أزمة اللاجئين السوريين في الأردن تفاقم التحدّيات السياسية والاقتصادية
الوسط – المحرر الدولي
أدّت أزمة اللاجئين السوريين إلى تفاقم التحدّيات السياسية والاقتصادية ومعها تحدّيات الموارد المزمنة في الأردن. وفيما يدخل الصراع في سورية وضعاً مديداً وتزداد وتيرة الاستياء العام والتوتّرات الأخرى، عمد الأردن إلى الحدّ من استجابته الإنسانية. ومع ذلك، تبدو جذور التحدّيات التي تواجه المملكة أعمق من أزمة اللاجئين، وإذا ماتُرِكت من دون معالجة فسوف تشكّل إرهاصات لحالة من عدم الاستقرار. وإذا ما أراد الأردن مواجهة التحدّيات الوطنية والاستمرار في توفير ملاذ آمن للاجئين السوريين، سيحتاج إلى زيادة الدعم الدولي.
جاء ذلك في تقرير أعدته ألكساندرا فرانسيس؛ باحثة مبتدئة في برنامج السياسات النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ما بين العامين 2012 و2013. وحصلت على منحة فولبرايت للأبحاث لدراسة تأثيرات اللاجئين السوريين في الأردن من العام 2013 إلى العام 2014،
التحدّيات العديدة التي تواجه الأردن
كان تدفّق اللاجئين السوريين إلى الأردن هائلاً. فحتى يونيو/ حزيران 2015، تم تسجيل أكثر من 620 ألفاً من السوريين لدى وكالة الأمم المتحدة للاجئين في الأردن. ويعيش أربعة وثمانون في المئة من هؤلاء السوريين في المجتمعات المضيفة بدلاً من مخيمات اللاجئين.
يبالغ الرأي العام الأردني باستمرار في الحديث عن الآثار السلبية لتدفّق اللاجئين السوريين، بينما تحظى الآثار الإيجابية اهتماماً أقل بكثير، مايُبرز الطبيعة السياسية لأزمة اللاجئين في الأردن. كما أن للشعور العام تجاه اللاجئين السوريين تأثيراً ضارّاً على قدرة الحكومة على الاستجابة بصورة مثمرة لتدفّق اللاجئين.
فقد الأردن الثقة في دعم الجهات المانحة الدولية، وهو يواجه النداءات الإنسانية التي تشتكي باستمرار من نقص التمويل. ومن دون الحصول على مساعدات إضافية واستجابة مستدامة لأزمة اللاجئين، سيستمر الأردن في تضييق نطاق حماية السوريين. وعليه، فإن القيام بذلك سوف يزيد من مخاطر عدم الاستقرار في الأردن والمنطقة على المدى الطويل.
توصيات أولية للأردن والمجتمع الدولي
إعطاء الأولوية لإدماج المساعدات التنموية والإنسانية. تاريخياً، كان الأردن ينظر إلى تدفّق اللاجئين باعتباره يمثّل فرصة لدفع عجلة التنمية الوطنية. ولذا يتعيّن على المجتمع الدولي أن يدرك هذه الديناميكية ويعطي الأولوية لإدماج مساعدات التنمية الوطنية مع المساعدات الإنسانية في سياق استجابته لأزمة اللاجئين السوريين، ماسيعود بالنفع على المجتمعات المضيفة واللاجئين على حدٍّ سواء.
الحفاظ على نطاق الحماية الخاص باللاجئين السوريين. مع ارتفاع حدّة التوتّر في المجتمع المضيف، ينبغي على الأردن مقاومة التلاعب السياسي بنطاق حماية اللاجئين. ولذا من الضروري أن يضمن الأردن حق اللجوء للاجئين بهدف توفير الأمن الإنساني لهم.
توثيق حرية الوصول إلى سبل العيش. يجب على الجهات الفاعلة التي تتجاوب مع الأزمة السورية في الأردن أن تحوّل سياسات الاستجابة من نهج طارئ إلى آخر مستدام على المدى الطويل. ومع استمرار الأزمة السورية، فإن إضفاء الطابع الرسمي على القطاع الاقتصادي والمساعدة على الوصول إلى موارد الرزق في الأردن، سيخفّفان احتمالات تعرّض اللاجئين إلى الأذى، ويعزّز الاقتصاد الأردني، ويقلّص النداءات الإنسانية الطارئة.
مقدّمة
وفقاً لكل المعايير تقريباً، نجح الأردن حتى الآن في تجاوز الانتفاضات العربية. وعلى الرغم من الاحتجاجات العامة التي شهدها الأردن طيلة العام 2011، حافظ النظام الملكي الهاشمي في الواقع على الوضع القائم للحكم وتجنّب تقديم الكثير من التنازلات لإرساء الديمقراطية. وعلى الرغم من الاستياء الشعبي الواسع من ارتفاع الأسعار والبطالة والفساد الحكومي، فقد فشلت الاحتجاجات في حشد أعداد كبيرة من الأردنيين في الشوارع. في هذه البيئة الفاترة، قوّض الملك عبد الله الثاني بسهولة برنامج الإصلاح الشعبي للحركة الاحتجاجية عبر وسائل أردنية تقليدية للمهادنة السياسية، وبالتالي تلاشت الاحتجاجات تدريجياً في النصف الثاني من العام 2011.
ومع ذلك، لم ينجُ الأردن من نتائج موجة عدم الاستقرار الإقليمي. فقد تسبّبت الفوضى في سورية بطوفان من اللاجئين عبر حدود الأردن الشمالية. في البداية، استفادت الحكومة الأردنية سياسياً من تدفّق اللاجئين. فقد كان السوريون المسحوقون والذين أنهكتهم الحرب بمثابة تذكير صاخب بالعواقب المحتملة للثورة، ما أدّى بالتالي إلى كبح شهيّة الأردنيين لتغييرٍ سياسيٍّ أوسع. والأهم من ذلك أن عدد اللاجئين السوريين أصبح، في هذه الفترة من عدم الاستقرار الإقليمي الذي بلغ ذروته، كبشَ فداء لمواجهة التحدّيات الوطنية التي سبقت أزمة اللاجئين، ما شكّل حاجزاً أمام الانتقاد العلني للحكومة. والواقع أن المفاهيم السلبية عن السوريين حَرَفت انتباه الرأي العام عن التحدّيات المخاتلة التي يواجهها النظام السياسي الأردني.
ومع ذلك، يبدو أن كفّة هذا التوازن السياسي الدقيق بدأت تنقلب. وفيما تصبح احتمالات التوصّل إلى حلّ للصراع السوري بعيدة المنال أكثر فأكثر، ويتضخّم عدد اللاجئين السوريين في الأردن، ارتدّ استياء الرأي العام على الحكومة الأردنية. وكشفت الزيادة السكانية الحادّة الناجمة عن وصول اللاجئين، عن شروخٍ عميقة وقائمة منذ فترة طويلة في البنية التحتية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأردن.
يشكّل تدفّق السوريين مشكلة سياسية للأردن. إذ يتركّز السوريون بدرجة كبيرة في المجتمعات المحلية الأكثر انكشافاً في الأردن، حيث بدأت المظالم التي يبرزها اللاجئون السوريون تستنفر الأردنيين المهمّشين. ومع تنامي مشاعر الإحباط العام، يتم تأطير الصراع السياسي أكثر فأكثر باعتباره صراعاً ضدّ الحرمان من الحقوق. ولاريب أن هذا يتناقض مع الصراعات السياسية التاريخية في الأردن، والتي تميّزت في الأصل بكونها صراعات بين النظام الملكي وبين جماعات مصالح النخبة (مثل الإسلاميين والفلسطينيين). وقد عجّل التضخمُ السريع في أعداد اللاجئين السوريين ظهورَ سرديّة عن المهمّشين في المجال السياسي، لها القدرة على تهديد استقرار الهيكل السياسي الحالي في الأردن.
يتركّز السوريون بدرجة كبيرة في المجتمعات المحلية الأكثر انكشافاً في الأردن، حيث بدأت المظالم التي يبرزها اللاجئون السوريون تستنفر الأردنيين المهمّشين.
وبما أن النمو السكاني الهائل يرهق قدرات المجتمع المضيف، فقد ألقى وجود اللاجئين السوريين الضوء على بعض أكبر التحدّيات المعاصرة في الأردن. إذ يشير عدد واسع من التقارير إلى تأثير اللاجئين السوريين على موارد الأردن المستنفَدة، وزيادة المنافسة على فرص العمل، وتحميل البنية التحتية فوق طاقتها، وإرهاق الخدمات الاجتماعية، مثل الرعاية الصحية والتعليم. وتجدر الإشارة إلى أن كل التحدّيات التي أبرزها اللاجئون لها جذورٌ عميقة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الأردن. والواقع أن عدد اللاجئين السوريين لم يسهم إلا في تفاقم تحدّيات مزمنة كانت موجودة مسبقاً، وقد تكون إرهاصات لعدم الاستقرار في المستقبل.
يحدّ الشعور العام السلبي تجاه اللاجئين السوريين من قدرة الحكومة الأردنية على الاستجابة للأزمة. ومع ارتفاع حدّة التوتّر في المجتمع المضيف، دعا المواطنون الأردنيون الحكومة إلى الحدّ من منافسة اللاجئين السوريين لهم. ومنذ العام 2014، استجابت الحكومة الأردنية للإحباط العام الصريح والواضح أكثر فأكثر ولتزايد المخاطر الأمنية الإقليمية عن طريق الحدّ من حفاوتها تجاه اللاجئين السوريين. وقد توتّرت العلاقة التي اتّسمت في السابق بالتعاون بين مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبين المملكة الأردنية الهاشمية، عندما فرض الأردن قيوداً على عدد السوريين الذين يمكنهم أن يدخلوا البلاد، وأغلق المعابر الحدودية التي يمكن الوصول إليها، وحاول حشر المزيد من اللاجئين في المخيمات. وبعبارة أخرى، يبدو أن المسؤولين الأردنيين استنتجوا أن الفوائد السياسية الأولية لاستضافة اللاجئين السوريين قد تضاءلت، وأن الوجود السوري المتزايد في المملكة قد يهدّد الاستقرار الوطني، لأن القلق الأردني يركّز على الضغوط التي يُفرزها اللاجئون السوريون على المجتمعات المضيفة.
مع ذلك، فإن المحاولة الأردنية الرامية إلى تهدئة الاستياء العام، من خلال تضييق نطاق حماية السوريين، تشكّل سياسة مخطئة. ذلك أن احتواء أزمة اللاجئين السوريين لايُعالج القضايا الهيكلية الكبيرة في الأردن التي هي في قلب التحدّيات التي يواجهها، وينكر الفوائد المترتّبة على استضافة اللاجئين السوريين، ويتجاهل الضرورة الأخلاقية لتوفير ملاذ آمن لضحايا إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في هذا الجيل. ولعل مايُثير القلق أكثر هو أن الاستجابة التي تدفع اللاجئين السوريين إلى المزيد من الفاقة واليأس، تزيد من مخاطر أزمة اللاجئين وتكاليفها بالنسبة إلى الأردن والمجتمع الدولي على المدى الطويل.
بدلاً من ذلك، يجب أن يستمر الأردن في الاستفادة من أزمة اللاجئين السوريين باعتبارها فرصة لمعالجة المشاكل التي تسبق الصراع. ذلك أن تدفق اللاجئين يوفّر للأردن المكانة الدولية الرفيعة اللازمة للفت انتباه الجهات المانحة الدولية إلى التحدّيات الوطنية المنتشرة وعميقة الجذور في المملكة. ومع ذلك، فإن هذا يتطلّب الحصول على دعم المجتمع الدولي. ولذا يتعيّن على الأردن والجهات المانحة الدولية العمل على استغلال الفرص الكامنة في تدفّق اللاجئين السوريين إلى المملكة، لتعزيز التنمية الوطنية في الأردن والنهوض بأعباء السوريين الذين شرّدتهم أكثر الحروب الأهلية تدميراً في العقد الماضي.
خلفية تاريخية موجزة
المملكة الأردنية الهاشمية دولة جرداء وفقيرة بالموارد. في الغرب تتاخم الأردن، الذي يتربع على هضبة قاحلة، قطعة من الأراضي الصالحة للزراعة على طول ضفتي نهر الأردن، فيما تتاخمه الصحراء في الشرق والجنوب. وكشاهد على الطبيعة القاسية لمناظره الطبيعية، تعانق الآثار الوحيدة الباقية من الحضارة القديمة وادي الأردن، أو تشكّل هذه الآثار مجرّد مواقع دفاعية مهجورة تعود إلى الحقبة الرومانية. ولأنه لايتميّز طبيعياً بما يؤهله لأن يكون دولة كبيرة، فقد اعتمد أمن الأردن ورخاؤه إلى حدٍّ كبير على مصالح اللاعبين السياسيين الخارجيين منذ أن تخيّل البريطانيون حدوده لأول مرة في العام 1921.
التاريخ الجيوسياسي للأردن هيّأ المملكة لمواجهة التحدّيات المعاصرة. الأردن ضعيفٌ من الناحية السياسية بسبب فقره في الموارد، واقتصاده الريعي الموجَّه نحو الخارج، والمصادر المحدودة لإيراداته الداخلية، ونموّه السكاني المفرط.1
لدى الأردن، الذي يقع على مفترق طرق منطقة مضطربة، سجلٌّ طويل في توفير اللجوء للأشخاص المضطهدين. فطوال تاريخها برعت المملكة في استخدام اللاجئين للحصول على دعم سياسي واقتصادي أكبر من الدول الراعية. والواقع أنه في حين أن حجم أزمة اللاجئين السوريين يمثّل تحدّياً صعباً، يجب أن تُفهم استجابة الحكومة الأردنية لتدفق اللاجئين السوريين باعتبارها استمراراً للاستجابة التاريخية لتدفقات اللاجئين إلى البلاد، وعلى الأخص لتجمّعات اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين. وقد رافقت زيادة المساعدات الدولية في السابق هذا التدفق للاجئين إلى المملكة. يُضاف إلى ذلك أن الأردن اعتاد التغلّبَ على صعوبة بقائه من خلال المساعدات الخارجية، وقد وفّر له تدفّق اللاجئين فرصاً للاستفادة من الدعم الدولي.
الأردن ضعيفٌ من الناحية السياسية بسبب فقره في الموارد، واقتصاده الريعي الموجَّه نحو الخارج، والمصادر المحدودة لإيراداته الداخلية، ونموّه السكاني المفرط.
لم يكن مفاجئاً أن يُظهر الأردن الاستجابة الإقليمية الأكثر تطوراً تجاه أزمة اللاجئين السوريين من بين جميع البلدان المضيفة المجاورة الكبرى. فقد أثبت، بقيادة وزارة التخطيط والتعاون الدولي، استعداده لاستخدام السكان السوريين كوسيلة لحشد مساعدات تنموية دولية من خلال "خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية"، والتي توصف بأنها "أول استجابة من نوعها بقيادة وطنية تجمع الاستجابات الخاصة باللاجئين والتنمية في خطة وطنية شاملة واحدة".2
كان الأردن ينظر دائماً إلى استضافة اللاجئين من خلال عدسة النفعية السياسية. وقد وفّر له تدفّق اللاجئين السوريين المزيد من الفرص لحشد الدعم الدولي لمصلحته. وفي حين تحمّل الأردن بلا شكّ عبء استضافة مجموعات اللاجئين السوريين المستضعفين على نحو متزايد، فقد أثبتت استجاباته للأزمة فهمه للعلاقة الهامة بين استضافة اللاجئين وزيادة المعونات الدولية والفرص المتاحة لبناء الدولة.
السياسة تجاه اللاجئين والقانون الدولي
يواجه الأردن وضع لاجئين معقداً على نحو غير معقول، حيث يستضيف ثاني أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنةً مع عدد المواطنين، وخامس أكبر عدد من اللاجئين من حيث القيمة المطلقة.3 ومنذ اندلاع العنف السياسي في سورية في العام 2011، حصل أكثر من 620 ألف سوري على اللجوء في الأردن.4 ومن بين هؤلاء، يعيش مايقرب من 84 في المئة في مجتمعات مضيفة.5 ويشبه تأثير ذلك استضافة الولايات المتحدة أكثر من 29.4 مليون لاجئ في فترة أربع سنوات. وتصل التقديرات الحكومية لأعداد السوريين المقيمين في الأردن إلى 1.4 مليون نسمة، وهي تشمل الأشخاص الذين غادروا قبل الحرب.6
ليس ثمّة التزام قانوني على الأردن بالاستمرار في قبول دخول اللاجئين؛ وبالتالي فإن الأمن الإنساني للسوريين الهاربين من بلدهم الذي مزّقته الحرب في خطر.
على الرغم من استضافة الأردن واحداً من أكبر تجمّعات اللاجئين في العالم، الملاحظ أن سياسة الحكومة الأردنية تجاه اللاجئين ليست واضحة بالقدر الكافي. فهي لم توقّع أي اتفاقيات أو بروتوكولات دولية تنظّم معاملة اللاجئين، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والبروتوكول الإضافي للعام 1967. وبالتالي فإن عدم وجود التزامات دولية مترتّبة على الأردن بموجب هذه المعاهدات، يتيح للحكومة درجة أكبر من التأثير في استجاباتها على مستوى السياسات الخاصّة بتدفّق اللاجئين.
مع ذلك، يُعتبر موقف الأردن تقدّمياً نسبياً بشأن اللاجئين، ويحافظ عموماً على المعايير الدولية بشأن معاملتهم. وتحدّد مذكرة التفاهم التي وقعها الأردن في العام 1998 مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إطارَ سياسة اللاجئين في الأردن تجاه غير الفلسطينيين. وتتضمّن الوثيقة مبادئ ومعايير الحماية الدولية الأساسية للمشرّدين، بما في ذلك تعريفات اتفاقية العام 1951 الخاصة باللاجئين وطالبي اللجوء.7 وتسمح المملكة للأطفال السوريين بالحصول على التعليم العام، كما أنها يسّرت، حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2014، حصولَ السوريين على الرعاية الطبية المدعومة. وتتضمّن مذكرة التفاهم معايير التعاون بين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والحكومة. ومع ذلك، لاتشكّل تلك المعايير التزاماً قانونياً.
وثمّة أيضاً التزام قانوني على الأردن يقضي باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يُعتبر على نطاق واسع أحد مكوّنات القانون الدولي العرفي الذي يجب على جميع الدول الالتزام به.8 وهو معرَّف وفقاً للأحكام الواردة في اتفاقية العام 1951 بأنه "لايجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو تردّه بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهدّدتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة أو بسبب آرائه السياسية".9 وعلى نحو يتجاوز القانون الدولي العرفي، التزم الأردن صراحةً بعدم إعادة الأشخاص من خلال التصديق على عهد الأمم المتحدة الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966.
غابت عن مذكرة التفاهم التي وقّعها الأردن مجموعة متنوّعة من الحقوق القانونية التي يتمتّع بها اللاجئون في الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة. وتشمل هذه الحقوق الحق في السكن والعمل والتعليم العام وحرية التنقل والإغاثة والمساعدة العامة. علاوةً على ذلك، بدأ الأردن بتقييد نطاق حماية اللاجئين السوريين، وألغى تقديم الرعاية الصحية لهم، وحدّ من حرية تنقلهم. والواقع أن غياب الإطار القانوني لاتفاقية الأمم المتحدة، أثار نقاشات في المجتمع الأردني الرسمي والقطاع الإنساني حول حقوق السوريين في الأردن، وكان الأكثر إثارة للجدل من بينها مسألة الحق في الحصول على سبل العيش.
نتيجةً لمحدودية التزامات الأردن بموجب القانون الدولي، لايزال اللاجئون داخل البلاد في وضع مكشوف من الناحية القانونية. وليس ثمّة التزام قانوني على الأردن بالاستمرار في قبول دخول اللاجئين؛ وبالتالي فإن الأمن الإنساني للسوريين الهاربين من بلدهم الذي مزّقته الحرب في خطر. فقد صدّت المملكة تدفّق السوريين على حدودها بصورة متزايدة وقلّصت الحريات والخدمات المقدّمة إلى اللاجئين. كما اتهم المجتمع الإنساني الأردن بإعادة اللاجئين إلى سورية، وخاصّة الرجال والفلسطينيون الذين لايرافقهم أحد. وتُعتبر هذه الإجراءات بمثابة انتهاك لمبدأ عدم الإعادة القسرية.
الصبر ينفد
مع دخول الحرب السورية عامها الخامس، تحوّل وضع اللاجئين السوريين إلى أزمة ممتدّة. وقد استقرّ غالبية اللاجئين السوريين في بعض أفقر المناطق في شمال الأردن، حيث تستضيف محافظات عمّان وإربد والمفرق أكثر من 76 في المئة من جميع اللاجئين السوريين في الأردن.10 ونفد الصبر والكرم في المجتمعات المضيفة، حيث ينافس اللاجئون الفئات السكانية الضعيفة في الأردن على الموارد الشحيحة وفرص العمل والرعاية الصحية والمأوى والتعليم.
على الرغم من أن السوريين أرهقوا المجتمعات المضيفة، إلّا أن الأردن كان يواجه بالفعل تحدّيات كبيرة لموارده وللقطاعين الاقتصادي والاجتماعي حتى قبل تدفّق اللاجئين. ففي الفترة التي سبقت الثورات العربية، عانى الأردن من ندرة هائلة في المياه، وارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب، والتهميش في المناطق الريفية، وعجز التنمية في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم. وقد تسبّب السوريون بزيادة سريعة في الإحباط العام بشأن هذه القضايا.
أثّر اللاجئون السوريون على الأردن بطرق إيجابية وسلبية على حدّ سواء، غير أن السرديّة العامة تبدو انتقادية بصورة كبيرة تجاه الوجود السوري. ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة العمل الدولية، يعتقد 85 في المئة من العمّال الأردنيين أنه لا ينبغي السماح للسوريين بالدخول إلى الأردن بحرية، كما يعتقد 65 في المئة أن كل السوريين يجب أن يعيشوا داخل مخيمات اللاجئين.11 وفي فترة بلغ فيها عدم الاستقرار السياسي في المنطقة ذروته، أضعف هذا الشعور العام الضارّ بصورة كبيرة استعداد الحكومة لاستضافة لاجئين إضافيين. ولم يؤدِّ انخفاض الثقة في الدعم الدولي، والبيئة الأمنية المزعزِعة للاستقرار، والضغط على الموارد سوى إلى تعزيز هذا الموقف.
تسلّط طبيعةُ المفاهيم العامة السلبية الضوءَ على أحد التحدّيات الرئيسة التي تواجه الأردن. إذ كيف يمكن للبلاد أن تُفاوض، سياسياً، على مطالب عامة الناس، وأن تجني في الوقت نفسه فوائد استضافة اللاجئين السوريين؟
الحوكمة
سلّط تدفّقُ اللاجئين السوريين الضوءَ على أزمة حوكمة في الأردن. فالحكومة مستنزَفة، على وجه الخصوص، على نحو يتجاوز قدرتها على توفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وإدارة النفايات في البلديات الأكثر تضرّراً من أزمة اللاجئين السوريين. وبما أن جودة الخدمات تتدهور، لم يعد المواطنون الأردنيون يُلقون المزيد من اللوم على اللاجئين السوريين وحسب، بل أيضاً على الحكومة لفشلها في تقديم الخدمات. وتشكّل هذه الديناميكة تحدّياً سياسياً كبيراً للحكومة وتحدّ من نطاق الخيارات المتاحة لها للاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين.
برامج المساعدة الإنسانية الخاصة بالسوريين زاد الإحباط لدى المواطنين الأردنيين بسبب الإجحاف المتصوَّر في توزيع المساعدات والخدمات.
لعل مايزيد الأمور سوءاً أن ظهور برامج المساعدة الإنسانية الخاصة بالسوريين زاد الإحباط لدى المواطنين الأردنيين بسبب الإجحاف المتصوَّر في توزيع المساعدات والخدمات. ويعتقد أربعة وثمانون في المئة من الأردنيين أن السوريين مدعومون بصورة غير عادلة من الناحية المالية.12
سياسياً، يثير هذا الأمر قلق المسؤولين الأردنيين لأن التصوّر العام عن عجز الحكومة عن توفير الخدمات الكافية يمكن أن تقوّض الشرعية السياسية.
كما توفّر أزمة اللاجئين السوريين فرصة للأردن لتعزيز المؤسّسات المحلية بالتعاون مع المجتمع الإنساني. ولذا يتعيّن على الجهات المانحة الدولية ومنفّذي برامج المساعدة الإنسانية تقديمَ المساعدات الموجّهة التي يمكن أن تعزّز أنظمة الحكم المحلية في الأردن، مايساعد البلاد على الاستجابة لتدفق اللاجئين، ويجعل البلديات أكثر فعّالية في تقديم الخدمات مما كان عليه الحال قبل الأزمة السورية.
التعليم
عندما أصبحت المدارس الحكومية مُتخَمة باللاجئين السوريين، عبّرت المجتمعات المضيفة عن قلقها إزاء تقصير مدة الحصص الدراسية واكتظاظ الصفوف الدراسية ونظام الفترتين.13 قبل وصول اللاجئين السوريين، كان الأردن يحرز تقدّماً في قطاع التعليم، ما أدّى إلى تصاعد مشاعر الإحباط لدى الجمهور والحكومة تجاه عوامل الإجهاد الأخيرة التي أصابت المدارس الحكومية.
أكثر من نصف عدد اللاجئين السوريين في الأردن تحت سن الثامنة عشرة، الأمر الذي يرتّب مطالب كبيرة على القدرات التعليمية.14 وقد فتح الأردن 98 مدرسة إضافية بنظام الفترتين لتخفيف الضغوط على حجم الفصول الدراسية.15 وبناءً على ذلك، زادت نسبة الطلاب الذين يلتحقون بالمدارس التي تعمل بنظام الفترتين من 7.6 في المئة في العام 2009 إلى 13.4 في المئة في العام 2014. 16 وقد عطّل ذلك بصورة كبيرة طموح وزارة التربية والتعليم في الحدّ من عدد من المدارس التي تعمل بنظام الفترتين في جميع أنحاء البلاد.17 في عمّان وإربد، يعاني حوالى نصف المدارس من الاكتظاظ، كما أن قدرتها محدودة على استيعاب أعداد إضافية من الطلبة.18
أدّى الضغط على القدرات التعليمية إلى زيادة التوتر في المجتمع المضيف. ووجد تقييم صدر مؤخراً عن REACH، وهي مبادرة مشتركة قامت بها اثنتان من المنظمات غير الحكومية والبرنامج التنفيذي لتطبيقات الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتحدة، 55 في المئة من السوريين والأردنيين الذين استُطلِعت آراؤهم قالوا إن التحدّيات التي تواجه التعليم ملحّة "جداً" أو ملحّة "إلى حدّ كبير".19 علاوةً على ذلك، وجدت الدراسة أن 61 في المئة من الأردنيين ذكروا أن مداخل التعليم تسببت في حدوث توترات في المجتمع.
الرعاية الصحية
وتهدّد الضغوط الأخيرة الناجمة عن تدفّق اللاجئين إجراءات تقديم الرعاية الصحية في الأردن. قبل الأزمة، أنشأ الأردن شبكة رائعة من مراكز الرعاية الصحية الأولية، مدعومة بمرافق رعاية ثانوية وثالثية، لتوفير الوصول إلى الخدمات الصحية لجميع المواطنين ضمن مسافة 10 كيلومترات (حوالى 6 أميال) من أماكن إقامتهم. ومع تدفق اللاجئين السوريين، تواجه هذه المراكز أعداداً من المرضى تفوق طاقتها على الاحتمال، ونقصاً في الأدوية واللقاحات، ما أدّى إلى إحباط جهود الحكومة كي تبقى على المسار الصحيح وتحقق الأهداف التنموية للقطاع الصحي.
تعرّض نظام الرعاية الصحية الأردني إلى الضغط من حيث الموارد المالية والقدرة على تقديم الخدمات. ووفقاً لوزارة الصحة، ازداد عدد زيارات المرضى الخارجيين السوريين إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية من 68 في كانون الثاني/يناير 2012 إلى 15.975 في آذار/مارس 2013. 20 وازداد عدد من تم إدخالهم من اللاجئين السوريين إلى المستشفيات الحكومية أيضاً من 300 إلى 10.330 خلال تلك الفترة.21 ونتيجةً لهذه الأعباء، تم توجيه الأردنيين بصورة متزايدة إلى المراكز والمستشفيات الخاصة لتلقي العلاج.22 وهكذا، جعل تدفقُ اللاجئين السوريين الحصولَ على الرعاية الصحية، بالنسبة إلى بعض المواطنين، أصعب منالاً وأكثر تكلفة.
كان توفير اللقاحات للسوريين إحدى أكثر مهمات الصحة العامة أهمية في الأردن ومن أغلى الخدمات المقدَّمة إلى اللاجئين السوريين.
شهد الأردن أيضاً عودة ظهور الأمراض المعدية التي تم القضاء عليها سابقاً، مثل السلّ وشلل الأطفال والحصبة. وقد كان توفير اللقاحات للسوريين إحدى أكثر مهمات الصحة العامة أهمية في الأردن ومن أغلى الخدمات المقدَّمة إلى اللاجئين السوريين.23
التوتّرات المجتمعية آخذة في الارتفاع استجابةً للضغوط على نظام الرعاية الصحية. وفي دراسة أخرى أجرتها مبادرة REACH، ذكر 64 في المئة من الأردنيين و56 في المئة من السوريين أن الوصول إلى الرعاية الصحية ساهم في حدوث توترات في مجتمعاتهم.24 ومن بين الأردنيين الذين شملتهم الدراسة، أورد 60 في المئة مسألة اكتظاظ مراكز الرعاية الصحية باعتباره مصدر قلق رئيس بالنسبة إليهم.25
أدّى الضغط على نظام الرعاية الصحية في الأردن إلى تقييد الخدمات المتاحة للاجئين السوريين. وعندما بدأ السوريون بالوصول إلى الأردن، ضمنت الحكومة حرية الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية والثانوية للسوريين المُسجَّلين الذين يعيشون في المجتمعات المضيفة. ومع ذلك، في نوفمبر / تشرين الثاني 2014، ألغت الحكومة الخدمات الطبية المجانية للاجئين السوريين، مشيرةً إلى أن القطاع الصحي مُثقَل بالأعباء التي تفوق طاقته، وأن ميزانيته مرهقة.
المأوى
بما أن أكثر من 80 في المئة من السوريين يعيشون خارج المخيمات، كان للاجئين تأثير كبير على سوق الإسكان الأردني.26 فقد اكتسحت أزمة اللاجئين السوريين الأردن وسط نقص مزمن في إسكان ذوي الدخل المنخفض. وأدّت زيادة الطلب على السكن الذي نشّطه السوريون، إلى ارتفاع أسعار الإيجارات في البلديات الأردنية الشمالية الست، وكذلك شدّدت الضغط على توافر المساكن بأسعار معقولة. في المدينتين اللتين استقر فيهما اللاجئون السوريون بصورة كبيرة، المفرق والرمثا، ارتفعت بعض أسعار الإيجارات إلى ستة أضعاف معدّلات ماقبل الأزمة، في حين تضاعف متوسط أسعار الإيجارات ثلاث مرات تقريباً.27 الضغط على قطاع الإسكان أزاح الفقراء الأردنيين والسوريين من سوق الإسكان.
يشير الأردنيون إلى أن التنافس على الحصول على المأوى هو المحرّك الرئيس للتوتّر. كما تفرض الزيادة في الإيجار تكلفة اجتماعية على المجتمعات الأردنية المضيفة، حيث يذكر الأردنيون أن تضخم تكاليف السكن يجبر الشباب على تأخير زواجهم، لأنهم لايستطيعون تحمّل تكاليف السكن الجديد، مايسهم في زيادة الإحباط الاجتماعي الناجم عن تدفّق اللاجئين.28
إدارة النفايات
تشكّل إدارة النفايات تحدّياً كبيراً في العديد من البلديات الأردنية المتشبّعة. واستشهدت دراسة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإدارة النفايات الصلبة باعتبارها الخدمة الأكثر تضرّراً في 33 من أصل 36 بلدة شملتها الدراسة.29 وقد زاد تدفّق اللاجئين السوريين حجم النفايات الصلبة بواقع 340 طنّاً يومياً.30 في مدينة المفرق وحدها، ساهم اللاجئون تقريباً بـ60 طنّاً إضافياً من النفايات يومياً.31 وقدّرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) التكلفة المالية الإجمالية الناجمة عن أزمة اللاجئين السوريين بالنسبة إلى الحكومات البلدية بحوالى 25.4 مليون دولار في العام ،2013 و33 مليون دولار في العام 2014. 32
ومع تجاوز إنتاج النفايات الصلبة قدرة البلديات المحلية على جمعها والتخلّص منها، يساهم تراكم النفايات الواضح بصورة متزايدة في الأماكن العامة في إحباط المجتمع. وفي الدراسة التي أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ذكر 13 في المئة من المشاركين في إربد و5 في المئة في المفرق أن تدفّق اللاجئين هو السبب الرئيس لتحدّيات إدارة النفايات الصلبة، في حين أن 35 في المئة من المشاركين في إربد و22 في المئة في المفرق حمّلوا البلدية مسؤولية عدم القدرة على جمع النفايات الصلبة.33 ولعل هذا يقدّم مثالاً حول الطريقة التي زاد من خلالها تدفّقُ اللاجئين السوريين مشاعرَ الإحباط المحلية ضد الحكومة الأردنية، ما أثار جزع المسؤولين.
أدّى الإنتاج الإضافي للنفايات إلى تفاقم الضغوط الموجودة أصلاً بشأن إدارة النفايات، حيث تم تجاوز القدرة على تقديم الخدمات في البلديات الشمالية، وعَجِز التمويل عن تلبية الاحتياجات، وكانت معدّات جمع النفايات غير فعّالة.
الاقتصاد
في حوارات مع مواطنين ومسؤولين حكوميين أردنيين، كانت الإشارات إلى اللاجئين السوريين باعتبارهم عاملاً أساسياً مسؤولاً عن المشاكل الاقتصادية في الأردن شائعة. ومع ذلك، كان الاقتصاد الأردني يعاني بالفعل من عناصر مزعزِعة للاستقرار قبل الأزمة السورية. والواقع أن الكثير من المشاكل الاقتصادية في الأردن ليست نابعة من وجود اللاجئين السوريين، بل من ظروف اقتصادية موجودة مسبقاً.
في الواقع، أفاد تدفّقُ اللاجئين السوريين الأردنَ من نواحٍ عديدة. فقد ساهم السوريون في دعم الطلب على السلع الاستهلاكية، وزيادة المساعدات الخارجية، وخلق فرص عمل. وعلى الرغم من أنه يجري التقليل من شأن هذه الآثار الإيجابية في الشارع الأردني، غير أنها ساهمت في الاقتصاد الأردني المتعثّر منذ العام 2012.
مع ذلك، تفاقم أزمة اللاجئين السوريين الاتجاهات الاقتصادية السلبية في الأردن من خلال ثلاث وسائل رئيسة. فتقديم الخدمات العامة والاجتماعية للاجئين السوريين يرهق الأموال الحكومية. وتُضخّم زيادة الطلب أسعار السلع المحدودة مثل الإسكان. كما يؤدّي التنافس على فرص العمل في القطاع غير الرسمي إلى خفض الأجور وتدهور الأوضاع الاقتصادية للأردنيين الأشدّ فقراً.
إن العبء الاقتصادي الناجم عن استضافة السوريين يتراكم في الغالب على الفئات السكانية الضعيفة من الأردنيين. تفاقم هذه الظاهرة مفهوم اتّساع الفجوة بين الأردنيين المهمّشين والنخبة.
وفي حين أن ثمّة مبالغة بشأن الآثار السلبية لأزمة اللاجئين في الأردن، فإن العبء الاقتصادي الناجم عن استضافة السوريين يتراكم في الغالب على الفئات السكانية الضعيفة من الأردنيين. تفاقم هذه الظاهرة مفهوم اتّساع الفجوة بين الأردنيين المهمّشين والنخبة، وتساهم في حدوث تحوّل في الخطاب السياسي داخل المملكة، وتثير المخاوف بشأن الجدوى السياسية للهياكل الاقتصادية الحالية.
عدم الاستقرار الاقتصادي الموجود مسبقاً
باعتباره دولة فقيرة بالموارد، يعتمد الأردن على المساعدات الخارجية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، مايجعل اقتصاده عرضة إلى الصدمات الاقتصادية الخارجية. وقبل وصول اللاجئين السوريين، شهد الاقتصاد الأردني فترة طويلة من الانكماش، كما عانى الاقتصاد من صدمتَيْن اثنتَيْن. أولاً، هزّت تموّجات الأزمة المالية العالمية في العام 2008 أسسَ الاقتصاد الأردني، ما أدّى إلى انخفاض كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر وتدفّقات رأس المال الخاص إلى عمّان.34 ثانياً، تسبّبت الانتفاضات العربية في حدوث انكماش اقتصادي إقليمي وزعزعة استقرار عددٍ من شركاء الأردن التجاريين الرئيسيين. على سبيل المثال، أثارت اضطرابات تدفّق الغاز الطبيعي من مصر تقلّبات في إمدادات النفط الإقليمية وأسعاره. كما أن انخفاض أسعار السلع الأساسية العالمية وتقييد الصادرات وانخفاض التحويلات المالية، أثّرت سلباً على الاقتصاد الأردني خلال هذه الفترة.35
نتيجةً لذلك، انخفض معدّل نمو الناتج المحلّي الإجمالي في الأردن من 7.9 في المئة في العام 2008 إلى 2.3 في المئة في العام 2010. 36 وكانت للانخفاض الحادّ في نمو الناتج المحلّي الإجمالي آثار سلبية على البطالة وارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأردن. كما غذّى توقيت الأزمة الاقتصادية ووصول اللاجئين السوريين المفاهيمَ العامة التي تقول إن المصاعب الاقتصادية في الأردن هي نتيجة الوجود السوري، على الرغم من أن عدم الاستقرار في المنطقة كان هو المتهم الرئيس.
البطالة
حمّل الكثير من الأردنيين تدفّق اللاجئين السوريين المسؤولية عن زيادة معدّلات البطالة. وأفادت منظمة العمل الدولية أن معدّلات البطالة في صفوف الأردنيين ارتفعت من 14.5 في المئة في آذار/مارس 2011 إلى 22 في المئة في العام 2014. 37 وعلى الرغم من أن السوريين لايمكنهم أن يعملوا بصورة قانونية في الأردن، قدّرت منظمة العمل الدولية أن 160 ألفاً من السوريين يعملون في قطاع العمل غير الرسمي، ولا سيّما في وظائف الزراعة والبناء والخدمات.38 ووفقاً للدراسة التي نشرتها منظمة العمل الدولية، يعتقد 96 في المئة من الأردنيين أن السوريين يستولون على وظائفهم.39 وعلى الرغم من الوجود السوري، فمن الأرجح أن الأزمة الاقتصادية الإقليمية والدولية، إلى جانب القضايا الاقتصادية الهيكلية الموجودة مسبقاً في الأردن، هي المسؤولة عن ارتفاع معدّلات البطالة.
عرض تقرير "مراجعة عملية تقييم الاحتياجات" الذي أعدته الحكومة الأردنية، عاملَين بديلَين رئيسيَّين لارتفاع معدّلات البطالة. أولاً، خلال السنوات 2010 - 2013، نما عدد السكان ممن هم في سن العمل بصورة غير متناسبة مقارنةً مع عموم السكان، واكتسحوا سوق العمل. والواقع أنه في العام 2004، كان أكثر من 50 في المئة من سكان الأردن دون سن الخامسة عشرة. ونظراً إلى الطفرة في أعداد الشباب، كان على الأردن أن يحافظ على معدّل نمو بنسبة 7 في المائة إلى 8 في المئة ليحافظ على ثبات معدّل البطالة.40 ثانياً، قلّص البرنامج الحكومي للاندماج المالي عدد وظائف القطاع العام المتاحة بصورة كبيرة.41 وهكذا أصبح الشباب الأردنيون الذين لولا ذلك لدخلوا في عداد القوى العاملة العامة، عاطلين عن العمل تماماً عندما انكمش الاقتصاد وتعثّر القطاع الخاص.
إن المنافسة بين العمال السوريين والأردنيين المفصولين تُسهم في الفكرة القائلة إن مشاركة السوريين في القوى العاملة ساهمت بصورة مباشرة في فقدان الأردنيين لوظائفهم.
أظهرت البيانات الوطنية أن الانخفاض في العمالة الأردنية خلال الفترة 2010 - 2013 حدث في أسواق العمل التي لم توظّف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين.42 وخلال هذه السنوات، شهد الأردن خسارة الوظائف في القطاع الرسمي، بما في ذلك النقل والتخزين والخدمات الإدارية وإنتاج المرافق والفنون والترفيه والمنظمات الأجنبية وإمدادات المياه وإدارة النفايات. مع ذلك، فإن يعمل غالبية السوريين في القطاع غير الرسمي، مثل البناء (40 في المئة)،43 وتجارة الجملة والتجزئة (23 في المئة)، والصناعة (12 في المئة)، والسكن والخدمات الغذائية (8 في المئة).44 وقد شهد كل واحد من هذه القطاعات في الواقع نمواً في العمالة الأردنية خلال الفترة 2010 - 2013. 45
ينطوي نمو القطاع غير الرسمي على عواقب سلبية. ذلك أن تقلّص القطاع الرسمي وزيادة فرص العمل غير الرسمية يعنيان أساساً أن المزيد من الأردنيين يعملون بوظائف ذات أجور منخفضة ومهارات متدنية. وتسبّبت زيادة المنافسة على فرص العمل في السوق غير الرسمية، وعلى رأسها دخول الأردنيين والسوريين، بفصل العمال وتدهور ظروف العمل. فضلاً عن ذلك، فإن المنافسة بين العمال السوريين والأردنيين المفصولين تُسهم في الفكرة القائلة إن مشاركة السوريين في القوى العاملة ساهمت بصورة مباشرة في فقدان الأردنيين لوظائفهم. ومع ذلك، فإن تدهور أحوال سوق العمل الرسمي هو القضية الرئيسة.
على الرغم من أن الغالبية العظمى من العمال غير النظاميين في الأردن هم من المهاجرين، يوظف القطاع غير الرسمي أيضاً الفئات الأضعف من السكان في الأردن. وبالتالي، فإن أي فصل يؤثّر على العمال الأردنيين في القطاع غير الرسمي، يؤثّر بصورة غير متكافئة على الفئات الأكثر تهميشاً في الأردن، الذين يعملون بالفعل مقابل أدنى الأجور في وظائف لاتتطلّب سوى مهارات متدنية، في قطاعات مثل الزراعة وتجارة التجزئة والتجارة. على سبيل المثال، ومع أن قطاع البناء والتشييد شهد نمواً كلّياً في العمالة، انخفضت نسبة إجمالي العمّال الأردنيين العاملين في قطاع البناء والتشييد من 9 في المئة إلى 7 في المئة بين آذار/مارس 2011 وآذار/مارس 2014. كما أن ثلاثين في المئة من العمّال الأردنيين الذين كانوا يعملون في قطاعَي البناء والزراعة في العام 2011، لم يعودوا يعملون في هذين القطاعين في العام 2015. 46
تشير التقارير إلى أن خفض الأجور في القطاع الاقتصادي غير الرسمي في الأردن يمثّل الأثر السلبي الأبرز لدخول السوريين إلى سوق العمل الأردني.47 ويهدّد الضغط النزولي على الأجور في سوق العمل غير الرسمي بجعل الوضع الاقتصادي للأردنيين الذين يعتمدون عليه ضعيفاً ولا يُطاق. وتعتمد نسبة الـ14 في المئة من الأردنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر على الأجور من العمالة غير الرسمية في نصف دخلهم.48 وبالتالي، فإن خفض الأجور لايُسهم وحسب في زيادة الاستغلال في مجال العمل وتدهور معايير العمل لأن المنافسة على الوظائف في القطاع غير الرسمي تنمو، بل يشجّع أيضاً على استخدام آليات المواجهة السلبية مثل عمالة الأطفال، ويزيد من حدّة الفقر بين الفئات الأردنية الأكثر انكشافاً. كما يؤكد البنك الدولي أن الضغط النزولي على الأجور قد يسبّب انخفاضاً في معدّل مشاركة القوى العاملة الوطنية الأردنية.49
أدّى دخول السوريين إلى القطاعات غير الرسمية في الاقتصاد إلى زيادة التهميش في الأردن. وبما أن الفئات الأكثر انكشافاً من سكان البلاد تتحمّل وطأة العواقب في شكل ضغط نزولي على الأجور وزيادة البطالة، تستفيد الشركات الأردنية من زيادة الطلب من جانب السوريين ووجود قوى عاملة أكبر. ويعود هذا التحدّي إلى ارتفاع مستوى القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الأردني.
التأثيرات على الميزانية
إضافةً إلى التعليم والرعاية الصحية وإدارة النفايات، يستفيد اللاجئون السوريون أيضاً من الدعم الحكومي غير الموجَّه للمياه والخبز والغاز. وتقدِّر الحكومة الأردنية أن يصل الأثر المالي الإجمالي للأزمة السورية على ميزانية العام 2015 إلى حوالى 2.1 مليار دولار.50
الاقتصاد: الفرص والتأثيرات الإيجابية
على الرغم من أن العديد من المحلّلين والمسؤولين الحكوميين والمواطنين الأردنيين يركّزون على الآثار السلبية لتدفق اللاجئين السوريين، إلّا أن الاقتصاد استفاد أيضاً من الزيادة السكانية. وأدت زيادة الاستثمار العام، مدفوعةً بتدفّق اللاجئين السوريين، جنباً إلى جنب مع النمو في قطاعات الصناعة التحويلية والبناء والنقل والاتصالات والخدمات، إلى زيادة معدّل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.7 في المئة في العام 2012، وفقاً للبنك الدولي.51
استمر الاستهلاك الخاص في دفع عجلة النمو الاقتصادي في عامَي 2013 و2014، مع زيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة وانتقال قطاع الأعمال السوري إلى الأردن.52 ونما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.8 في المئة في العام 2013 و3.1 في المئة في العام 2014. 53 فضلاً عن ذلك، ساهم استهلاك اللاجئين السوريين في النمو الاقتصادي، لكن الزيادة في استهلاك الأردنيين هي التي أدّت إلى توسع الناتج المحلي الإجمالي. كان تدهور التجارة هو العامل الاقتصادي الأساسي في زعزعة الاستقرار، مايُعدّ مؤشراً على أن المشاكل الاقتصادية لاتنبع في المقام الأول من وجود اللاجئين، وأن الصراعات في الدول المحيطة تلعب دوراً هاماً في ذلك. وعليه فإن واقع التحديات الاقتصادية في الأردن يشير إلى أن الحدّ من عدد اللاجئين السوريين لن يصلح التحدّيات الاقتصادية المخاتلة في البلاد.
حقيقة وصول اللاجئين السوريين في الوقت الذي كان الأردن يواجه مشاكل اقتصادية كبيرة، جعلت من السكان كبش فداء سهلاً لتدهور الوضع الاقتصادي في المملكة.
إضافةً إلى ذلك، وسّع المجتمع الدولي إلى حدّ كبير المساعدات الخارجية والمنح التنموية في أعقاب الأزمة. وبين عامَي 2012 و2015، تلقّى الأردن مبلغاً غير مسبوق من المساعدات الدولية التي ساهمت في زيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي. ففي العام 2012، وصلت قيمة المنح والقروض الخارجية إلى 3.1 مليار دولار، أي أكثر من أربعة أضعاف إجمالي ماتلقاه الأردن في العام 2011، وأكثر من ضعف الأموال التي تلقاها في أي سنة منذ العام 2000. 54 ووصلت قيمة المساعدات الاقتصادية الأميركية المقدّمة إلى الحكومة الأردنية وحدها 700 مليون دولار في عامَي 2014 و2015، أي تقريباً ضعف المبلغ الذي قدمته الولايات المتحدة في العام 2011. 55 وما من شك في أن أزمة اللاجئين السوريين ساهمت في حدوث ارتفاع حادّ في التمويل الأجنبي. والواقع أن التكلفة السنوية في الميزانية المخصَّصة للاستجابة الإنسانية لأزمة اللاجئين السوريين في الأردن تبلغ 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للأردن.56 ومع ذلك، يبدو أن إعياء المانحين بدأ بالظهور ولم تتم تلبية العديد من النداءات الحكومية والإنسانية.
التصورات العامة تحدّد الاستجابة
حقيقة وصول اللاجئين السوريين في الوقت الذي كان الأردن يواجه مشاكل اقتصادية كبيرة، جعلت من السكان كبش فداء سهلاً لتدهور الوضع الاقتصادي في المملكة. وعلى الرغم من أن الآثار الإيجابية لوجود اللاجئين السوريين في الأردن كبيرة، فهي أقل وضوحاً بكثير من الاتجاهات السلبية في الاقتصاد الأردني. وعليه، في حين تدعم أزمة اللاجئين السوريين الاقتصاد الأردني في بعض النواحي الهامة، فإنها لاتفعل شيئاً يذكر لتحسين التحدّيات السياسية التي تواجه الحكومة.
الأردن مقيَّد بوجه عام في قدرته على الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين، بسبب المفاهيم السائدة في صفوف الأردنيين بأن للاجئين السوريين تأثيراً سلبياً شديداً على الاقتصاد. وكشفت دراسة استقصائية أُجرِيت في العام 2015 أن 95 في المئة من العمّال الأردنيين وافقوا على أن السوريين أخذوا الوظائف من الأردنيين، إما "إلى حدّ ما" أو "إلى حد كبير".57 علاوةً على ذلك، قال 93 في المئة من الأردنيين إنهم يعتقدون أن السوريين أعاقوا نمو أجور الأردنيين، فيما قال 40 في المئة إنهم لايعتقدون أن السوريين يساهمون في اقتصاد البلاد.58 وعلى الرغم من أن هذه المفاهيم تبالغ في التأثيرات السلبية على الاقتصاد الأردني، فإنها موضع اهتمام سياسي رفيع بالنسبة إلى الحكومة لأنها تسهم في تنامي السرديةّ السياسية عن التهميش في الأردن، ويُحتمل أن تؤدّي إلى عدم استقرار سياسي.
المياه
تُعَدّ الندرة المطلقة للمياه من بين أهم المشاكل التي يواجهها الأردن. إذ يتم تقريباً استنزاف شريان المياه الرئيس في هذا البلد الصحراوي، وهو نهر الأردن، قبل دخوله الأراضي الأردنية. والواقع أن المملكة هي ثالث أفقر بلد من حيث المياه في العالم.59 النمو السكاني السريع الناجم عن تزايد أعداد اللاجئين، وقِدَم البنية التحتية للمياه، وعدم كفاية التخطيط للمياه، كلها أمور تضاعف مشكلة نقص المياه في الأردن.
أدّى تدفّق اللاجئين السوريين إلى الأردن إلى تجدّد الاهتمام الدولي بأزمة المياه في البلاد. وعلى حدّ تعبير وزير المياه والري الأردني حازم الناصر، وفقاً لما أوردته قناة الجزيرة: "نحن نعيش مع مشكلة مياه مزمنة. ونحن الآن على وشك الانتقال من مشكلة مياه مزمنة إلى أزمة مياه. العنصر الذي من شأنه أن يتسبّب في هذا الانتقال هو عدد اللاجئين السوريين".60 وما يزيد الطين بلّة أن اللاجئين السوريين في الأردن يتجمّعون في مناطق لاتستوفي المعايير الدولية والوطنية المتعلقة بإمدادات المياه والصرف الصحي.
استجابةً إلى تدفّق اللاجئين السوريين، أعطت دوائر تقديم المعونة الدولية والحكومة الأردنية الأولوية لمعالجة أزمة المياه في البلاد. وعلى الرغم من الضغط الناجم عن عدد اللاجئين السوريين على إمدادات المياه الأردنية، فإن زيادة التركيز على تطوير البنية التحتية للمياه وتشجيع عادات المحافظة على المياه، يمكن أن يوفّرا تدريجيّاً فوائد مستدامة للمملكة.
أزمة المياه الموجودة مسبقاً في الأردن
الجغرافيا والسياسة الإقليمية وسوء إدارة الموارد، كلها عوامل ساهمت في النقص الحادّ في المياه في البلاد، والذي اعترف به المسؤولون الحكوميون والمحلّلون على نطاق واسع منذ سبعينيات القرن الماضي.61
يقدّر البنك الدولي أن البلد الذي يبلغ فيه نصيب الفرد السنوي عتبة 1000 متر مكعب من المياه أو أكثر هو بلد "آمن مائياً"، مايعني أن البلد لديه مايكفي من المياه لتأمين مياه الشرب والصرف الصحي والصناعة والزراعة. في العام 1946، عندما استقلّ الأردن عن المملكة المتحدة، كان بإمكان كل مواطن من بين سكانه البالغ عددهم 538 ألف نسمة الحصول على 3600 متر مكعب من المياه العذبة.62 لكن، بحلول العام 2008، قلّص النمو السكاني وعقود من الاستهلاك المفرط إمدادات المياه إلى 145 متراً مكعباً فقط للشخص الواحد. ووفقاً لتقديرات ماقبل الأزمة، سينخفض نصيب الفرد السنوي إلى 90 متراً مكعباً بحلول العام 2025. 63
نسبة 37 في المئة فقط من إمدادات المياه في الأردن تأتي من مصادر المياه السطحية التي تتجدّد مواردها بسهولة، وهي تتناقص بسرعة.64 ففي العام 2009، قبل الأزمة السورية، صرّح وزير المياه والري الأردني قائلاً: "لم يبق لدينا مياه سطحية ولا أنهار ولا بحيرات، لم يبق لدينا شيء على الإطلاق".65 الغالبية العظمى من إمدادات المياه في الأردن، الذي يعاني من عدم وجود مياه سطحية، تأتي من المياه الجوفية التي يستنزفها الاستخدام السنوي بضعف معدل إعادة تغذية طبقات المياه الجوفية.66 وعندما يكون مصدرها غير مستدام، يمكن أن تنهار طبقات المياه الجوفية أو تتلوّث، الأمر الذي يلغي إمكانية استخدامها في المستقبل.
ليس لدى الأردن، الذي يُواجه طلباً متزايداً على المياه، خيار سوى مواصلة استخراج المياه من طبقات المياه الجوفية. مع ذلك، وفي حين يرهق الأردن مصادره المائية غير المتجدّدة بسرعة، يتم فقدان مايقرب من 50 في المئة من جميع الموارد المائية بسبب البنية التحتية العتيقة، وأعمال الصيانة غير الكافية، والسرقة. ووفقاً لمؤسّسة Mercy Corps، وهي وكالة مساعدات دولية، يمثّل ذلك فقدان 76 مليار لتر على الأقل سنوياً، والتي يمكن أن تخدم، لو تم الحفاظ عليها، 2.6 مليون نسمة، أي أكثر من ثلث سكان الأردن حالياً.
يبدو الأردن أيضاً غير راغبٍ في تنظيم موارده المائية بفاعلية. وعلى الرغم من أن لديه قوانين صارمة ضد عمليات الحفر غير المرخّصة، إلّا أن الحكومة نادراً ماتطبق هذه القوانين، لأن القبائل المؤثِّرة سياسياً في الأردن هي التي تشغّل الآبار غير القانونية. وخوفاً من إغضاب قاعدة القوة الرئيسة في النظام الملكي، تفضّل وزارة المياه مراقبة الآبار غير القانونية بدلاً من إغلاقها.
ساهم النمو السكاني السريع في الأردن، الناتج عن ارتفاع معدل المواليد وهجرة اللاجئين، في تعميق انعدام الأمن المائي من خلال وضع ضغوط شديدة على الموارد المحدودة.68 وحتى قبل تدفّق اللاجئين السوريين، كان من المتوقّع أن يتضاعف عدد سكان الأردن بحلول العام 2024، في حين كان من المتوقّع أن تنخفض إمدادات المياه بمقدار النصف.69 واستناداً إلى أرقام تعود إلى ماقبل الأزمة السورية، توقّع محلّلون أن يستنزف الأردن كل موارده من المياه العذبة الجوفية بحلول العام 2060.
المياه: التأثير السلبي لأزمة اللاجئين السوريين في الأردن
الزيادة السكانية الكبيرة في الأردن، والتي تُنسَب إلى تدفق اللاجئين السوريين، قرّبت موعد استنفاد المياه كثيراً. إذ توقّعت وزارة المياه والري الأردنية أن يرتفع الطلب على المياه في المملكة بنسبة 16 في المئة في العام 2013، وأن يزيد العجز المائي بنسبة 50 في المئة تقريباً، حيث يرجع ذلك جزئياً إلى تدفّق اللاجئين السوريين.71 وفي بعض مناطق الأردن، ضاعف اللاجئون السوريون الطلب على المياه.72
المجتمعات التي استضافت أكبر تجمّعات اللاجئين كانت هي الأشدّ تضرراً. فوفقاً لمؤسسة Mercy Corps، انخفض متوسط الإمدادات اليومية من المياه في البلديات الشمالية، حيث يعيش معظم اللاجئين السوريين، إلى أقل من 30 لتراً في اليوم للشخص الواحد.73 ويُعتبر توفير مقدار 80 لتراً في اليوم للشخص الواحد ضرورياً لتلبية الحاجات الأساسية فقط.74 وفي مدينة المفرق، ازداد العجز المائي أربعة أضعاف بسبب الضغوط الناجمة عن تدفّق اللاجئين السوريين.
الأردنيون في الشمال يتردّدون في توفير المياه خشية أن تعيد الحكومة والمنظمات الإنسانية توجيه الموارد غير المستخدمة إلى اللاجئين السوريين.
في حين أن وجود اللاجئين السوريين يزيد الطلب على المياه، فإنه لايشجّع على المحافظة عليها في صفوف الأردنيين. فالمواطنون في الشمال يتردّدون في توفير المياه خشية أن تعيد الحكومة والمنظمات الإنسانية توجيه الموارد غير المستخدمة إلى اللاجئين السوريين. وهكذا أدّت المنافسة بين الأردنيين والسوريين على المياه إلى استفحال تهديد إمدادات المياه في الأردن.76
التعلم من سورية
يجب أن يولي الأردن اهتماماً خاصاً إلى الدور الحاسم الذي لعبه سوء إدارة الموارد المائية في زعزعة الاستقرار السياسي في سورية خلال الانتفاضات العربية. فبين عامَي 2006 و2010، ضربت سورية واحدة من أشدّ موجات الجفاف في تاريخها، وتسبّبت بهجرة داخلية جماعية وانتشار سوء التغذية. لم يكن الجفاف ناجماً عن العوامل البيئية وحسب، بل أيضاً عن سوء الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في سورية على مدى خمسين عاماً.77
غذّى فشل الحكومة السورية في الاستجابة بصورة مناسبة لموجة الجفاف المظالمَ في أوساط الطبقة الريفية الفقيرة، وتسبّب بهجرة مايقرب من 1.5 مليون سوري من المناطق الزراعية في شمال شرق البلاد إلى المحافظات الجنوبية.78 ضغط هذا النزوح الداخلي على المناطق الحضرية ووسّع الفجوة بين النخبة والجماعات المهمّشة. في سورية، تلت عمليةُ الانتقال الجماعي للسكان تدفّقَ اللاجئين العراقيين إلى سورية بعد اندلاع الحرب في العراق في العام 2003، وهو التدفّق الذي كان قد أرهق المناطق الحضرية. والجدير بالذكر أن الاحتجاجات الأولى في سورية اندلعت في محافظة درعا، التي شهدت، نتيجةً للهجرة الداخلية من شمال شرق سورية، سخطاً في المناطق الريفية، وضغطاً سكانياً في المناطق الحضرية، وتوسيع الهوّة بين النخبة والجماعات السورية المهمّشة.
لا ينبغي أن يغيب عن بال المسؤولين الأردنيين أن الوضع المائي في سورية قبل الانتفاضات العربية يماثل الوضع الراهن في الأردن. فالعديد من ممارسات الأردن في مايتعلق بالموارد المائية غير مستدامة، كما أن تدفّق أعداد هائلة من السكان إلى المناطق الحضرية يستنزف الموارد، ويؤثّر نضوب المياه بصورة غير متكافئة على الجماعات المهمّشة.
بات نقص المياه في الأردن يتحوّل وبسرعة إلى مشكلة سياسية خطيرة. فقد تسبّبت زيادة التنافس على الموارد الثمينة والمحدودة بحدوث توتّرات في المجتمع المضيف، ما أثار حالة من عدم الاستقرار في البلديات الشمالية. وذكرت شركة اليرموك للمياه أن شكاوى المشتركين الأردنيين ازدادت أربعة أضعاف تقريباً بين 2011 و2013. 79 وفي صيف العام 2012، تسبّب نقص المياه بحدوث احتجاجات وأعمال شغب عدّة في محافظة المفرق. وفي العام 2013، نفدت المياه في ثغرة الجب، وهي قرية صغيرة في ريف المفرق، مادفع الناس بالتالي إلى إقامة حواجز على الطريق السريع الرئيس، وحرق الإطارات والمطالبة بالمياه بأسعار معقولة. وقد تفاقم الوضع إلى درجة أن الملك عبد الله الثاني وصل شخصياً إلى مكان الاحتجاج ووعد ببناء خطوط أنابيب مياه إضافية للقرية.
أزمة المياه في الأردن مشكلة معقدة، تفاقمت نتيجة تدفّق اللاجئين السوريين ولكنها متأصّلة في الديناميكيات السياسية المعقّدة، بما في ذلك التنافس الإقليمي على المياه والسياسات القبلية المحلية وسوء إدارة المياه. لذا يحتاج الأردن إلى استثمارات كبيرة في قطاع المياه إذا كان يريد تحقيق ممارسة مستدامة لاستهلاك المياه. فقد زادت أزمة اللاجئين السوريين الاهتمام بأزمة المياه في الأردن، وأدّت إلى ردود فعل ذات أولوية لهذه القضية الملحّة. ولكي يتم الحدّ من التوتّر بشأن الموارد المائية، فضّلت منظمات الإغاثة الدولية القيام بعمليات تأهيل مستحَقّة لشبكات المياه التي تُفيد الأردنيين بشكلٍ مباشر.81 يُضاف إلى ذلك أن أزمة اللاجئين في الأردن يمكن أن تساهم في تهيئة بيئة تحفّز على تغيير قطاع المياه الأردني، وإعادة توجيه السكان نحو ممارسات أكبر في مجال الحفاظ على المياه والوعي البيئي.
السياسة والقبائل والهوية
المشهد السياسي
منذ ظهور نظام الحكم الملكي الهاشمي باعتباره السلطة السياسية في الأردن، اعتمدت شرعيته على التعاطي البارع مع المصالح المتنافِسة. تاريخياً، سعى الهاشميون إلى إيجاد توازن بين القبائل الأردنية في الضفة الشرقية، وفلسطينيي الضفة الغربية والإسلاميين والقوميين. وقد أثّر كل تدفّق سكاني إلى الأردن على هذا التوازن الدقيق، وبالتالي لايشكّل تدفّق اللاجئين السوريين استثناءً.
يُعتبر الدعم القَبَلي للنظام الملكي الأردني سمة أساسية من سمات الشرعية السياسية للدولة. فخلال مرحلة تأسيس الأردن كدولة عصرية، بنت العائلة الهاشمية الهوية الناشئة للدولة الأردنية حول القبائل البدوية. إلى جانب تمثيل الخصائص الأساسية للهوية الأردنية، تلعب قبائل الضفة الشرقية أيضاً دوراً حاسماً في الأجهزة الأمنية في الأردن، والتي تستمد منها الحكومة الأردنية مصدر سلطتها الرئيس. ونتيجةً لذلك، تنبع الخصوصية بشأن الهوية الأردنية في جزء منها من محاولات الأردنيين في الضفة الشرقية الحفاظَ على وضعهم السياسي داخل المملكة.
في السنوات الأخيرة، شهدت الحكومة الأردنية أزمة تمثّلت في تراجع تأييد زعماء القبائل. وينبع تناقص الدعم، جزئياً، من المفاوضات السياسية التي يجريها النظام الملكي بين زعماء القبائل في الضفة الشرقية، والنخبة الفلسطينية المؤثّرة على نحو متزايد لكن المهمّشة سياسياً. لكن تراجع الدعم هو أيضاً نتيجة لتهميش المناطق الريفية النائية في الضفة الشرقية على مدى العقود الثلاثة الماضية، بعد أن أصبح الأردن حضريّاً.82
فاقمت الديناميكيات التي أدخلتها أزمة اللاجئين السوريين من تأثير السرديّة الناشئة عن المهمّشين في المجال السياسي. لكن الظروف الاقتصادية الصعبة والتنافس المتزايد على الخدمات والموارد أثارا مشاعر إحباط في الأردن بشأن الهوّة المتزايدة بين المواطنين المهمّشين وبين النخبة في الأردن. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب كان حاضراً في الأردن قبل وصول اللاجئين السوريين (إذ ظهر في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بين القبائل الريفية في الضفة الشرقية)، إلّا أن السكان اللاجئين في المناطق الحضرية قاموا بتعزيزه، مازاد من تآكل قاعدة الدعم التقليدية للنظام الملكي.83
الأردنيون في الضفة الشرقية ليسوا القوة الوحيدة التي يجب على النظام الملكي الأردني أن يحسب حسابها، حيث كانت جماعة الإخوان المسلمين والسكان الفلسطينيون في الأردن صريحين في المطالبة بالإصلاح في السنوات التي سبقت الثورات العربية. إذ طالب الفلسطينيون على نحو متزايد بتمثيل أكبر في الهياكل السياسية في البلاد، وبإلغاء القيود السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه، دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى مشاركة سياسية أكبر لحزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي للجماعة في الأردن.
في هذه البيئة المعقّدة من التنافس السياسي، أحدقت أزمة اللاجئين السوريين بالأردن. فمن ناحية، ساعدت أزمة اللاجئين في قمع الاحتجاجات والدعوات الوطنية إلى الإصلاح، من خلال خلق منطقة عازلة عصيّة على النقد، وتوفير المزيد من الوقت للحكومة لاسترضاء كل جماعة سياسية متنافسة. ومن ناحية أخرى، اضطرّ النظام الملكي إلى التعاطي مع طموحات اللاعبين السياسين الرئيسيين في البلاد، الأردنيون في الضفة الشرقية وجماعة الإخوان المسلمين والفلسطينيون، في اللحظة التي أصبحت فيها موارد البلاد أكثر إنهاكاً.
التحوّل الديمُغرافي والمواطنة
التحوّل الديموغرافي الذي أدخله اللاجئون السوريون والعراقيون والفلسطينيون، ينطوي أيضاً على نتائج سياسية بالنسبة إلى المملكة. فقد بنى الأردن شرعيته السياسية حول ركائز الهوية الوطنية الأردنية الشرقية. ومنذ السنوات الأولى لتأسيس المملكة، كانت فكرة أن الأردن قد يصبح وطناً بديلاً للفلسطينيين تشغل حيّزاً كبيراً من السيكولوجيا السياسية في البلاد. وعلى العموم، فإن الفلسطينيين مستبعدون من الحكومة، على الرغم من أنهم يشكّلون نسبة كبيرة من النخبة الاقتصادية. ويظهر التهديد المتصوَّر الذي يطرحه الفلسطينيون على الهيمنة السياسية والهوية الأردنية في الضفة الشرقية، في سياسات الأردن تجاه اللاجئين الوافدين من سورية، حيث تُقيّد المملكة دخول اللاجئين الفلسطينيين-السوريين.
كوسيلة لتعزيز الهوية التراثية للدولة، لدى الأردن أيضاً قوانين مقيِّدة حول الجنسية. فمن الناحية القانونية، لاتملك المرأة الأردنية الحق في منح جنسيتها لأبنائها. وبالتالي، إذا تزوجت المرأة الأردنية من أجنبي (أي شخص من دون جنسية أردنية)، لايتم منح زوجها وأولادها حقوق المواطنة. ومع ذلك، يُرجَّح أن يصبح قانونُ الجنسية الذي يعتمد أبويّة النّسب ويتعرّض إلى انتقادات كثيرة في الأردن أقلَّ قبولاً، نظراً إلى زيادة نسبة السكّان الذين وُلدوا في الأردن والذين لايتمتّعون بصفة المواطنة داخل المملكة.
تحمل الطبيعة طويلة الأمد لأزمة اللاجئين السوريين المزيدَ من الآثار السياسية بالنسبة إلى الأردن. فبعد جيل من الآن، سيزيد اللاجئون السوريون عدد السكان غير الأردنيين، ومن ضمنهم الفلسطينيون والعراقيون، الذين يعيشون داخل المملكة من دون تمثيل وكمواطنين من الدرجة الثانية. يهدّد هذا التحوّل الديمُغرافي بإثارة مسائل سياسية مستقبلية حول من يستحق المواطنة، وسيفرض فتح نقاش أصعب حول من هو أردني بالفعل.
استجابات السياسات الأردنية والإنسانية
أثبت الإحباط العام بشأن تأثير اللاجئين السوريين في الأردن، أنه دافع قوي في صياغة الحكومة الأردنية سياساتٍ تجاه اللاجئين السوريين، غالباً ماكان لها تأثير ضارّ على الأمن الإنساني للسوريين. الضغوط على الموارد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية للفئات السكانية الضعيفة في الأردن، والتصوّرات المتزايدة بشأن إخفاقات الحوكمة داخل المجتمعات المضيفة، أثارت قلق المسؤولين. ومنذ منتصف العام 2014، ازداد وضع اللاجئين السوريين ضعفاً عندما عمد الأردن إلى الحدّ من تدفّق اللاجئين، وانتهك قوانين عدم الإعادة القسرية الدولية، وحدّ من الخدمات المقدّمة إلى السوريين.
تطوّر السياسات الخاصة باللاجئين السوريين
حين وصل اللاجئون السوريون إلى الأردن، كانت البلاد متخمة باللاجئين وحذرة من قبول المزيد منهم. فقد أثارت التجارب السابقة مع اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين المخاوف بشأن بقاء اللاجئين والآثار الخطيرة الناجمة عن استقبالهم وسط تحدّيات إقليمية اقتصادية وسياسية وأمنية. وقد تم الاسترشاد بهذه التجارب لصياغة سياسة الدولة تجاه اللاجئين السوريين.
بدأ اللاجئون بالقدوم إلى شمال الأردن مع شنّ النظام السوري حملة عنيفة على المظاهرات السياسية في سورية. ووصل مايقرب من 2000 سوري إلى الأردن بحلول نهاية العام 2011، وظنّ كثيرون أنهم سيعودون قريباً إلى ديارهم.84 ومع ذلك، شهد العام التالي طوفاناً أكبر من اللاجئين إلى الأردن.
عندما اتّضح أن تدفّق اللاجئين سيتسارع، فتحت الحكومة الأردنية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين مخيم الزعتري على عجل على مدى أسبوعين ساخنين في تموز/يوليو 2012. وفي أواخر آب/أغسطس، تضاعف العدد الأولي البالغ مئات عدة من المقيمين إلى 15 ألفاً.85 واليوم، في السنة الخامسة من الحرب الأهلية السورية، نما مخيم الزعتري ليتحوّل إلى واحد من المراكز السكانية الأكثر كثافة في المنطقة، ورابع أكبر "مدينة" في الأردن، وثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم.86 ومع ذلك، يعيش عدد أكبر من اللاجئين السوريين خارج مخيمات اللاجئين في المناطق الحضرية في الأردن.
خلال الصراع في سورية، أصبح الأردن حذراً أكثر فأكثر من تنامي أعداد السكان السوريين. ونتيجةً لذلك، قيّد بصورة كبيرة نطاق حماية اللاجئين السوريين. بدأت أبرز القيود في مجال الحماية منذ العام 2013، حيث دقّت المنظمات الدولية الإنسانية ومنظمات مراقبة حقوق الإنسان ناقوس الخطر عندما بدأ الأردن يُعيد اللاجئين إلى سورية، في ماشكّل انتهاكاً للقانون الدولي، ويغلق المعابر الحدودية، ويحدّ من تحركاتهم ومن الخدمات المتاحة لهم، مثل إلغائه مؤخراً الحق في الحصول على الرعاية الطبية المجانية.
خلال الصراع في سورية، أصبح الأردن حذراً أكثر فأكثر من تنامي أعداد السكان السوريين. قيّد بصورة كبيرة نطاق حماية اللاجئين السوريين.
الآثار المترتبة على تضييق الأردن نطاق الحماية تبدو وخيمة. فالعالم يشهد أسوأ تدهور للأمن الإنساني في القرن الحادي والعشرين. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد لقي 320 ألف شخص حتفهم في الحرب الأهلية حتى حزيران/يونيو 2015. 87 وانخفض متوسط العمر المتوقّع في سورية بنسبة عشرين عاماً.88 كما تم تهجير أكثر من 11.6 مليون شخص من منازلهم، أي أكثر من نصف سكان سورية قبل الحرب، البالغ عددهم 22 مليون نسمة.89 وحتى يوليو 2015، كان 4 ملايين سوري قد فرّوا من البلاد إلى ملاذات آمنة في البدان المجاورة، وكان مليون شخص قد فرّوا خلال الأشهر العشرة السابقة.90 تُبيّن هذه الإحصاءات الحاجة الملّحة إلى أن تبقى الدول المجاورة مفتوحة ومتاحة للاجئين.
علاوةً على ذلك، فإن لتحديد الخدمات المقدمة للاجئين في الأردن آثاراً خطيرة، لأن الكثير من اللاجئين يلجؤون إلى آليات سلبية للتأقلم مع وضعهم وللبقاء. وقد أقنع تضييق نطاق الحماية، والقيود المفروضة على الحركة، وعدم الحصول على سبل العيش، وتناقص الخدمات المقدّمة إلى اللاجئين في الأردن، أعداداً متزايدة من السوريين بالعودة إلى وطنهم، أو ممارسة النساء للبغاء، أو دفع الأطفال إلى العمالة. والآن يحتاج اللاجئون، أكثر من أي وقت مضى، إلى دعم الحكومة الأردنية والمجتمع الإنساني. لكن، بدلاً من ذلك، يواجه الكثير من اللاجئين عراقيل متزايدة تحول دون حصولهم على الكفاف.
المعابر الحدودية المغلقة
منذ منتصف العام 2013، حدّ الأردن من حرية وصول السوريين إلى أراضيه من خلال عدم السماح بدخول اللاجئين عبر المعابر الحدودية القريبة من التجمّعات السكانية السورية جنوب غرب البلاد. في بعض الأحيان، أغلق الأردن تماماً كل المعابر الحدودية في وجه اللاجئين السوريين. وعلى الرغم من أن الهواجس الأمنية كانت الدافع الجزئي في هذه الخطوات، إلّا أن ثمّة دلائل تشير إلى أن الأردن أغلق حدوده أيضاً للحدّ من عدد اللاجئين السوريين.
في بداية الصراع، كان يمكن للاجئين الوصول إلى الأردن من خلال معبرَين حدوديَّين رسميَّين، هما درعا ونصيب، ومعابر عدّة غير رسمية حولهما. بدأت القيود المفروضة على الدخول إلى الأراضي الأردنية في منتصف العام 2013، عندما توقفت الحكومة الأردنية عن قبول اللاجئين في هذه المعابر على طول الجزء الشمالي الغربي من حدودها. ونتيجةً لذلك، يُضطر اللاجئون السوريون الذين يرغبون في عبور الحدود نحو الأردن، إلى السفر إلى المعابر الحدودية غير الرسمية في محافظة السويداء الشرقية عبر صحراء مكشوفة وجرداء وخطيرة، مايزيد كثيراً مشقّة الدخول إلى الأردن.
من المثير للقلق أن الدلائل تشير إلى أن الأردن عمد أحياناً، وبصورة غير رسمية، إلى إغلاق حدوده مع سورية بأكملها، الأمر الذي أدّى إلى وقف هجرة اللاجئين بالفعل. ومع أن الحكومة الأردنية أصرّت على أن حدودها لاتزال مفتوحة، ثمّة دلائل متزايدة تشير إلى خلاف ذلك. وعلى الرغم من استمرار العنف، فقد انخفض عدد القادمين السوريين إلى الأردن من أكثر من 1800 يومياً في أوائل العام 2013، إلى أقل من 200 في أواخر العام 2014. 91 ومنذ تشرين الأول/أكتوبر حتى كانون الأول/ديسمبر 2014، لم تُسجِّل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين سوى 2900 من الوافدين الجدد إلى الأردن، مقارنةً مع مايقرب من 15 ألفاً بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2014.
تُثبت صورُ الأقمار الاصتناعية على طول الحدود السورية-الأردنية صحةَ التكهنات الإنسانية بأن الأردن أغلق أحياناً حدوده بصورة غير رسمية. ووفقاً لرصد الأقمار الاصتناعية الذي قام به مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن مايقرب من 5 آلاف من السوريين كانوا ينتظرون في المناطق الحدودية الأردنية في الصحراء الشرقية في تشرين الأول/أكتوبر 2014. 93 وهذا يمثّل زيادةً بنسبة 43 في المئة في عدد الأشخاص المشرّدين داخلياً في المنطقة الحدودية منذ 25 تموز/يوليو 2014، مايشير إلى أن السوريين مُنِعوا من العبور إلى الأردن عبر الحدود.94 علاوةً على ذلك، ذكرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن القوات المسلحة الأردنية منعت هيئات العمل الإنساني من الوصول إلى المنطقة لتوفير الخدمات إلى طالبي اللجوء السوريين خلال تلك الفترة.
لاشك أن الحدّ من الوصول إلى المعابر الحدودية أسفر عن آثار إنسانية كبيرة، من تقطّع السبل بالفئات المكشوفة من السوريين في المستوطنات الحدودية غير الرسمية، إلى منع الهجرة إلى الأردن.
الإعادة القسرية انتهاكٌ للقانون الدولي
إضافةً إلى إغلاق الأردن حدوده بصورة غير رسمية، أفادت هيئات مراقبة حقوق الإنسان عن زيادة معدّلات ترحيل اللاجئين إلى سورية. ولذا من المرجّح أن تكون عمليات الترحيل هذه بمثابة انتهاك لمبدأ في القانون الدولي العرفي يحظّر ترحيل الأفراد الذين لديهم الحق في أن يُعتَرف بهم كلاجئين، ويُعرَف هذا المبدأ بـ"عدم الإعادة القسرية".
وقد سجّلت تقارير موثوقة نشرتها هيئات مراقبة حقوق الإنسان ومنظمات الإغاثة، حالات ترحيل للاجئين مسجَّلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من بينهم نساء وأطفال وعاملون في المجال الطبي وجرحى.96 كما أصدرت المنظمات الإنسانية تقارير موثوقة عن أعداد متزايدة من اللاجئين الذين يُمنعون من دخول المعابر الرسمية.97 في تشرين الأول/أكتوبر 2014، ذكرت وكالات الإغاثة أنه تمت إعادة مابين 45 و80 في المئة من طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى الحدود الأردنية، إلى سورية قبل أن تُتاح لهم فرصة التسجيل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.98
طالت عمليات الترحيل الأردنية وعدم السماح بدخول السوريين، في الغالب طالبي اللجوء الذين يملكون وثائق غير صحيحة أو الذين سافروا ذهاباً وإياباً بين سورية والأردن. وهذا لايعكس القلق الأردني بشأن تدهور الوضع الأمني الإقليمي وحسب، بل يشكّل أيضاً نتيجة لزيادة التوتّرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الأردن.
عانى اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سورية معدّلاتٍ غير متكافئة من عدم السماح لهم بالدخول وإبعادهم، مايظهر بعداً سياسياً علنياً للخطة التي صاغتها الأردن تجاه اللاجئين. ففي أوائل العام 2012، رفض الأردن دخول اللاجئين الفلسطينيين من سورية، قبل إضفاء الطابع الرسمي على السياسة في العام التالي.99 وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2014، أعلن الناطق باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كريس غانيس، أن الحكومة الأردنية منعت أي فلسطيني من دخول سورية، وثمة مايزيد عن 100 حالة تم التبليغ عنها عن إعادة اللاجئين الفلسطينيين قسراً من الأردن إلى سورية.100
الحدّ من الخدمات وتقييد الحركة
في العام 2014، شهد اللاجئون السوريون تقليص الخدمات الأردنية وانخفاض تقبّل الأردنيين لوجودهم في المناطق الحضرية. وقد بدأت الحكومة بإعادة السوريين قسراً إلى مخيمات اللاجئين من المناطق الحضرية، وتقييد حركة اللاجئين في المناطق الحضرية، والحدّ من حصول السوريين على الرعاية الصحية خارج المخيمات. ونتيجةً لذلك، من المستبعد على نحو متزايد أن يسوي اللاجئون السوريون أوضاعهم مع الحكومة، مايحدّ بالتالي من قدرتهم على الحصول على الخدمات في الأردن. كما يواجه اللاجئون غير المسجّلين مخاطر متزايدة متمثّلة في الاستغلال والترحيل إلى سورية.
لكي يحصل اللاجئون السوريون على الخدمات التي تقدّمها الهيئات الإنسانية والدولة خارج المخيمات، يتعيّن عليهم الحصول على شهادات طالب لجوء من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبطاقة خدمة من وزارة الداخلية. وحتى تموز/يوليو 2014، لم تطبّق الحكومة الأردنية بانتظام سياسات "الكفالة" الرسمية الخاصة بمخيمات اللاجئين، والتي يُطلب بموجبها من اللاجئين الحصول على كفالة من مواطن أردني ودفع رسوم لمغادرة المخيمات.101 وقد مكّن ذلك السوريين بالفعل من التنقّل بين المناطق الحضرية والمخيمات مع بعض القيود.102 وخلال هذه الفترة، ظل السوريون الذين لم يغادروا مخيمات اللاجئين من خلال القنوات الرسمية قادرين على التسجيل للحصول على الوثائق والخدمات الحضرية خارج المخيمات.
مع ذلك، بدأت السلطات الأردنية، في النصف الثاني من العام 2014، إنفاذ لوائح الكفالة الرسمية. وواجه اللاجئون الذين غادروا المخيمات من دون الحصول على كفالة، قيوداً متزايدة في الحصول على بطاقات الخدمة من وزارة الداخلية وإمكانية الانتقال إلى المخيمات. وبالمثل، طلبت الحكومة الأردنية من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عدم تقديم شهادات طالب لجوء، والتي تساعد اللاجئين الذين غادروا المخيمات بعد 14 تموز/يوليو 2014، في الوصول إلى الخدمات الإنسانية خارج المخيمات من دون أن يحصلوا على كفالة رسمية. وقد عنى القرار الذي اتّخذته الحكومة الأردنية بالفعل أنه لايُسمح لأي لاجئ بمغادرة المخيمات قانونا.
في العام 2014، بدأت الحكومة بإعادة السوريين قسراً إلى مخيمات اللاجئين من المناطق الحضرية، وتقييد حركة اللاجئين في المناطق الحضرية، والحدّ من حصول السوريين على الرعاية الصحية خارج المخيمات.
في أوائل العام 2015، بدأت الحكومة الأردنية عملية تحقّق مستمرّة لإعادة إصدار بطاقات الخدمة، وإعادة وثائق الهوية المصادَرة، وتسجيل اللاجئين السوريين الذين يعيشون في المناطق الحضرية من خلال أخذ بياناتهم الحيوية. وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة بأن شروط كفالة المخيم لن تنفَّذ خلال أنشطة التحقّق، تخوّفت الأوساط الإنسانية من أن تؤدّي الحملة إلى المزيد من الانتقال القسري إلى المخيمات والإعادة القسرية.103 ويواجه اللاجئون غير المسجلين أو الذين لديهم وثائق هوية مزورة، على وجه الخصوص، تضييقاً على نطاق الحماية داخل البلد. وقد أثارت عملية إعادة التحقّق مخاوف من احتمال أن يتم ترحيل هؤلاء الأشخاص إلى سورية.
علاوةً على ذلك، تراجعت الحكومة الأردنية، في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2014، عن سياستها بالسماح للسوريين بالحصول على خدمات الرعاية الصحية مجانا. وأشارت الحكومة إلى أن العبء المالي الشديد على الأردن هو السبب في اتّخاذ هذا القرار. ومنذ أن اتُّخذ القرار، صار لزاماً على اللاجئين السوريين دفع الرسوم نفسها في المستشفيات، على غرار الأردنيين غير المؤمَّن عليهم. وعلى الرغم من أن الرسوم لاتزال مدعومة إلى حدّ كبير، فإن التكلفة الإضافية ترهق الفئات المكشوفة من السوريين الذين لايستطيعون الوصول إلى مصادر رزقهم. ونتيجةً لذلك، شهدت الجهات الفاعلة الإنسانية تزايد أعداد اللاجئين في المناطق الحضرية الذين يسعون إلى الحصول على الخدمات الصحية في المخيمات. ومع أن دوافعه كانت اقتصادية، إلا أن القرار يمثل قيداً كبيراً على نطاق حماية اللاجئين السوريين الذين لايستطيعون العمل بشكل قانوني. والجدير بالذكر أن جمعيّتَي الهلال الأحمر الكويتية والأردنية وقّعتا على اتفاق بقيمة 500 مليون دولار في تموز/يوليو 2015، لتقديم الخدمات الطبية إلى الأردنيين مجاناً في مستشفى الهلال الأحمر الأردني لمدة عام واحد.104
عدم إمكانية الوصول إلى سبل العيش
يُصنَّف حق الوصول إلى سبل العيش من بين الشواغل الرئيسة للاجئين السوريين في الأردن. فبعد خمس سنوات من الحرب، باع الكثير من السوريين ممتلكاتهم القيّمة، وهم يعتمدون الآن بصورة شبه كاملة على المساعدات الدولية من أجل البقاء. وعلى الرغم من أن السوريين قادرون اسمياً على الحصول على تصاريح عمل في الأردن، نادراً ماتقدّمها الحكومة إليهم. ونتيجةً لذلك، كما ذُكر آنفاً، يبحث السوريين عن العمل في القطاع غير الرسمي في الأردن.
كما هو حال العديد من الديناميكيات الأخرى لأزمة اللاجئين السوريين، يمكن اعتبار أن قضية سبل العيش في الأردن عموماً تشكّل تحدياً سياسياً للحكومة الأردنية. وعلى الرغم من أن الحكومة الأردنية تسمح ضمناً للسوريين بالعمل في السوق غير الرسمية، فإن مفهوم الجمهور الواسع بأن اللاجئين السوريين يسرقون وظائف الأردنيين لايوفّر للحكومة حافزاً كبيراً لتقديم فرص رسمية للعمالة السورية. والجدير بالذكر أن الحكومة الأردنية متردّدة أيضاً في تقديم أي فرص للسوريين من شأنها أن تنظّم وجودهم داخل الأردن، إدراكاً منها بأن تصاريح العمل هي الخطوة الأولى نحو منح السوريين حق الإقامة في الأردن.
ومع ذلك، ينطوي إبعاد اللاجئين السوريين عن السوق غير الرسمي على عواقب سلبية للغاية بالنسبة إلى الأردن. فإضافةً إلى كبح الأجور بالنسبة إلى الفئات الضعيفة من الأردنيين العاملين في القطاع غير الرسمي، خلقت سياسة رفض منح تصاريح عمل إلى اللاجئين السوريين طبقةً دنيا تعتمد أكثر فأكثر على آليات المواجهة السلبيّة للعيش. ومع استمرار الصراع السوري، قد تؤدّي هذه السياسة، مع مرور الوقت، إلى عواقب وخيمة على الأردن ترتبط عادة بالفقر المدقع، بما في ذلك السلوك الإجرامي وتطوير اقتصادات السوق السوداء. علاوةً على ذلك، فإن تجمّع اللاجئين السوريين في المخيمات ليس حلّاً أيضاً. فقد أثبت التاريخ (سواء في الأردن أو في أي مكان آخر) أن مخيمات اللاجئين تتسبّب على المدى الطويل بالعديد من التحدّيات الاجتماعية والأمنية التي تصيب البلدان المضيفة. على عكس ذلك، فإن إضفاء الطابع الرسمي على السوريين الذين يعملون سيتيح للحكومة الأردنية تنظيم شؤون العمال اللاجئين، وضمان حصول السوريين والأردنيين على أجور كافية، والحيلولة دون تطوّر آليات المواجهة السلبية في صفوف جميع فئات السكان المكشوفة في الأردن.
القيود في مجال الحماية الدولية
تدهور التمويل الدولي
اضطرّت المنظمات الإنسانية الدولية إلى تقييد المساعدات المقدّمة إلى السوريين طوال العام 2014 بسبب نقص التمويل. والواقع أنه في حزيران/يونيو 2015، كان المجتمع الدولي قد موّل 23 في المئة فقط من الميزانية المطلوبة لـ"الخطة الإقليمية للاجئين والقدرة على التحمّل" لعامَي 2015 - 2016. 105 وفي الأردن، لم يتم جمع سوى 272 مليون دولار من طلب تمويل الخطة البالغ 1.2 مليار دولار.106
كان لنقص تمويل الساعدات للاجئين السوريين أثران اثنان. أولاً، شهد السوريون تقييداً ملموساً للخدمات. وثانياً، أصبحت الحكومة الأردنية تنتقد أكثر فأكثر استعداد المجتمع الدولي وقدرته على مساعدتها في النهوض بأعباء اللاجئين السوريين، ما أدّى إلى تقييد مجال الحماية الأردنية.
كان تدهور المساعدات الغذائية واحداً من أهم الآثار الكبيرة على اللاجئين السوريين في الأردن. في الربع الأخير من العام 2014، واجه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بانتظام نقصاً في التمويل، ماهدّد المساعدات الغذائية الأساسية للاجئين السوريين في جميع أنحاء المنطقة. وعلى الرغم من أن نداءً طارئاً ساعد برنامج الأغذية العالمي على إعادة توزيع المساعدات الغذائية بحلول منتصف كانون الأول/ديسمبر 2014، أُعيدت قسائم الطعام للسوريين في الأردن إلى ثلثي قيمتها السابقة.107 لاتزال هذه المساعدات غير مضمونة من شهر إلى آخر، ماسيكون له عواقب كبيرة على اللاجئين السوريين في الأردن، الذين أفاد 85 في المئة منهم أنهم يعتمدون على المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي لتغطية تكاليف احتياجاتهم الأساسية.108 وفي تموز/يوليو 2015، عبّر برنامج الأغذية العالمي عن خشيته من أنه سيضطر إلى قطع جميع المساعدات عن 440 ألفاً من المستفيدين السوريين في الأردن في آب/أغسطس 2015 بسبب نقص التمويل.109 إلا أن تبرّعاً أميركياً بقيمة 21.3 مليون دولار ساعد في استمرار تقديم مساعدات برنامج الأغذية العالمي في الأردن بمستويات مخفّضة حتى أغسطس. وعلى الرغم من ذلك، إذا لم يتلقَّ برنامج الأغذية العالمي تبرّعات إضافية، فإن نصف المستفيدين الحاليين لن يتمكنوا من الحصول على المساعدات الغذائية في سبتمبر.110 وإذا ما حدث ذلك، تتوقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن ينتقل الكثير من اللاجئين في المناطق الحضرية إلى مخيم الأزرق للاجئين حيث سيواصل البرنامج تقديم المساعدات.
اضطرّت المنظمات الإنسانية الدولية إلى تقييد المساعدات المقدّمة إلى السوريين طوال العام 2014 بسبب نقص التمويل.
نقص التمويل الإنساني لايعزز الثقة الأردنية في استعداد المجتمع الدولي لدعم البلاد، وهي تتعامل مع تعقيدات استضافة اللاجئين السوريين على المدى الطويل. فالأردن الذي يجد نفسه في مواجهة مشاركة محدودة من الجهات المانحة، سيواصل تشديد القيود حول السماح بإدخال السوريين وتقديم الخدمات إليهم، مع مايترتّب على ذلك من عواقب وخيمة على اللاجئين. كما أن زيادة التهميش وتدهور الموارد يرسمان صورة قاتمة لمستقبل البلاد. وفي هذه اللحظة الحرجة من الزمن، يحتاج الأردن إلى مزيدٍ من دعم المجتمع الدولي لتشجيعه على مواصلة حمايته للاجئين السوريين وتعزيز استقرار وازدهار البلاد والمجتمعات المضيفة.
الإبقاء على نطاق حماية اللاجئين
استوعب اللاجئون السوريون النتائج المدمّرة لتقييد نطاق الحماية بصورة متزايدة داخل الأردن، وتدهور مصادر التمويل الدولية. وقد شهد الأردن عودة عدد متزايد من اللاجئين إلى سورية ومخيمات اللاجئين. وعندما يعود السوريون إلى بلادهم، فإنهم يُحرَمون من إعادة قبولهم في الأردن. وهذا يجعل قرار العودة خطيراً بصورة مدمّرة. مع ذلك، أصبحت الحياة في الأردن صعبة أكثر فأكثر بالنسبة إلى اللاجئين السوريين في المجتمعات المضيفة في المناطق الحضرية، حيث اختفت المدّخرات وفرص العيش، حين اضطرّت الوكالات الإنسانية إلى خفض المساعدات وقيّدت الحكومة الأردنية الخدمات.
اعتباراً من منتصف العام 2015، تستوعب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين 300 - 350 من الوافدين الجدد إلى مخيم الأزرق للاجئين يومياً، وتتوقع أن يزداد سكانه بواقع 40 ألفاً بحلول نهاية العام.111 ومن المتوقع أن يصل نصف هؤلاء الأشخاص من المجتمعات الأردنية المضيفة لأن الحياة هناك أصبحت لاتُطاق. وإذا ماخفّض برنامج الأغذية العالمي المساعدات الغذائية في شهر أيلول/سبتمبر 2015، فمن المرجّح أن يكون العدد في مخيم الأزرق أعلى من ذلك بكثير. ولأن سياسات كفالة اللاجئين في المخيمات لم تعد موجودة، لم يعد في وسع اللاجئين العودة إلى المجتمعات المضيفة بعد العودة إلى المخيمات.
لقد خذل المجتمع الدولي اللاجئين السوريين أكثر من خلال عدم توفير فرص كافية لإعادة التوطين. وبالتالي فإن عدم وجود دعم دولي لايشكّل خطراً على استقرار الأردن وحسب، بل يعرّض إلى الخطر أيضاً الأمن الإنساني للسوريين الذين يحاولون الفرار من دولتهم المنهارة. وعندما يضطرّ اللاجئون إلى الاختيار بين حياة بلا أمل أو كرامة في مخيمات اللاجئين وبين حياة تحت تهديد الحرب، فإن ذلك يمثّل فشلاً لنظام الحماية الدولية.
استوعب اللاجئون السوريون النتائج المدمّرة لتقييد نطاق الحماية بصورة متزايدة داخل الأردن، وتدهور مصادر التمويل الدولية.
استجابةً لهذه البيئة الإنسانية المعقّدة، قادت الأمم المتحدة نهجاً جديداً للمساعدة الإنسانية يدمج مساعدات التنمية للمجتمعات المضيفة للاجئين مع المساعدات الإنسانية التقليدية. ففي كانون الأول/ديسمبر 2014، أصدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي "الخطة الإقليمية للاجئين والقدرة على التحمّل"، والتي تمثل نموذجاً ناشئاً لدمج الموارد الإنسانية والتنموية لتلبية احتياجات النازحين والمجتمعات المضيفة. وفي ظل تفاقم الأزمة السورية وعدم وجود نهاية لها في الأفق، تمثّل الخطة أيضاً محاولة لتوسيع مصادر التمويل التقليدية المتاحة في مجال المساعدة الإنسانية لمواجهة حالات الطوارئ كي تصبح موارد تنموية على المدى الطويل.
يمثّل دمج المساعدات الإنسانية والإنمائية المرة الأولى التي تعمل فيها الفعاليات الإنسانية والتنموية التابعة للأمم المتحدة معاً على نحو وثيق في الاستجابة للأزمات. وبالتالي فإن دمج المساعدات الإنسانية والتنموية هو الردّ المناسب على تعقيدات الأزمة السورية التي تهدّد الأمن الإنساني لملايين السوريين واستقرار البلدان المجاورة المضيفة. وبما أن المجتمعات المضيفة تتعرّض إلى ضغوط متزايدة، من الضروري أن يتلقى اللاجئون والمجتمعات المحلية الأردنية الدعم اللازم.
خاتمة
مع استمرار الحرب في سورية، يتعيّن على الجهات الفاعلة التي تستجيب لأزمة اللاجئين السوريين في الأردن أن تغيّر استجاباتها على مستوى السياسات، من كونها استجابات طارئة إلى نهج مستدام على المدى الطويل. هذا الواقع يحمل انعكاسات مهمّة على سياسات المجتمع الدولي والدول المانحة والمملكة الأردنية الهاشمية.
في أعقاب الانتفاضات العربية، وفّر اللاجئون السوريون في الأردن وسيلة إلهاء سهلة ومريحة عن التحدّيات التي تواجه البلاد. مع ذلك، عندما ظهر الخوف من الوجود السوري الدائم في المجتمعات المضيفة، تآكلت الفوائد الأولية التي جنتها الحكومة. وقد كشف السوريون نقاط الضعف المتوطّنة في البنية التحتية السياسية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالموارد في الأردن. وتحمّلت الأسر الأردنية الفقيرة وطأة هذا الوضع وفقدت زخمها الاقتصادي، حيث تُرغم الضغوط المعيلين على العمل مقابل أجور أدنى، ودفع مبالغ أكبر مقابل الإيجار والسلع والخدمات الأساسية، والتنافس مع السوريين على الخدمات الحكومية المتدهورة مثل التعليم والرعاية الصحية. وقد كان لهذا أثر مرتبط باتساع الفجوة بين النخبة من الأردنيين وبين من يعيشون على الهامش الاقتصادي. ولعلّ ما أثار هلع المسئولين هو أن الأردن شهد زيادة في الحديث عن سرديّة المهمّشين في أوساط الفئات الضعيفة من الأردنيين.
في نهاية المطاف، يواجه الأردن مشكلة سياسية في الاستجابة إلى أزمة اللاجئين. المفاهيم السلبية عن اللاجئين السوريين أجبرت الإرادة الأردنية الرسمية على الاستجابة لتدفّق اللاجئين بوسائل مثمرة يمكن أن تقلّل في نهاية المطاف من التأثير السلبي لأزمة اللاجئين السوريين، مثل إضفاء الطابع الرسمي على العمالة السورية. وقد اختار الأردن في أحيان كثيرة تخفيف التوتّرات في المجتمع المضيف على المدى القصير، بدلاً من التوصّل إلى الاستجابات السليمة للسياسات التي من شأنها تهدئة التحدّيات المتوطّنة التي تواجه البلاد على المدى الطويل.
في ظل تزايد الإحباط العام، اجتازت الحكومة عقبة التوتر المتصاعد عن طريق الحدّ من توفير الخدمات وتقييد وصول اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأردنية. مع ذلك، فإن التلاعب بسياسات اللجوء لن يفعل شيئاً يُذكر لتهدئة التحدّيات التي كان الأردن يعاني منها قبل وقت طويل من وصول اللاجئين السوريين، مايؤكّد الطبيعة المسيّسة للسياسة المتبعة تجاه اللاجئين. كما أن تهميش اللاجئين أكثر سيدفع السوريين إلى المزيد من العوز وسيؤدّي، في الواقع، إلى تفاقم مشاكل الأردن على المدى الطويل.
ومع ذلك، من دون الدعم المستمر من المجتمع الدولي، ليس ثمّة حافز لدى الأردن للنهوض بأعباء اللاجئين السوريين، في حين يواجه تحدّيات وطنية خاصة به. وبما أن المجتمع الدولي يقلّص باستمرار تمويل الاحتياجات الناجمة عن تدفّق اللاجئين، فقد شهد اللاجئون السوريون تقييداً مماثلاً لنطاق الحماية في الأردن. وعلى الرغم من أن هذا الأخير شهد في الواقع زيادة صافية في المساعدات الدولية، فإن شعور المانحين بالإعياء يثير المخاوف من أن يصبحوا مسؤولين عن مجموعة أخرى من اللاجئين على المدى الطويل. وهكذا، إذا زاد التوتر في المجتمع المضيف، بالتزامن مع إعياء المانحين، فمن المرجّح أن يستمر الأردن في قضم نطاق حماية اللاجئين السوريين.
هذه لحظة حاسمة في أزمة اللاجئين السوريين. ولذا يتعيّن على الأردن والمجتمع الدولي أن يتحوّلا نحو نهج مستدام طويل الأجل للنهوض بأعباء السوريين النازحين والمجتمعات المضيفة.
يستحق الأردن الحصول دعم الدول المانحة لمواجهة تحدياته الأكثر انتشاراً على صعيد الموارد والاقتصاد والحوكمة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على نطاق الحماية الإنسانية الأساسية للاجئين السوريين. ويتعيّن على المجتمع الدولي أن يعمل بصورة وثيقة مع الأردن لضمان معالجة التحدّيات الوطنية المتوطّنة في المملكة، واستمرار الحفاظ على نطاق حماية اللاجئين في إطار واحد. وفيما يواصل المجتمع الإنساني تشجيع الأردن على إبقاء حدوده مفتوحة، يجب على المانحين الدوليين كذلك الاستمرار في مساعدة الأردن في التعامل مع الشعب السوري وتوفير مساعدات للمجتمعات الأردنية المضيفة والسخية.