العدد 4783 بتاريخ 11-10-2015م تسجيل الدخول


الرئيسيةمنوعات
شارك:


فيروسات في التربة الصقيعية

بيروت - البيئة والتنمية

قبل نحو مئة سنة، انتشرت جائحة فيروسية حول العالم مستفيدة من ظروف الحرب العالمية الأولى، حيث كانت الثكنات مكتظة بالجنود المنهكين نتيجة سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية. وخلال الفترة بين بداية 1918 ونهاية 1920 تحوّلت هذه الجائحة لتصبح إحدى أكثر الظواهر الطبيعية فتكاً بالإنسان على مر التاريخ البشري. وقد عُرفت باسم "الأنفلونزا الإسبانية"، وأصيب بها 500 مليون شخص توفي منهم ما قدر بين 50 و100 مليون مصاب.

ظلّ السبب وراء الظهور المفاجئ لهذا الوباء غامضاً. وكانت المعضلة في الأبحاث عدم توفر عينات من الفيروس القاتل H1N1 لإجراء الدراسة عليها.

في محاولة للحصول على عينات من هذا الفيروس، سافر عالمان أميركيان عام 1997 إلى ألاسكا لنبش جثة امرأة توفيت عام 1918 نتيجة الأنفلونزا الإسبانية ودفنت في التربة الصقيعية Permafrost (أي الأرض الدائمة التجلد). ونُقلت عينات من أنسجة وفق ترتيبات خاصة إلى مختبر تابع للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها.

تم العثور على الفيروس متكسراً في العينات. وتطلبت إعادة بنائه نحو سبع سنوات. وبإجراء فحص لهيكله، ظهر وجود تحوّر في آلية تعلقه بالخلايا سمح له بتجاوز ما يُعرف بالحاجز النوعي لينتقل من الطيور إلى الإنسان. وبعد ذلك انتقلت العدوى من الإنسان إلى الإنسان مما أسقط أعداداً هائلة من الضحايا.

ساهمت هذه الدراسة التي نُشرت نتائجها عام 2004 في تعزيز المعارف حول تعقب ورصد التغيرات في فيروسات الإنفلونزا، وتحسين التوقعات حول الأشكال التي تتخذها في المستقبل وتشكل تهديداً للبشر. وكان للظروف الطبيعية التي وفّرتها التربة الصقيعية وحفظت فيها جثة المرأة من التحلل ثمانية عقود كاملة دور حاسم في إنجاز هذه الدراسة.

يرجّح عدد من العلماء أن تضم التربة الصقيعية عدداً كبيراً من أنواع الفيروسات المحفوظة في حالة سكون منذ آلاف السنين. وقد أعلن أكثر من مرة عن اكتشاف أنواع غير معروفة سابقاً من الفيروسات في عينات مأخوذة منها. وآخر ذلك الإعلان قبل شهرين عن اكتشاف فيروس قام بعزله علماء من المركز القومي الفرنسي للأبحاث العلمية في عينة مأخوذة من تربة سيبيريا الصقيعية، ويُقدر عمره بنحو 30 ألف عام.

أبدى هؤلاء العلماء قلقهم من أن العثور على فيروسات "حية" منذ ما قبل التاريخ في عينة من التربة الصقيعية يظهر أن تواجدها ونجاتها هو أمر وارد وليس نادر الحدوث. وهذا يعني أنه لا يمكن استبعاد انبعاثها إلى النشاط في حال تغيّرت الظروف المناخية نتيجة الاحتباس الحراري العالمي الذي يهدد بذوبان التربة الصقيعية، أو في حال ازدياد النشاط الصناعي في منطقة القطب الشمالي بفعل أعمال التنقيب والحفر. وهذا يجعل البشر على تماس مباشر مع أنواع من الفيروسات الفتّاكة التي ربما تهدد بالقضاء على الجنس البشري.



أضف تعليق