شباب تونس... الهجرة حباً أو الهجرة تهريباً
دويتشه فيله
تتشعب طرق الوصول إلى أوروبا وتتنوع قصص الشباب التونسي الحالم بالوصول إلى "جنة" الغرب هروبا من واقع بلده. بعضهم يأخذ درب التهريب وآخر يبحث عن صديقة أوروبية تقله معها حتى وإن كانت تكبره بأكثر من عقدين.
في حي التضامن أكبر حي شعبي في العاصمة التونسية وفي كل الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة، يحلم أغلب الشباب بالهجرة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. التقينا قيس ميموني، شاب في أواخر الثلاثينات خريج تعليم عال وعاش لمدة من الزمن في كندا ومازال العيش في الغرب يدغدغه. يقول قيس "في الزقاق الذي أسكنه بحي التضامن هاجر قرابة 50 شابا بطريقة غير شرعية هروبا من القهر والظلم في تونس". ويوّصف قيس الظاهرة بشكل دقيق ويوضح أن "الإصرار على الهجرة كبير لدى فئات من الشباب المهمّش من أبناء الأحياء الفقيرة، أخي مثلا حاول الهجرة إلى أوروبا انطلاقا من شواطئ تونس عديد المرات ولم ينجح وألقي القبض عليه، ثم حاول من شواطئ ليبيا فغرق ثلاث مرات في البحر المتوسط ولم ينجح في الوصول إلى ايطاليا إلا في المرة الرابعة."
قيس ميموني، شاب في أواخر الثلاثينات خريج تعليم عال وعاش لمدة من الزمن في كندا ومازال العيش في الغرب يدغدغه
عن سبب إصرار الشباب على الهجرة يقول قيس "الوحش (الغربة) ولا الأذى" ويعني أن الشباب يرضى بالمخاطرة على أن يعيش الأذى في بلده. ويضيف"مهربي البشر أو تجار البشر كما يطلق عليهم هم منقذو البشر لأنهم يخرجون شبابا محطما نفسيا من بوتقة التهميش الاجتماعي والفقر والخصاصة". ويضيف أنه اختار الهجرة قبل الثورة بسنوات، حينها كان شباب الحي الذي يسكنه يعانون ما بين الإصلاحية (سجن الأحداث) والسجن. واليوم لم يتغير شيء إذ ليس هناك فرص للشباب ويوضح "ثم إن المجتمع وأعوان الأمن الذين يمثلون سلطة الدولة يجعلون من الشباب مجرمين رغما عنهم، ويساهمون في تحطيمهم ولا يدعون لهم غير سبيل الهجرة نحو أوروبا أو بؤر التوتر."
لكن الشباب التونسي الذي يهاجر إلى أوروبا ليس فقط الشباب المحطم اجتماعيا والهارب من التسلط والظلم والفقر بل أيضا الشباب العامل. سامي (اسم مستعار) عامل بنزل اختار طريق القلب والحب للوصول إلى أوروبا وتحديدا ألمانيا. يقول سامي في تصريح لـDW عربية " العيش في ألمانيا حلمي ولذلك أتقنت اللغة الألمانية ولكن لن أركب قوارب الموت. لقد أحبتني امرأة ألمانية صحيح أنها تكبرني بأكثر من 25 سنة ولكن ليس للحب عمر.." ويضيف سامي "دعتني صديقتي الألمانية لقضاء شهر واحد وتقدمت إلى السفارة وحصلت على تأشيرة دخول رسمية ولكن لم أشأ المكوث في ألمانيا بطريقة غير شرعية. سأتزوج هذه السنة أو التي بعدها وعندها سأسافر للعيش هناك".
شبكات مهيكلة للهجرة
يرى مختصون أن مئات الشبان والشابّات يركبون إما قوارب الصيد نحو ايطاليا أو يهاجرون إلى تركيا ثم يعبرون باتجاه البلقان أو بلغاريا فالنمسا ثم ألمانيا. ويؤكد نور الدين النيفر، الأستاذ بالجامعة التونسية ومدير البحوث في العلوم الأمنية بمدارس قوات الأمن التونسية، في حديث لـ DW عربية "وجود شبكات عابرة للأوطان تمتهن الهجرة السرية تسفّر إلى سوريا للالتحاق بداعش والقاعدة وتهجر نحو ايطاليا عبر قوارب صيد تتم سرقتها أو شرائها وتقديم الرشاوى لبعض أعوان الأمن لغض النظر عن رحلاتهم."
نور الدين النيفر، الأستاذ بالجامعة التونسية ومدير البحوث في العلوم الأمنية بمدارس قوات الأمن التونسية
وشجع تعاطف الشعب الألماني واستقباله لمئات الآلاف من المهاجرين ظاهرة الهجرة إذ "أصبح الشباب يبحث عن أي وسيلة لالتحاق بأوروبا، فإلى جانب قوارب الموت أصبح الشباب يسافر نحو تركيا والوجهات الأخرى لبلوغ أوروبا. كما يلجأ بعضهم إلى اعتماد السفر العادي الاختفاء بين الناس بمجرد الوصول لأحد مطارات القارة العجوز" حسب النيفر.
ويدفع البحث عن طريق للوصول إلى الجنة الموعودة بعض الشباب للوقوع بين براثن تجار المخدرات وشبكات الدعارة. ويبيّن الخبير الأمني وجود "شبكات للرقيق الأبيض تهرب الفتيات للعمل في الدعارة، وهناك آلاف من الفتيان والفتيات يدفعهم الحلم الأوروبي للزواج بمواطنين أوروبيين يفوقونهم سنّا بعقود."
ولا توجد إحصائيات رسمية عن عدد المهاجرين ولكن يرجج الخبير الأمني أن "أعداد الذين يحاولون الهجرة خلال موسم الهجرة الذي يمتد على أشهر الصيف وخلال فترة الربيع انطلاقا من الشواطئ التونسية حوالي 500 نفر كل أسبوع يتمكن الحرس البحري بالتعاون مع البحرية الايطالية من إيقاف حوالي 80 % منهم"، أما من ينجح ويصل إلى ايطاليا فيتنقل في أرجاء أوروبا ويختار في أغلب الأحيان ايطاليا أو ألمانيا أو فرنسا للإقامة.
عجز الدولة وضعف تأثير المجتمع المدني
ويرجع المهتمون بموضوع الهجرة تنامي الظاهرة في تونس إلى تفكك بنية المجتمع التقليدي وتفاقم ظواهر البطالة والعنف والفقر. ويؤكد نور الدين النيفر، أن من بين أسباب تنامي ظاهرة هجرة الشباب التونسي "تفكك بنية المجتمع والأسرة وتزايد منسوب العنف المرتبط بالبطالة والانحراف وتعاطي المخدرات والجريمة المنظمة بما في ذلك الإرهاب والتهريب وانخرام علاقة المواطن بالدولة وتفشي ظاهرة تحدي القانون من قبل الحركات الاجتماعية والنقابية والعشائرية والعائلية".
كما تعود أسباب الهجرة إلى تفشي البطالة بفعل انعدام الاستثمار وتزايد عدد خريجي التعليم العالي الذين "يجدون أنفسهم أمام شبكات مهيكلة للتهريب برا وبحرا تغنم من عملية تهريب جماعة معينة ما يقارب 100 ألف يورو" حسب الخبير الأمني.
يقول نور الدين النيفر: "أصبح الشباب يبحث عن أي وسيلة لالتحاق بأوروبا، فإلى جانب قوارب الموت أصبح الشباب يسافر نحو تركيا والوجهات الأخرى لبلوغ أوروبا. كما يلجأ بعضهم إلى اعتماد السفر العادي الاختفاء بين الناس بمجرد الوصول لأحد مطارات القارة العجوز"
وأمام تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، لم تعد الدولة قادرة على استيعاب ظاهرة الهجرة السرّية. ويفسر النيفر ذلك "بوجود مناطق سوداء لا يمكن مراقبتها لمحدودية وسائل الدولة التقنية من جهة ولتضخم الظاهرة واطلاع أفرادها على التقنيات الأمنية إذ تجنّد عصابات التهريب أعوان أمن معزولين أو حديثي الانخراط بالمؤسسة الأمنية وقد تم الكشف عن العديد منهم مؤخرا ومعاقبتهم".
وليس دور المجتمع المدني بأكثر فاعلية من دور الدولة، إذ ورغم إطلاق المبادرات والبرامج فإن دورها يبقى محدودا. ويرى محمد إقبال بالرجب الناشط بالمجتمع المدني في تصريح لـ DW عربية أن "هنالك مبادرات مختلفة من بعض الجمعيات لتوعية الشباب بمخاطر الهجرة السرية لكن هذه المبادرات لم تأت بجديد أو تقدم بدائل وحلول لمشكلات الشباب، فيخير الشباب عبور البحار في محاولة للوصول إلى أوروبا برغم وعيه بالمخاطر التي تهدده".
ويتفق الخبراء على أن مقاومة أسباب الهجرة على المستويات الاجتماعية والاقتصادية هو السبيل الوحيد لوقف تدفق الشباب التونسي على أوروبا إذا لن تجدي الحلول الأمنية أو المبادرات المجتمعية أمام إصرار الشباب على الهجرة.