مركز القاهرة: دوامة العنف في ليبيا نتيجة طبيعية للإفلات من العقاب
الوسط – المحرر السياسي
قال مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في بيانٍ صحفي صدر عنه اليوم السبت (3 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) أنه وفي الجلسة الـ 30 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والتي اختتمت أعمالها أمس الجمعة في مقر المجلس بجنيف، سلط مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الضوء على الوضع الإنساني والحقوقي في ليبيا.
يأتي ذلك في إطار جهود المركز لتحليل أسباب الانتهاكات الجسيمة في ليبيا و سبل حلها و لمساندة الجمعيات الليبية والمدافعين عن حقوق الإنسان في الاستمرار في توثيق الانتهاكات الجسيمة ومساندة الضحايا في واقع النزاع المسلح واسع النطاق المنتشر في كل بقاع ليبيا.
وأيضًا حماية أنفسهم من التهديدات المتواصلة ضدهم من المجموعات المسلحة المختلفة, فضلًا عن الجهود المشتركة مع الشركاء المحليين من خلال توصيات لضمان إدراج ضمانات لحقوق الإنسان في الاتفاق السياسي، ودور للمنظمات المحلية و المجلس الوطني للحريات العامة بالإضافة للسلطة القضائية في مراقبة تنفيذ هذا الاتفاق.
واستعرضت الجلسة الملف الحقوقي الليبي يومي 25 و29 سبتمبر/ أيلول، في الأول استعرضت الجلسة مدى التزام ليبيا وتنفيذها للتوصيات التي سبق وقبلتها خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل في 2010، بينما تناولت الجلسة في اليوم الثاني تطورات عمل لجنة التحقيق التي تم اعتمادها بمجلس حقوق الإنسان في مارس/ آذار 2015 بقرار رقم 28/30 للكشف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والتي تم ارتكابها منذ يناير/ كانون الثاني 2014 من قِبل المجموعات المسلحة المختلفة في ليبيا بما فيها الميلشيات في غرب البلاد, القوات شبه العسكرية في الشرق, وتنظيم داعش الإرهابي.
في هذا السياق قدم المركز، صباح الثلثاء 29 سبتمبر/ أيلول مداخلة شفهية حول انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا.
وأكد المركز في المداخلة على أن "تصاعد دوامة العنف في ليبيا" هو نتيجةً طبيعية لاستمرار الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة، وغياب الخطوات الجادة هيكلة المؤسسات الأمنية في البلاد، معتبرًا أنه لا مجال للحديث عن التعايش السلمي وسيادة القانون بدون معالجة جادة لهذين العاملين.
وحمَّل المركز في مداخلته الميليشيات والجماعات شبه العسكرية المسئولية عن الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في كافة أنحاء ليبيا، مُرجعًا تمكن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الإرهابي من توطيد أقدامه في عدة مدن ليبية إلى تلك الأفعال التي تمثلت في "الهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين بشكل مستمر، ومن بينهم المدافعين عن حقوق الإنسان والنساء والأطفال والأقليات والأجانب، فضلًا عن استهداف البنية التحتية الحيوية ومؤسسات الدولة الرئيسية".
مؤكدًا أن حدة العنف في ليبيا ساهمت بشكل واضح في تنامي الأزمة الإنسانية، حيث لا يزال 1.9 مليون مواطن ليبي في حاجة للرعاية الصحية الأساسية، في حين يوجه 1.2 مليون شخص صعوبات في الحصول على الغذاء.
وتحت عنوان "المدافعون عن حقوق الإنسان والحاجة إلى المحاسبة في ليبيا" عقد مركز القاهرة بالتعاون مع مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وشبكة مدافع في 28 سبتمبر/ أيلول، ندوة نقاشية. شارك فيها حسن الأمين (إعلامي ليبي وناشط حقوقي)، مروان الطشاني (رئيس الجمعية الليبية للقضاة وممثل عن الشبكة الليبية للمدافعين عن حقوق الإنسان)، كريم سالم (باحث بمركز القاهرة في الشأن الليبي)، وأدارها جيرالد ستابروك (السكرتير العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب).
وناقشت الندوة الصعوبات التي تواجه المدافعين الحقوقيين في سبيل قيامهم بعملهم، حيث أكد مروان الطشاني أن عمليات الاغتيال التي طالت العديد من المدافعين، دفعت عدد كبير منهم إلى المنفى الاختياري، كذا فإن عمليات الاغتيال التي طالت القضاة أيضًا – حيث تم اغتيال 8 قضاة ومحاولة اغتيال 6– أدت إلى انهيار النظام القضائي، وهو الأمر الذي أجبر بدوره المواطنين على طلب الحماية من الميليشيات وزعماء القبائل.
المدافع الحقوقي حسن الأمين اعتبر الوضع الحقوقي في ليبيا في الوقت الحالي أسوأ مما كان عليه في عهد القذافي مضيفًا "على الأقل وقتها كنا نعلم من هو العدو، ومن يقوم بالاختطاف". مؤكدًا أن ليبيا الآن في وضع حرج "أن تكون أو لا تكون".
"بدون هيكلة المؤسسات الأمنية وتقديم مرتكبي الانتهاكات إلى العدالة، فإن أي محاولة لإقرار السلام في ليبيا ستؤدي لمزيد من التدهور و لن تحرز أي تقدم ملموس بل ستكون حلقة عنف جديدة" صرح كريم سالم، والذي اعتبر أن "القوانين والقرارات التي أقرها المجلس الانتقالي, المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب –منذ 2011 وحتى اليوم– قد دعمت خلق هياكل مسلحة لا تسيطر عليها الدولة، ولم تضع معايير حول آلية إدماج المجموعات والأفراد داخل المؤسسات الأمنية، وأعطت قادة الميلشيات و المجموعات شبه العسكرية مناصب سيادية في وزارتي الدفاع والداخلية مثل اللجنة الأمنية العليا في دروع ليبيا, غرفة ثوار ليبيا, الحرس الوطني, فجر ليبيا, عملية الكرامة, بالإضافة إلى أن قوانين العفو التي أقرتها الحكومة الليبية تفرض انعدام المساءلة"، مضيفًا أن النظام القانوني الليبي لم يعد بإمكانه القيام بأي تحقيق وطني، داعيًا المجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق دولي مستقل.
وفي 25 سبتمبر قدم مركز القاهرة مداخلتين شفهيتين حول الاستعراض الدوري الشامل لليبيا. المداخلة الأولى قدمها المركز بالتعاون مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وناقشت وضعية المدافعين الحقوقيين في ليبيا، معتبرة أن "العنف والمضايقة والترهيب حوادث يومية يتعرض لها المدافعون الحقوقيون، في ظل مناخ يسوده الإفلات من العقاب نتيجة لانهيار الدولة" مؤكدة في الوقت ذاته على أن السياق الليبي الحالي يستلزم تجاوز احتياج المدافعين عن حقوق الإنسان للحماية.
واعتبرت المنظمات أن "المدافعين عن حقوق الإنسان حجر الزاوية لبناء دولة تحمي مواطنيها وتُمكّنهم من حقوقهم"، داعيةً الحكومة الليبية إلى تنفيذ التوصيات التي قُدّمت إليها –والتي تركّز على ضرورة حماية المدافعين عن حقوق الإنسان– في أقرب وقت ممكن ودون إبطاء.
أما المداخلة الثانية والتي قدمها المركز بالتعاون مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب والائتلاف الليبي المعني بالاستعراض الدوري الشامل رحبت بإعلان الحكومة الليبية التزامها إزاء عملية الاستعراض الدوري الشامل.
دعت المنظمات –في هذا السياق– السلطات الليبية إلى اعتماد خطة عمل وطنية لضمان تنفيذ توصيات الاستعراض. كما حثتها على اتخاذ خطوات ملموسة وفعالة للتغلب على العقبات التي من شأنها إعاقة تنفيذ تلك التوصيات.
وأشارت المنظمات إلى أن الوضع الإنساني في ليبيا لا يزال في حالة تدهور، وهو ما أرجعته إلى استمرار الميليشيات والجماعات شبه العسكرية المشتركة في النزاع الدائر حالياً في اقتراف انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وقالت المنظمات أن السلطات الليبية قد أخفقت في عدم تأسيس آلية للعدالة الانتقالية، ومن ثم فقد حرمت المواطنين الليبيين من آلية وطنية لجبر الضرر، داعيةً إياها إلى مواصلة جهودها في معالجة ذلك الإخفاق، وعدم تبريره بحجة "حماية المكاسب الثورية" أو "الحرب ضد الإرهاب".
واعتبرت المنظمات أن التعهد بالتزامات والخروج بتوصيات عامة لم يعد كافيًا، مؤكدةً أنه "إن لم يتم إحراز تقدم حقيقي على أرض الواقع من أجل توطيد سيادة القانون والحكم الديمقراطي وضمان الحريات الأساسية، فإن فكرة التوصل إلى حل سلمي دائم للأزمة الحالية ستظل حلمًا بعيد المنال".
في السياق ذاته عقد مركز القاهرة في 24 سبتمبر بالتعاون مع منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، وتحالف الجمعيات الليبية للاستعراض الدوري الشامل، ندوة نقاشية تحت عنوان "الاستعراض الدوري الشامل لليبيا: التحديات وفرص التنفيذ".
واستضافت الندوة انتوني مادلين مدير الدعوة الدولية بالفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، رياض العكار باحث بالحق في التعبير بائتلاف منظمات حقوق الإنسان الليبية، كريم سالم باحث بمركز القاهرة في الشأن الليبي، وجيرالد ستابروك السكرتير العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب. وأدارتها أمل الحضري منسقة برنامج الدعوة الدولية بمنظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا.
وافتتح رياض العكار حديثه بأن هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها المنظمات الحقوقية الفاعلة في ليبيا في عملية الاستعراض الدوري الشامل، موضحًا الوضع الحقوقي الليبي على محاور مختلفة.
فعلى مستوى حرية الرأي والتعبير يزداد الوضع خطورةً، للصحفيين التشريعات المحلية تجرم الحق في التعبير، على سبيل المثال القانون رقم 5 يجرم من يسئ للدولة، المادة 207 تعاقب بالإعدام كل من يرغب في تغيير الوضع السياسي أو الاجتماعي للبلاد، هناك أكثر من 70 اعتداءً على الصحفيين، من ضمنهم 9 قتلى.
أما على مستوى الحق في التظاهر، يجيز القانون 65 للسلطات تغيير مكان أو موعد المظاهرة وحتى إلغائها، بدون إشعار مسبق وبدون أية تفسيرات.
وقال كريم سالم "رغم أن الدولة الليبية قبلت 115 توصية من أصل 120 خلال جلسة الاستعراض الدوري في 2010، وأعلنت التزامها بإرساء سيادة القانون، وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، إلا أن السلطات التنفيذية والتشريعية المتعاقبة في الدولة الليبية خلال 4 أعوام، لم تتخذ أية خطوات ملموسة في سبيل تنفيذ التوصيات التي قبلتها".
ويرى كريم أن إصدار المجالس التشريعية والتنفيذية الليبية لقوانين العفو في 2012، 2015، شجع الجماعات المسلحة على الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات الخطيرة
وناقشت الندوة أيضًا ما المتوقع من المجتمع الدولي إزاء الوضع الليبي، حيث اعتبر انطوني مادلين أن هناك ثلاثة تحديات رئيسية يواجهها المجتمع الدولي، يتمثل أولها في الحرب الأهلية وعمليات السلام، التحدي الثاني هو الوجود المتزايد لداعش في ليبيا، وكيفية الحد من توسعه بالإضافة تطوير آليات مكافحة الإرهاب، وتاليًا على تنفيذ النقطتين السابقتين، يبقى التحدي الأخير للمجتمع الدولي هو بناء دولة جديدة تحترم التنوع، وتقوم على سيادة القانون.