الصراع والتنمية: استراتيجية مجموعة البنك الدولي الجديدة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا
واشنطن - البنك الدولي
في فبراير/ شباط 2012، كتبت مدونة الثورات العربية التي اكتسحت المنطقة وارتباطها بوثيقة الأمم المتحدة التي صدرت آنذاك تحت عنوان "شعب قادر على الصمود، وكوكب قادر على الصمود: مستقبل جدير بالعبور إليه" الداعية إلى اعتماد أهداف التنمية المستدامة. وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة، اعتمد قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة وهي أجندة طموحة تستهدف إنهاء الفقر وتعزيز الرخاء وحماية البيئة.
وبالعودة إلى عام 2012، قلت في مدونتي إن على الاهداف التي تطالب بها الجماهير في "الربيع" العربي، هي نفسها أهداف التنمية المستدامة ": وهي النمو الاقتصادي والمساواة والاحتواء وسياسات تبعدنا عن الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية (مثل قضايا المياه ودعم الطاقة وغير ذلك من السياسات التي تسيء توجيه الموارد في المنطقة)." جميع قضايا التنمية المستدامة لا تزال حاضرة الآن إلا أن قضية الصراع المستمر الذي تعيشه المنطقة الآن لم يخطر ببالنا آنذاك. فالعراق وليبيا وسورية واليمن كانت متماسكة إلى حد كبير، رغم وجود مؤشرات على ما يحدث الآن، كما أن إمكانية تحقيق نتائج إيجابية بدت ممكنة أكثر من أي وقت مضى بعد هزيمة التنظيمات المسلحة التي سبقت ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن بعد انقضاء ثلاث سنوات ونصف فإن السمة الأبرز في معظم أنحاء المنطقة هي الهشاشة والصراع. فهناك حرب مفتوحة في جميع البلدان الأربعة وجيل جديد من المتطرفين يمثل تحديا جسيما في أنحاء المنطقة ويصل إلى أوروبا والولايات المتحدة وما بعدهما.
في الواقع فإن الهشاشة والصراع يمثلان تحديا عالميا وفي مثال واحد فقط فإن العالم يسجل الآن 60 مليون مشرد مقابل 45 مليونا عام 2012 ،منهم 700 ألف لاجئ سوري في الجوار وحوالي مليوني نازح داخل سورية. اليوم تصل أعداد اللاجئين السوريين إلى أكثر من 4 ملايين لاجئ خارج سورية و8 ملايين نازح في الداخل. علاوة على ذلك، هناك الآن 4 ملايين نازح عراقي داخليا فيما تستضيف تركيا وحدها 100 ألف لاجئ عراقي. وهذا لا يقتصر على سوريا والعراق فقط حيث يعاني اليمن وليبيا من نفس المأساة الإنسانية.
كل ذلك يبرز حقيقة التحدي الذي نواجهه على المستوى العالمي والإقليمي، فحجم المساعدات الإنسانية المطلوبة اليوم ضخم جدا ولم يتم تلبية الكثير منها.ففي عام 2000 بلغ الإنفاق العالمي على المساعدات الإنسانية 2 مليار دولار وفي 2014 وصل إلى 25 مليار دولار. ورغم زيادة الارتفاع في المساعدات هذا العام إلا أنها ما زالت أقل بنسبة 40 في المئة عن الاحتياجات المطلوبة.. وفي الوقت ذاته فإن الصراعات تكلف الاقتصاد العالمي 14.3 تريليون دولار أي أكثر من 13 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. ومع ذلك فإن الفرق بين االمساعداتالإنسانية والمساعدات التنمويةبات أقل وضوحا. وينطبق هذا بشكل خاص في البلدان المتأثرة بالهشاشة والصراع حيث تكافح المؤسسات العالمية للتصدي لقضايا التعليم والصحة والإستدامة الإقتصادية للمجتمعات المحلية المهددة بالمخاطر.
ومن الدروس المهمة المستقاة من الأهداف الإنمائية للألفية التي ستحل محلها أهداف التنمية المستدامة بنهاية 2015 ، الأهمية الحيوية للتعامل مع الهشاشة والصراع. فحوالي 50 في المئة من البلدان الهشة تضم 43 في المئة من السكان الذي يعيشون في فقر مدقع اليوم لكن هذه النسبة سترتفع عام 2030 إلى 62 في المئة. إن تقرير الأمم المتحدة النهائي عن الأهداف الإنمائية للألفية يشير إلى أن “الصراعات مازالت أكبر تهديد للتنمية البشرية."
وبات جلياً أكثر من ذي قبل أن التباين الأسرع نموا هو بين دول الهشاشة والصراع وبين الدول المستقرة. وفي هذا السياق، يدعو ديفيد مليباند الرئيس الحالي والمسؤول التنفيذي الأول للجنة الإنقاذ الدولية ووزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني سابقا إلى ضرورة وضع أهداف خاصة لسكان الدول الهشة والمتأثرة بالصراع تتوافق مع الجهود التي تبذلها تبذل المؤسسات التنموية والإنسانية.
فالتوافق والتعاون مع وكالات المانحين الأخرى والمنظمات الإنسانية والحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص يأتي في صميم الاستراتيجية الجديدة لمجموعة البنك الدولي الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهذه الاستراتيجية تبدأ بإدراك أن التحولات الإقليمية أكثر إيلاما وعنفا عما كان متوقعا قبل أربع سنوات. وينصب التركيز الآن على استخدام التنمية لإحلال السلام والاستقرار الاجتماعي كشرط ضروري لإنهاء الفقر وتعزيز الرخاء المشترك. ففي ضوء الإنتشار الواسع لآثار الصراع في المنطقة ، وتدفقات اللاجئين والإرهاب، أصبح السلام والاستقرار بالمنطقة من المنافع العامة للعالم. وهناك 4 ركائز لهذه الاستراتيجية: تعالج اثنتان منها أسباب الصراع والعنف، يجدد إحداهما العقد الاجتماعي في المنطقة عبر هياكل سياسية واجتماعية / اقتصادية تتسم بالشمول، وتدفع الأخرى إلى تعاون إقليمي ذي مغزى في أقل مناطق العالم تكاملا. وتعالج الركيزتان الأخريان العواقب الفورية للأزمة، كبناء القدرة على الصمود في مواجهة صدمة التحولات السكانية القسرية بمساندة المشردين والمجتمعات المضيفة وإعداد إجراءات التعافي والإعمار إذا وحين ينشأ السلام. ويستدعي هذا رسالتنا فور انتهاء الحرب العالمية الثانية حين تم إنشاء البنك الدولي للإنشاء والتعمير.