجه وأفكاره المتطرفة الإرهابية، لذلك توجّه رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، إلى مجلس العموم البريطاني، للحصول على تفويض بتوسيع عمليات سلاح الجو البريطاني من الأجواء العراقية إلى الأجواء السورية لضرب مواقع التنظيم وقياداته في عقر داره في الرقة وما حولها قبل تمكّنه من تنفيذ عمليات إرهابية في لندن أو غيرها من المدن البريطانية على غرار ما حدث في باريس أو أماكن أخرى.
كما أن هناك عوامل أخرى شجّعت رئيس الوزراء على هذه الخطوة، ومنها على وجه الخصوص صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2249، الذي دعا الدول الأعضاء إلى القيام بكل ما في وسعها لمضاعفة وتنسيق جهودها لمنع وإيقاف الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد "داعش" والكيانات المرتبطة بتنظيم "القاعدة".
والعامل الآخر هو تفعيل الاتحاد الأوروبي لبند "التضامن المتبادل" ضمن الاتحاد بعد هجمات باريس، وهو ما يعني أن كل دول الاتحاد الأوروبي تتحمّل واجب منع وقوع كارثة، وذلك من خلال دعم استراتيجية تكاملية لضمان أمن واستقرار واستمرارية كيان الاتحاد الأوروبي. وهذه الظروف الأمنية والسياسية قد هيّأت الأرضية المُقنعة لأغلبية النواب للتصويت على الاقتراح الحكومي الذي صوّت لصالحه 397 نائباً، مقابل 223 صوتاً ضده، بأغلبية 174 صوتاً. ناهيك عن أن رئيس الوزراء لم يشأ التقدّم بالاقتراح إلا بعد أن أصبح واثقاً من الحصول على التفويض المطلوب مع تعبير عدد كبير من النواب، بمن فيهم نواب من حزب العمال المعارض، عن تأييدهم للتوجّه الحكومي.
هل ترى أن مساهمة الطائرات البريطانية سوف تحدِث فرقاً في سماءٍ تعجّ بالطائرات التي تستهدف "داعش" في العراق وسورية، والى أي حد ستتمكن الغارات الجوية البريطانية وغيرها من حسم المعركة مع التنظيم؟
حصول الحكومة على تفويض من مجلس العموم، وشروع طائرات سلاح الجو البريطاني في تنفيذ غارات على مواقع "داعش" على الأراضي السورية، لا يجب أن يقلّل من تعقيدات المسألة، لأن العمل العسكري ضد هذا التنظيم في سورية سيستغرق وقتاً، ويحتاج للكثير من الصبر والعمل الدؤوب. كما أنه يحتاج إلى قوات برية محلية أو إقليمية تستكمل على الأرض ما تحققه الضربات الجوية، فمن المعلوم أن القصف الجوي، ومهما كانت دقته في استهداف مقرات "داعش" وقياداته، إلا أن تحرير الأرض يحتاج إلى قوات برية تسيطر على المناطق التي ينسحب منها مقاتلو التنظيم، وهنا بالضبط تكمن أهمية الاعتماد في العمليات البرية على قوات البشمركة الكردية، وفصائل أخرى من المعارضة السورية المعتدلة، التي ثارت في العام 2011 على النظام السوري، ولكنها ترفض الانضمام إلى "داعش" وغيرها من التنظيمات المتطرفة.
إلى أي مدى ستساهم ملاحقة "داعش" من الجو أو دحره براً في تقدّم العملية السياسية وعودة الاستقرار إلى سورية؟
ما يدعو إلى التفاؤل هنا أن العمل العسكري ليس معزولاً، بل سيسير بالتوازي مع العملية السياسية التي انطلقت أخيراً في فيينا، حيث كانت المحادثات بين مختلف الأطراف المشاركة بنّاءة. لقد أدرك الجميع بعد اعتداءات باريس مدى الحاجة العاجلة لرد موحّد وقوي للتوصل لحل للحرب الأهلية في سورية، وضمان التزام الجميع بمكافحة التهديد البربري الذي يشكّله "داعش" وأتباعه. وهناك حالياً زخم وراء عملية بذل الجهود لتحقيق السلام للشعب السوري. وقد توافق الجميع على العمل لوقف إطلاق النار، ورسم مسار يحقق للسوريين تولّي زمام مصيرهم بأنفسهم. كما أظهر توافق الدول الكبرى في مجلس الأمن بالإجماع لتبنّي القرار 2249، الذي شاركت المملكة المتحدة برعايته، وحدة المجتمع الدولي في جهوده الرامية لهزيمة "داعش". ولهذا السبب تعمل المملكة المتحدة ضمن التحالف العالمي لإضعاف وهزيمة التنظيم في سورية والعراق.
بالنسبة لأزمة اللاجئين التي تواجهها أوروبا حالياً، يأخذ البعض على بريطانيا تواضع مساهمتها في هذا الملف؟
هذه الأزمة هي وجه من أوجه الكارثة السورية الأكبر، وبريطانيا التزمت بواجباتها الإنسانية لمواجهة أزمة اللاجئين من خلال عدة إجراءات لا ترتبط بأعداد أو كمية اللاجئين الذين نستقبلهم، ولكن بنوعية وحجم المساعدات التي نقدّمها على أكثر من وجهة. أولاً قررت بريطانيا استقبال 20 ألف لاجئ سوري على مدار السنوات الخمس المقبلة من مخيمات اللجوء في دول الجوار السوري بحيث يصلون إلى المملكة المتحدة بأمان بدل المجازفة برحلة خطيرة. الأمر الآخر هو مساعدتنا في إحلال الاستقرار في الدول التي يأتي اللاجئون منها. كما نعمل مع المجتمع الدولي من أجل حل سياسي في سورية، وملاحقة العصابات الإجرامية التي تتاجر بهؤلاء اللاجئين.
ولكن الحل السياسي الشامل هو الكفيل بإنهاء معاناة الشعب السوري، لأن استضافة اللاجئين في أوروبا هو حل مؤقت يساعد إنسانياً ولكن لا يحلّ جذرياً الأزمة السورية الكبرى. ولغة الأرقام تُظهر أن المملكة المتحدة كانت ولا تزال في مقدمة الدول المساعدة للشعب السوري والمنطقة ككل، إذ تعهدت بتخصيص مليار جنيه استرليني (نحو مليار و500 مليون دولار) لذلك، وهو أكبر مبلغ تخصّصه لأزمة إنسانية واحدة. ويغطّي الدعم البريطاني الآلاف من الأشخاص النازحين في سورية، واللاجئين في تركيا ولبنان والعراق ومصر، حيث خُصص مبلغ 500 مليون جنيه إسترليني (نحو 750 مليون دولار) لمساعدة اللاجئين في المنطقة و500 مليون جنيه استرليني لدعم أولئك الذين بحاجة إلى مساعدة داخل سورية.
بالانتقال إلى الملف اليمني، كيف تنظر بريطانيا إلى التطورات الميدانية والسياسية في ذلك البلد الذي يعاني من كارثة إنسانية وتعثّر في المسار السياسي؟
هناك حاجة عاجلة لإنهاء الصراع في اليمن، وإحلال الاستقرار طويل المدى في البلاد ومعالجة الكارثة الإنسانية. بريطانيا تدعم العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة لإحلال سلام دائم في اليمن، لأن الحل السياسي هو أفضل سبيل لتحقيق السلام والاستقرار، وبالتالي يتعيّن على كافة أطراف الصراع المشاركة بشكل بنّاء وبحسن نية، مع الاهتمام بالوضع الإنساني الصعب جداً، من خلال التعاون لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والسلع التجارية، بما في ذلك عبر الموانئ اليمنية، وضرورة حماية المدنيين من القتال.
ماذا عن التدهور في الأوضاع الأمنية وانسداد أفق العملية السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟
لطالما دعونا كافة الأطراف للامتناع عن العنف، وشجعنا القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية على المبادرة لتهدئة الوضع وتجنّب أي تدابير قد تزيد من التوترات. نحن نتفهّم حالة الإحباط العميقة بسبب عدم إحراز تقدّم بعملية السلام في الشرق الأوسط، ولكن أعمال العنف الحالية تؤكد أن التوصّل لحل عادل ودائم على أساس حل الدولتين يحقق السلام لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.
كيف أثّرت التحديات الأمنية والسياسية على مجمل علاقات بريطانيا بالدول العربية؟
لم تُثنِ الأحداث الصعبة والتحديات المعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط، المملكة المتحدة عن مواصلة دورها لتوطيد علاقاتها التجارية والثقافية مع عدد من الدول العربية في الخليج العربي بالإضافة إلى مصر والأردن ولبنان وتونس والمغرب، إذ شهدت التبادلات التجارية والشراكات الاستثمارية والعلاقات الثقافية بين بريطانيا وهذه الدول نشاطاً ملحوظاً ونمواً إيجابياً خلال السنوات الأخيرة. ونحن نرى في تطوير العلاقات التجارية والثقافية بين بريطانيا والدول العربية، رداً منطقياً على التحديات الإرهابية التي تسعى إلى هدم الاستقرار والتنمية في المنطقة العربية، وتعمل على نشر ثقافة الإرهاب والكراهية والتطرف بديلاً عن ثقافة التعاون والتعايش والتفاهم.