الجمعيات السياسية... «حيَّة رسميّاً» و«ميتة سريريّاً» و«خارج الملعب»
الوسط - حسن المدحوب
الوفاق، الأصالة، وعد، المنبر الإسلامي، تجمع الوحدة الوطنية، المنبر التقدمي، التجمع القومي، والبقية تأتي! كلها جمعيات سياسية باتت أشبه بالميتة سريريّاً ولم يعد لها حراك سياسي واضح ومؤثر على الساحة الوطنية، منذ ما يقرب من عامين، على رغم أن الساحة السياسية لاتزال «حية» ولاتزال ملفات كبرى تتحرك بسخونة، لكن من دون أن يكون للجمعيات السياسية أي دور فيها.
حاليّاً، ومنذ شهور، كل هذه الجمعيات، التي تُعتبرُ جميعُها وفق القانون، ونظام الجمعيات السياسية حية ومفتوحة المقرات، بما فيها كبرى جمعيات المعارضة الوفاق التي كانت تواجه صعوبات مع وزارة العدل تتعلق بنشاطها وعملها، كل هذه الجمعيات اختفت حتى كظاهرة صوتية، وأصبح نشاطها غالبًا يعتمد على ندوات أسبوعية أو وقفات تضامنية لم تعد تستهوي الكثير من المتحمسين للسياسة كالسابق، وبات مرتادو هذه الفعاليات هم من القائمين عليها ومنظميها وليس أكثر من ذلك غالباً.
نظريا، كل هذه الجمعيات يفترض بها أن تكون موجودة وعاملة وفق القانون الذي سمح لها ممارسة النشاط السياسي العلني وجميع مقارها مفتوحة، أما «واقعيّاً» فكل هذه الجمعيات السياسية غدت «مغلقة» لا تتفاعل مع الواقع ولا تؤثر فيه ولم تعد لاعباً ناشطاً، كما كانت قبل عامين على الأقل.
منذ قرابة العامين، وما قبل ذلك كانت كل الملفات الوطنية تمرُّ ناحية الجمعيات السياسية بجميع تلاوينها، أما اليوم فباتت كل الملفات الوطنية تتحاشى الجمعيات السياسية، وربما أصبحت الجمعيات السياسية نفسها تتحاشاها، ولم يعد البحرينيون يترقبون موقف هذه الجمعية من هذا الملف أو ذاك كما كان الأمر يحدث سابقاً، وأبسط مثال على ملف رفع الدعم عن البحرينيين الذي غدا حديث الناس في ليلهم ونهارهم، إلا أنه لا وجود له في حراك الجمعيات السياسية جميعا حاليا.
الجمعيات السياسية في البحرين يمكن تصنيفها وفق ثنائية المعارضة واللامعارضة أو ثنائية المشاركة في البرلمان والمقاطعة، ولكن كلا الجانبين لم يعودا مؤثرين أو لاعبين في ساحاتهما المفترضة، فلا الجمعيات المعارضة المقاطعة للبرلمان»حية» في ملعبها، ولا المشاركة فيه بات لها صوت في الملفات المعنية بها.
الجمعيات المعارضة أصابها السقم والإعياء حتى باتت تكرر الكلام ذاته في كل بياناتها التي هوت أعدادها بشدة خلال الأشهر القليلة الماضية، وأصبحت لغتها السياسية أقرب للاستجداء منها إلى مخاطبة الند للند كما كانت قبل عامين أو اقل من ذلك بقليل.
وعمليّاً لم تعد هذه القوى تعقد اجتماعات منتظمة فيما بينها، كما كانت في السابق، لم يعد تحالفها الرصين الموجود على مدى السنوات الماضية إلا تحالفاً ورقيّاً يظهره بيان واحد أو اثنان بين عدة أشهر وأخرى.
وحتى في الملف الحقوقي الذي لجأت إليه الجمعيات السياسية للتنفيس عن حالة الاحتقان السياسي باتت الجمعيات المعارضة في أدنى حراكها فيه بشكل غير مسبوق.
أما الجمعيات السياسية التي لها حضور في البرلمان كالأصالة والمنبر الإسلامي، فهي بدورها لم تقدم مواقف واضحة في الساحة التي تخصها وتلعب فيها، فملف وطني بحجم رفع الدعم عن المواطنين لم تقدم فيه هذه الجمعيات حتى مواقف لافتة أو واضحة إلى الآن.
وفي شرحه لواقع الجمعيات السياسية البحرينية، قال الأمين العام لجمعية المنبر التقدمي عبدالنبي سلمان لـ»الوسط» إن «الحديث عن موت سريري للجمعيات السياسية، يحتاج إلى نظرة أعمق للمجتمع المدني ككل، فالمجتمع المدني البحريني تم ضربه بطريقة أو بأخرى، وهذا الأمر انسحب على أداء ونشاط الجمعيات السياسية نفسها في البلد».
وأضاف سلمان «هناك عدة أسباب وعوامل أدت إلى انكفاء الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني البحريني، أولها حالة الإحباط العام التي تسود نشطاء المجتمع المدني من الواقع الذي تعيشه البلاد سياسيّاً واقتصاديّاً، وثانياً تعقيدات الوضع السياسي والأمني في المنطقة والإقليم، الصراعات الدائرة في المحيط لها تأثيرها على نفسية كل النشطاء المحليين سواء في مؤسسات المجتمع المدني عامة أو في الجمعيات السياسية خاصة».
وأردف «ما أظنه أن حالة الإحباط لدى ناشطي مؤسسات المجتمع المدني هي حالة عربية عامة، وليست شأناً بحرينيّاً خاصّاً بنا، والبلد بحكم حجمها تتأثر بتطورات الساحة العربية».
وأكمل «كل ما يجري في المنطقة بلا شك أثر على نفسية الناس وعلى نفسية القوى السياسية المختلفة، وما محدودية الفعاليات والأنشطة العامة إلا مؤشر على حالة الإحباط التي تسود في هذه الفترة».
وواصل سلمان «نعتقد أن هناك حالة من الكبت السياسي تعيشه المنطقة العربية عموماً بسب ما يجري فيها من أحداث، وهو ما أدى إلى ضمور العمل السياسي في البحرين وغيرها، الذي أصبح يعيش في أضيق حالاته، حتى على المستوى الفردي حيث هناك ملاحقات لنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وباتت حرية التعبير في أضيق حالاتها».
وردا على سؤال عن عدم تحدث قوى المعارضة عن ملف رفع الدعم عن المواطنين، قال: «على العكس من ذلك، نحن تحدثنا منذ اليوم الأول عن هذا الملف الوطني، وتحدثنا عن الموازنة والعجز فيها وعن الدين العام، وأبدينا فيه الكثير من المواقف، لكنك لا تستطيع أن تكرر الخطاب ذاته من دون أن تقدم جديداً فيه».
وختم سلمان «أما فيما يتعلق بالتنسيق بين القوى الوطنية، فالتنسيق لايزال مستمرا ولم يتوقف،إلا أنه يسير بشكل أبطأ من السابق بسبب الحالة ذاتها التي تعيشها مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات السياسية في البلاد».