صحيفة "القبس" الكويتية تفتح ملف التطرف وخطاب الكراهية
السلمان: التحريض على الكراهية واجهة للصراع السياسي العربي... والنجار: التطرف حالة ذهنية
الوسط - المحرر السياسي
فتحت صحيفة "القبس" الكويتية اليوم الأحد (20 سبتمبر/ أيلول 2015) ملف التطرف وخطاب الكراهية (1)، وسلطت الضوء عليه بمساهمات نقدية لعدد من المفكرين والكتَّاب والناشطين الكويتيين والعرب هم: توفيق السيف، رشيد الخيُّون، غانم النجار، سعاد فهد المعجل، ميثم السلمان، تناولوا فيه ارتفع منسوب الكراهية في العالم العربي، وسط أجواء من الحروب والمواجهات التي اتخذت الدين ستاراً لها، وتحول الخطاب الإعلامي في بعض صوره إلى مفردات من التطرف والوحشية.
وانسحب هذا التطرف الديني المتشدد على مجموعات من التنظيمات وبعض الدعاة، وبات الفرز يتم على أساس الانتماء المذهبي الضيق، في الوقت الذي اهتمت الحكومات العربية بتقييد حرية التعبير من دون ان يجري الحديث عن مشروعات وطنية أو قومية والتي غابت عن التداول، لتحل مكانها أصوات تصادر حق الاختلاف بالرأي وتقصي الآخر.
التسامح وفتح المجال العام كعلاج للتطرف
توفيق السيف (أستاذ جامعي ــــ السعودية)
يمكن للبعض ان يستخدم الدين ليبرر الكراهية، مثلما يبرر المحبة. لكن خطاب الكراهية بذاته خطاب مستقل، يظهر في هذا الظرف او ذاك، فيحتاج الى تبرير إيديولوجي كي يمسي مقبولا بين الناس. في العراق مثلا لم يرجع حزب البعث الى مبررات دينية قبل قصف القرى الكردية بالسلاح الكيماوي خلال حملة الانفال. وفي المانيا استند خطاب الكراهية النازي إلى ايديولوجيا قومية وليس مبررات دينية. مثلما استند خطاب الكراهية في مجموعات الكوكلوكس كلان الاميركية الى دعاوى عنصرية، اعتبرها اصحابها ايديولوجيا قائمة بذاتها. وجرى مثل هذا في جنوب افريقيا وغيرها.
الكراهية كسلوك او كمشاعر تشكل منظومة مستقلة، تستعين بالمبرر المناسب في كل ظرف. نعلم ان اتجاهات الرأي العام تتباين من ظرف لآخر. لكن ما يهم دعاة الكراهية ومستثمروها هو اقناع عامة الناس بان هذا السلوك غير المقبول، طبيعي او ربما ضروري.
على اي حال فان المشكلة التي نواجهها اليوم هي الجماعات التي تربط بين الكراهية والدين. ولهذا نحتاج الى التركيز على العوامل الدينية التي يمكن ان تبرر او تغذي مشاعر الكراهية او تحمي المصالح المرتبطة بنشر الكراهية.
في هذه المساحة الصغيرة سوف اقترح نوعين من العلاج، هما تعزيز قيمة التسامح وفتح المجال الديني:
أ - نقصد بقيمة التسامح معناها الفلسفي، اي اعتبار تعددية الحق، وحق الانسان في اختيار المعتقد ونمط الحياة الذي يريد. ومحاربة الفكرة القائلة بان طريق الحق واحد، او ان احدا من البشر مخول بجبر الآخرين على هذا الطريق. يجب تحويل هذا المفهوم الى عنصر رئيس في التربية المدرسية، وفي التوجيه العام. هذا لا يعالج -بالضرورة- المشكلة الراهنة، لكنه يساعد على تفكيك الذهنية التي تسمح بولادة خطاب الكراهية او تفاقمه. نحن -بعبارة اخرى- نوفر وقاية للاجيال الجديدة التي نخشى ان يجرفها تيار الكراهية والعنف.
ب - شهدت العقود الثلاثة الماضية ما يمكن اعتباره افراطا في توحيد المجال الديني، ادى الى انقسامات مركزية. نحن اليوم نتحدث عن خمسة او ستة تيارات دينية تقتسم معظم الساحات. وجميع هذه التيارات تستثمر الموروث التاريخي في تعزيز مشروعيتها. ولهذا فهي تزداد انغلاقا مع مرور الزمن. وزاد في الوضع سوءا ان هذا العدد القليل من التيارات، نجح -لاسباب مختلفة- في الاستيلاء على المجال السياسي الأهلي ، فاختلط الديني الذي طبيعته الثبات والاستمرار بالسياسي الذي طبيعته التحول والتنوع. ونتيجة لهذا اصبح الفضاء السياسي العام في اكثر من دولة عربية، مغلقا او ضيقا على كل من يبحث عن خيارات بديلة او مختلفة.
في معظم الدول العربية، ثمة صراع ظاهر او مكتوم بين فريقين: الدولة والتيار الديني، الذي يتبنى في الغالب المقولات التقليدية الموروثة. هذا تعارض لا يمكن حله بادماج المجالين، الرسمي والاهلي، ولا بتحالف الدولة مع التيار الديني التقليدي، فهما عالمان متناقضان جوهريا.
الحل الصحيح هو فتح المجال امام حياة سياسية اعتيادية، تساعد على ظهور خيارات بديلة للجمهور ، ومن بينها خصوصا خيارات دينية بديلة. اعتقد ان التعددية السياسية الحرة (اي غير التوافقية او المضبوطة بضوابط حكومية او دينية) يمكن ان تشكل أداة فعالة لاحتواء الطامحين والباحثين عن أدوار، وهو المقدمة الضرورية لاصلاح خطوط الانكسار الاجتماعي والسياسي، او على الاقل تلافي انعكاساتها الخطرة، لاسيما تفاقم حالات الاحباط بين الاجيال الجديدة، وهي الارضية التي تسمح بظهور الاتجاهات الراديكالية او تبرير الكراهية والعنف.
التَّطرف والغلو في الكراهية... وصل الزُّبى
رشيد الخيُّون (كاتب ــــ العراق)
لم يكن خطاب الكراهية، في المجال الدّ.يني والمذهبي، جديداً، فيمكن ضبطه ثقافياً منذ ظهور مصطلح الفرقة «النَّاجية»، مع علمنا أن كلّ الفرق والمذاهب، أو أغلبها، تبني هذا المصطلح، وهو يعبر في الأساس عن «فرقة الله». تبناه الاشاعرة والحنابلة وأهل الاعتزال والشّ.يعة، فجميع هذه الفرق روت حديث الاختلاف المعروف «تفترق أمتي...»، واتفقوا في الجزء الأول من الحديث واختلفوا في «النَّاجية» م.ن النَّار.
عندما تقول: النَّاجية معنى هذا هم أهل الحق، وغيرهم أهل الباطل، وهذا يُذكر بما نقله المؤرخ الأزرقي (ت 250هـ) في كتابه «أخبار مكة»، عندما قيل عن قريش، قبل الإسلام بأنهم «أهل الله»، فحَرموا على غيرهم أشياء وأحلوها لهم، وقد ظهر هذا «المصطلح» أي «أهل الله» ع.قب فشل حملة أبرهة الحبشي على الكعبة، لذا وجدوا أنفسهم أكثر منزلةً وفضلاً على غيرهم عند الله.
فإذا مثلت أنت «فرقة الله» أو «أهل الله» لم يبق لغيرك سوى الاحتقار والدونية، فيصبح م.ن واجبك الدّ.يني دعوة الآخرين الى نبذ مذاهبهم أو ف.رقهم وإشهار توبتهم، ويدخلون في ما أنت م.ن عقيدة، مع علمنا بأن ذلك لا يقتصر على المسلمين فقط، إنما مارسته بدرجات متفاوتة بقية من يعتقدون في باقي الأديان، لكنه يشتد كثيراً إلى درجة إعلان الحرب على مَن لا يتدين بدينه.
يشتد الإكراه ويبلغ الزُّبى، عندما تصبح تلك العقيدة سلطة سياسية، بيدها الراية والسَّيف والمعاش. عندما تتحول تلك العقيدة الدّ.ينية أو المذهب إلى حزب سياسي يقارع من أجل الحاكمية، بفرعيها، السُّني الإخوان «الحاكمية»، والشَّيعي الخميني «ولاية الفقيه»، فهما فكرة واحدة يختلفان بالاسم وبالأُسلوب لكنَّ المعنى واحد، ذلك إنسان متدين سياسي يعتقد أنه يحكم باسم الله، وهذا متدين يحكم باسم الإمام المنتظر، والمنتظر يحكم باسم الله.
لقد بلغت الكراهية مداها، عندما يُقتل الإنسان بسبب دينه أو مذهبه، مثلما حصل للأيزيديين بالموصل، وما حصل من تقاتل بين جماعات شيعية وسُنية. وصل الغلو والتطرف بالكراهية حد الزُّبي (بلغ السَّيل الزُّبى) عندما يُحرق الإنسان المخالف بالعقيدة، أن يُطبق عذاب الله بالنَّار م.ن قبل البشر على البشر. لم يأت هذا مفاجأةً إنما أتى من تراكم طويل، عاشته مجتمعاتنا في تبادل النعوت: «روافض» و «نواصب»، فرقة «ناجية» أخرى «هالكة» مصيرها النَّار، تزامناً مع هذا استخدم الطَّعام في نبذ الآخر، المختلف في الدين والمذهب، فلو دققنا التحريمات في الطَّعام على المختلف أو المنحرف، حسب منطق المفتين، لوجدنا مائدة الطَّعام تستخدم في النبذ، بل تجاوزت تلك التحريمات القرآن نفسه.
أصعب على الإنسان أن تشعره أنه «نجس»، وقد أخذوها قياساً على الآية، التي وردت في سورة التوبة: «إنما المشركون نجس»، فحسب مصطلح الفرقة النَّاجية يصبح كل هالكٍ غير ناجٍ، حسب منطقهم، نجساً! فكيف سيتعايش النَّاس في المدن والقرى، وقد اختلط البشر في العواصم كافة، وعلى مختلف الأديان والمذاهب.
لا أبالغ إذا قُلت نحن أمام تراث ثقيل، تراكمت فتاوى الكراهية فيه م.ن ممارسات وأساليب إلى حدٍ لا يُطاق؛ خارج عن طباع البشر، أن يغدو التطرف حالة طبيعية تعيشها سلطات ورعايا في أكثر من بلد. صحيح، قد مررنا بفترات م.ن السُّكون والسُّبات، نشأت فيها مدنية وابتعدت الكراهية عن التعليم.
كانت ممارستها تُحسب حالة شاذة في الطُّرقات والأماكن العامة، لكن ما أن تحقق الظرف لها حتى ظهرت بقوة، وكان على ما يبدو عام 1979 ثلاثي القوة: الثَّورة الإيرانية، وحرب أفغانستان، وظهور المتطرفين كقوة مهددة (حركة جهيمان السلفية)، وقبلها وجود «السلفية الجهادية» بمصر، لذَا القول أن هذا الثلاثي هو الظرف الذي أنهى السبات لفتاوى الكراهية على أساس الدين والمذهب، فأنهى الاتجاه نحو المدنية، لتظهر «فرقة الله» رافعة السيف على المخالفين والكل يقول أنا «فرقة الله». أما الحلول والمعالجات فكثيرة، والبداية في التعليم ثم التعليم، والشَّرح يطول، ولنَّا بحشود اللاجئين المسلمين، قبل غيرهم، إلى شواطئ عتقت الدّ.ين م.ن السّ.ياسة والحزبية، حجةً.
المدخل المناسب منظومة شاملة وليست أمنية
غانم النجار (أستاذ جامعي ــــ الكويت)
أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت غانم النجار أن التطرف حالة ذهنية، حيث يعيش الانسان متطرفا ايا كان اتجاهه او فكره، مشددا على ان التطرف
لا دين له ولا ملة ولا مذهب، مضيفا أن الحقبة الزمنية التي نعيشها الآن اصبح التطرف الديني هو السائد فيها، وقد يكون التطرف شقيق الارهاب، لافتا الى ان البيئة الحاضنة للتطرف هو خطاب الكراهية والقابلة للارهاب، فالارهاب يعيش في بيئة متطرفة قد تكون نابعة من جماعات او دول وحكومات.
ولفت النجار ان لنبذ خطاب الكراهية والارهاب والتصدي لهما يجب العمل من خلال منظومة القيم التي تنتج التطرف والارهاب، وللتعامل معها يجب ان يكون لدينا رؤية شاملة، ولا يقتصر دورنا على الناحية الامنية فقط، حيث ان التعامل الامني هو احد المداخل للتعامل مع الارهاب وليس جميعها.
وقال ان اولى الخطوات لنبذ التطرف والارهاب تبدأ من جهة المجتمع بجعله اكثر عدالة وحرية وقادرا على استيعاب كل عناصره بحيث لا تكون هناك فئات مهمشة او معزولة.. بالتالي العلاج يبدأ من المجتمع والمدرسة وهما العنصر الاساسي.
لافتا الى ان اسوأ ما يمكن تصوره ان تكون المدرسة مصنعا للتطرف والكراهية او عدم وجود برامج لادماج البشر، مبينا انه لا يوجد مجتمع خاليا من التباين، فالمقصود بالتعايش ليس القضاء على هذا التباين، لكن يجب خلق بيئة صالحة تقبل الفئات المختلفة التعايش مع بعضها. وشدد النجار على ان المدخل الآخر لنبذ التطرف هو السعي الى ايجاد العدالة باحسن صورها من خلال قضاء نزيه ووجود اكبر حجم للتكافل بين البشر وقبولهم لبعضهم البعض، خاتما بالقول: ان المعالجة الشاملة لظاهرة التطرف وخطاب الكراهية هي الانسب، واي معالجة غير شاملة قد تنتج ردة فعل اكثر من ان تكون علاجا، مضيفا ان الدولة التي تسعى الى الاستقرار عليها ان تتصدى لخطاب الكراهية ولا تستند اليه، وعليها ان تبث التسامح والتعايش بين شعبها.
الخطاب الأصولي موغل في القدم
سعاد فهد المعجل (أستاذة جامعية ــــ الكويت)
يسعى البعض اليوم لمحاولة فهم طبيعة ومصدر الفكر الاصولي المتشدد، والقائم بالدرجة الاولى على إقصاء الآخر واستهدافه بشكل عنيف وبشع، تمثل بالمشاهد التي يبثها الاعلام اليوم لجرائم «داعش» وغيره، والتي أصبحت تثير لدى الجميع علامات استفهام ودهشة حول الاسباب أو الظروف التي ادت الى هذا المنعطف الخطير من العنف والدموية!
الخطاب الديني الاصولي ليس وليد اللحظة، ولا هو من افرازات الفراغ السياسي الذي احدثه مد الربيع العربي في دول كسوريا وليبيا والعراق من قبل، وانما يمتد هذا الخطاب الاصولي المتشدد بعيداً في التاريخ السياسي والاجتماعي والفكري للمنطقة.
الفكر الاصولي هو نتيجة لرؤية خاطئة للدين وللعقيدة قائمة في اساسها على نبذ العقلانية في التفكير والنسبية في تقييم الامور، والتسامح وقبول الآخر الذي يأتي كمرتكز لأي عقيدة أو دين! أما ما يضاعف من خطر مثل هذا الفكر الاصولي فهو في قضية انتقاله الى الخطاب السياسي، وبحيث تحول الدين الى اداة لاضفاء الشرعية الزائفة على انظمة شمولية ودكتاتورية ترى في الدين حاضنتها الشرعية، وكل ذلك يتم بمباركة شعوب وأمم تمكّن منها الجهل والخرافة فخضعت وبسهولة لخطابات سياسية ارتدت زي الشرعية الدينية.
حين كتب الباحث الاجتماعي العراقي علي الوردي في العام 1954 كتابه «وعاظ السلاطين» ثارت ثائرة الكثير من الناس، حيث اعتبره البعض طعناً في ذمم الوعاظ والدعاة! لكن الوردي وضع يده وقلمه على معضلة لا تزال المجتمعات الإسلامية تعاني منها.. وهي دور بعض الدعاة في تضليل الناس والمجتمعات! وحيث تناول حالة الوعاظ في التاريخ العربي بشيء من الجرأة غير المعهودة عربياً، مشيراً إلى ما وصل إليه حالنا بسبب وعاظ السلاطين الذين يتشكلون كالزئبق على حسب هوى الحاكم نفاقاً وتملقاً!
لم يتغير العالم العربي والإسلامي كثيراً عن يوم كتب علي الوردي كتابه، ولا يزال الخلط بين الفكر اللاهوتي والفكر السياسي قائماً بشكل حجب كل محاولات النقد أو التجديد أو حتى إعادة فهم الخطاب الديني بشكل يؤمن له حيادية تترسخ معها مفاهيم جوهرية في الدين كالتسامح والمحبة وتقديس العمل والأخلاق بشكل عام.
لا شك في أن حفلات قطع الرقاب قد بدأت تفرض علينا كمجتمعات إسلامية البحث في الموروث الإسلامي عن مخرج من هذا الفكر والخطاب الأصولي المتشدد.. تلك مهمة قد تكون تأخرت كثيراً لكن ذلك لا يعني أبداً أن نتوقف عن أحيائها من جديد... فالإرهاب باسم الدين أصبح يفرض علينا إجراء جراحة مستعجلة وحتمية.
التحريض على الكراهية.. واجهة للصراع السياسي العربي
ميثم السلمان (كاتب ــــ البحرين)
إن شيوع خطاب الكراهية في العالم العربي بات أحد أدوات الصراع السياسي، وهو أمر تزداد خطورته بملاحظة أن الخطاب الديني أصبح أحد أهم مصادر خطاب الحض والتحريض على الكراهية، انطلاقا من تفسيراتٍ متطرفةٍ وطائفيةٍ للأديان. وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط تحديدًا تناميًا للكراهية بمعدل 72 في المئة في العامين الماضيين، وهذا ما يفسر ارتفاع نسب التكفير والتفجيرات الإرهابية والعداوات المجتمعية وأعداد الانتحاريين في المنطقة. كل هذه الأسباب دعت المفوضية السامية لحقوق الانسان بالأمم المتحدة لدعم الجهود المدنية في العالم العربي لتنفيذ توصيات «خطة عمل الرباط» الداعية إلى اعتماد تقييد -ربما يكون الأول من نوعه- على حرية التعبير عندما يكون الخطاب له علاقة بالدعوة إلى الكراهية. وقد نظمت الأمم المتحدة عدة ورش عمل بشأن حظر التحريض على الكراهية القومية والعنصرية والدينية في شتى مناطق العالم. كما قدم خبراء مشهود لهم دوليًا، في اجتماع عُقد في جنيف في 21 فبراير 2013، خطة عمل لحظر التحريض على التمييز والعداء والعنف على النحو المبين في المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
في السنوات الأخيرة، أسفرت الأحداث المنطوية على خطاب الكراهية والتنميط السلبي في وسائط الإعلام ودعوة مسئولين عموميين وأحزاب سياسية إلى الكراهية الدينية أو القومية، عن عمليات قتل لأشخاص أبرياء وهجمات على أماكن عبادة ودعوات إلى الانتقام. ودوامة العنف هذه تحتم علينا أن نجدد البحث عن التوازن الصحيح بين حرية التعبير -وهي من أثمن حقوقنا كبشر وأكثرها جوهرية- والحاجة التي لا تقل عنها أهميةً، وهي الحاجة إلى حماية الأفراد والمجتمعات من التمييز والعنف.
ورحّب الممثل السامي لتحالف الحضارات جورج سامبايو بخطة عمل الرباط، التي تقدم مجموعة توصيات عملية إلى الدول ومنظومة الأمم المتحدة والقيادات السياسية والدينية والمجتمع المدني ووسائط الإعلام، وشدد على الدور الرئيسي الذي يتعين أن يؤديه التعليم في تغيير العقليات.
ومن العوامل الرئيسية المطروحة في خطة عمل الرباط لمنع التحريض على الكراهية، المسؤولية الجماعية للمسؤولين العموميين والقيادات الدينية والمجتمعية ووسائط الإعلام والأفراد، وضرورة تعزيز الوعي الاجتماعي والتسامح والاحترام المتبادل والحوار بين الثقافات، وهذا ما يترجم حضور المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة رعد الحسين شخصيًا لافتتاح «المؤتمر التأسيسي للتحالف المدني بالمشرق والمغرب لمكافحة الكراهية» في تونس في أبريل الماضي، إذ تولدت قناعة أممية ودولية أن دور المؤسسات غير الحكومية ضروري لمكافحة الكراهية، وأن الاقتصار على القضاء والجهود الرسمية لن يؤدي للنتيجة المطلوبة.
ولقد احتوت خطة العمل أيضًا على معيارٍ من ستة أجزاء لعتبة أشكال التعبير التي تُحظَر بموجب القانون الجنائي. ويؤخَذ في الاعتبار في المعيار: سياق التحريض على الكراهية، والمخاط.ب، والنية، والمحتوى، ومدى الخطاب، ورجحان إحداث الضرر. وعلاوةً على ذلك، فإن التثقيف بشأن التعددية يمكن أيضًا -وفقًا لما أورده الخبراء- أن يسهم في منع التحريض على الكراهية والتعصب والتنميط السلبي والوصم والتمييز على أساس الانتماء القومي أو الأصل العرقي أو الدين أو المعتقد.
إلا أن القلق الذي يساور المتخصصين هو تعسف السلطات في تطبيق الأحكام التي تحظر الكراهية بصورة تخل بحرية التعبير، حيث ينبغي أن تلتزم الدول بالمادة 20/2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أنه «تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف» دون الإخلال بالحق المكفول في المادة 19 والذي يوجب على السلطات فتح حرية التعبير. كما تؤكد خطة عمل الرباط على ضمان إحكام تعريف التحريض على الكراهية، وعدم التوسع فيه، كي لا تزداد احتمالات فتح باب التطبيق التعسفي، وضمان عدم إساءة استعمال التشريعات بالاجتهادات القضائية والسياسات الوطنية الغامضة؛ إذ وجهت تهمة «التحريض على الكراهية» لآلاف المواطنين في العالم العربي في العقدين الماضيين دون وجود تعريف محدد للكراهية، وقد استخدم عنوان التحريض على الكراهية كآلةٍ قمعية للحد من حرية التعبير وممارسة الحقوق المكفولة في المادة التاسعة عشرة من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية. أي -بإيجاز للمعنى- لا ينبغي أن تستخدم المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية التي تحظر التحريض على الكراهية لقمع حرية التعبير المكفولة في المادة 19، ولا يمكن الإتكاء على المادة 19 التي تكفل حرية التعبير لشرعنة التحريض على الكراهية التي تولد العنف والتمييز والعداوة. إن المعادلة دقيقة جدًا وتتطلب تعاون الجهات القضائية والتشريعية والمدنية والدينية لعلاج المعضلة التي نشهدها بارتفاعٍ غير مسبوقٍ في معدلات الكراهية. وما يزيد من خطورة السماح لخطاب الكراهية بالاستمرار دون مراقبة ومنع؛ هو ما نشهده في الإقليم والمنطقة من توترات وعنف وتجاذبات طائفية عميقة في المرحلة الراهنة، فالعالم العربي والإسلامي ـ للأسف الشديد ـ قد نمت فيه ظاهرة العنف أو التهديد بالعنف الديني والطائفي والمذهبي في زمن قياسي؛ فالمنطقة بأكملها على صفيح ساخن، وبالتالي لا بدَّ لمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والقيادات الدينية والمجتمعية والأنظمة السياسية أن تتحمل المسؤولية التاريخية والوطنية في التصدي العملي بكل تفرعاته المدنية والقانونية والاجتماعية والسياسية والدينية لظاهرة تنامي الكراهية في المجتمعات.
وتترتب مسئوليةٌ قانونيةٌ وأخلاقيةٌ ودوليةٌ على السلطات بأخذ أعلى درجات الحذر والاحتراز ضد الجهات التي تحرّض على الكراهية بين المكونات المجتمعية. كما يجب على السلطات التصدي للخطابات التي تعمل على تغذية الكراهية بين الأديان والأعراق والمذاهب والشعوب.
كما يتطلب الوضع المتردي الذي نعيشه من القيادات الدينية المستقلة والمؤسسات الدينية الرسمية عدم الاكتفاء بالإدانة للعنف المتطرف والخطاب التكفيري المتنامي في المنطقة، بل لا بد لهم من أخذ زمام المبادرة وتبني مشاريع عملية لمكافحة التكفير والتطرف واستغلال الخطاب الد.ّيني واستخدامه لبَعْث. الفرقة والتنابذ والعداء بين الأفراد والمجتمعات، مع اعتبار الحث.ّ على الفتنة الطائفيَّة والدعوات العنصريَّة جريمةً في حق.ّ الوطن والدين والإنسان والبشرية جمعاء، ووجوب اعتماد الحوار المتكافئ والاحترام المُتبادَل والتعويل عليهما في التعامل بين فئات الشعب المختلفة، دون أيَّة تفرقة في الحقوق والواجبات بين جميع المكونات. إن التحدي الكبير الذي نعيشه يؤكد حاجة جميع الأطراف لتحرّكاتٍ وطنية تكاملية جادة من جميع الأطراف المجتمعية والرسمية لمناهضة التحريض على الكراهية في برنامج إطاري تقدمي يضع الأطر والمحددات والمعايير التي تكفل مناهضة متوافقة مع المعايير الدولية وضمانات التطبيق الموثوق المتناسب مع خطة عمل الرباط ومقررات الأمم المتحدة.